آراء وتحليلات
كبرى الأحزاب في تونس تواجه الانشقاقات
تونس - روعة قاسم
يعدّ حزب "قلب تونس" اليوم من أهم الأحزاب التونسية، فقد حصل على المرتبة الثانية من حيث عدد النواب خلال الانتخابات التشريعية لسنة 2019 ليحصد 41 مقعدًا رغم أنه حزب حديث النشأة على الساحة السياسية بقيادة نبيل القروي. ويبدو أن كابوس الانشقاق والتشتت الذي هدد حزب " نداء تونس" رغم اكتساحه المشهد السياسي والبرلماني في سنة 2014 بحصوله آنذاك على 89 مقعدًا، هو نفس السيناريو الذي يهدد اليوم حزب "قلب تونس" والذي كان الخصم الشرس لحركة "النهضة" خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة وهي من أقوى الأحزاب التونسية والأكثرها تماسكًا حتى الآن.
والمخاوف من اعادة سيناريو ومصير حزب "نداء تونس" الذي انقسم وتهاوى في انتخابات 2019، ترافق اليوم أيضًا حزب "قلب تونس" خاصة بعد تقديم القيادي في الحزب عياض اللومي استقالته وذلك بعد تصاعد الخلاف بينه وبين القيادي سفيان طوبال.
اعتبرت قيادات "قلب تونس" أن ما يحصل في صفوفها هو بمثابة المخاض السياسي ومرحلة انتقالية لإعادة النظر في مجمل الاشكالات والخلافات القائمة في الحزب بما فيها استقالة عياض اللومي، لكن المؤشرات تؤكد أن هذا الحزب أمام تحد كبير.
والمفارقة أن حزب "قلب تونس" ولد أساسًا من رحم الأزمات، فقد تعرض رئيسه نبيل القروي للسجن خلال حملته الانتخابية وترشحه للانتخابات الرئاسية وهو ما أثار آنذاك جدلًا واسعًا. واليوم يواجه الحزب أزمة جديدة بعد معارضة شق من أنصاره وقيادييه لخيار التقارب مع حركة النهضة.
وهو الأمر الذي أسهم أيضًا قبل سنوات في تشتت حزب "نداء تونس" برئاسة الباجي قائد السبسي وكان سببًا في تفككه من الداخل. فهل سيلقى حزب "قلب تونس" المصير نفسه خاصة في خضم هذه التجاذبات السياسية والخلافات وسط بيته الداخلي؟
الحقيقة أن الانشقاق الحزبي هو ميزة ترافق جلّ الأحزاب التونسية الناشئة بعد سنة 2011، وهذه الظاهرة ليست حكرًا على حزب "نداء تونس" أو "قلب تونس"، فقد عرفت أحزاب أخرى موجة انشقاقات هددت وحدتها ووجودها. ويعزي البعض سبب ذلك الى حداثة هذه الأحزاب في العمل الحزبي فأغلبها نشأ بعد الثورة وبعضها أخفق في دخول البرلمان، في حين أن البعض الآخر لم يتمكن من الحفاظ على مقاعده البرلمانية بسب موجة الانقسامات الداخلية، أو ما يسميها البعض بـ "السياحة الحزبية" التي تعصف بالعمل السياسي والحزبي في تونس.
ومن بين الأحزاب والكتل التي عرفت هذه الظاهرة نجد أيضًا "الجبهة الشعبية" وهي ائتلاف يساري يضمّ أكثر من عشرة أحزاب، ورغم صعودها الى المركز الثالث في انتخابات 2014 وتصدرها للمشهد كمنافس لـ"حركة النهضة" إلا أنها في انتخابات 2019 عرفت نكسة كبرى، مقابل صعود أحزاب جديدة مثل "قلب تونس" و"الدستوري الحر" بقيادة عبير موسى. ويحوز حزب "الدستوري الحر" على أعلى المؤشرات في استطلاعات الرأي الأخيرة، والمفارقة أنه حزب يعادي الثورة بشكل معلن ويدافع عن المنظومة القديمة و"مكتسباتها".
ويرى البعض أن هذا المشهد الحزبي المشتت أثر بشكل كبير على ثقة العديد من الشرائح التونسية بالأحزاب الناشطة اليوم سواء الحاكمة أو المعارضة. فجلّ الخلافات الحزبية الداخلية يبرهن أن الصراعات غالبًا ما تكون حول مصالح فردية بغض النظر عن المصلحة العامة للدولة واستقرارها السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
ويبدو أن ما تعيشه الأحزاب التونسية الناشئة حديثًا بعد قرابة 10 سنوات من العمل الحزبي هو جزء من مخاض عسير تشهده البلاد في ديمقراطيتها الناشئة والتي تحتاج الى تراكم الخبرات وتعلم أسس ومفاهيم قبول الآخر واحترام الرأي المخالف، وهي عقلية لا تزال غير متجذرة في تقاليد العمل السياسي لجلّ الأحزاب الجديدة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024