آراء وتحليلات
السوق العربية المشتركة: الواقع والمرتجى
د. علي مطر
يقع العالم العربيّ في قلب العالم القديم، عند ملتقى القارات الثلاث، ويقع في جنوب غربي آسيا وشمالي أفريقيا. وبالتالي فإنّه يعتبر طريق اتصال بين قارات العالم القديم برّاً وبحراً وجوّاً، فضلاً عن أنّه يُعتبر أهمّ مناطق العالم تصديراً للنّفط بسبب غناه بإنتاج النّفط واحتياطاته. كلّ ذلك يجعله محطّ أنظار الدول الخارجيّة، لا سيّما الدول التّي لطالما تعاقبت على استعمار دوله واحتلالها، والذي لا يزال ماثلاً في الاحتلال "الإسرائليي" لفلسطين والجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية، فضلاً عن أطماعه بمصر والأردن والمنافذ المائيّة لبعض الدول العربية.
النظام الإقليمي العربي
تمتلك المنطقة العربيّة مقوماتٍ تمكّنها من إقامة نظامٍ إقليميٍّ موحّدٍ، ما يؤدّي إلى حفظ أمنها القوميّ على كافة المستويات. لكن بالرغم من وجود تلك المقومات، والتي تؤمن هذه الفرصة، إلاّ أنّ تحقيق الوحدة الإقليميّة العربيّة يبدو بعيد المنال حالياً. وتعد المنطقة العربيّة من أكثر المناطق في العالم المؤهّلة لاكتساب صفة النظام الإقليمي، فمن النّاحية السّلوكيّة يمكن وصف المنطقة العربيّة بأنّها نظامٌ إقليميٌّ، ترتبط الدّول المختلفة في ظلّه ضمن تفاعلاتٍ متصارعةٍ أو متعاونةٍ.
ومفهوم النظّام الإقليميّ العربيّ يُشير إلى منظومة البلاد العربيّة من موريتانيا إلى الخليج، والتّي تربط بين أعضائها عناصر التّواصل الجغرافيّ والتّماثل في عددٍ من العناصر اللغويّة والثقافيّة والتاريخيّة والاجتماعيّة مع وجود تفاعلاتٍ بين أعضائها وإن كانت متفاوتةً.
ويطل العالم العربي على البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط والخليج العربيّ والبحر العربيّ، ويُطلّ على محيطين هما المحيط الأطلسيّ غرباً والمحيط الهنديّ شرقاً". "وتختلف نشأة النّظام الإقليميّ العربيّ عن نشأة غيره من النّظم الإقليميّة في أكثر من مجال، فالإقليم العربيّ لم ينشأ فقط لأنّ الدّول السّبع المستقلة سنة 1945، قرّرت إنشاء جامعة الدّول العربيّة، أو أنّ هذه الدول المتجاورة تتشابه ثقافياً وسياسياً.
لقد نشأ النّظام العربيّ، نتيجة تفاعل عددٍ من العوامل، كثيرٌ منها لم يكن أصلاً عند قيام نظمٍ إقليميةٍ أخرى، فالشّعوب التّي تُشكّل قاعدة النّظام العربيّ، عاشت بصفةٍ دائمةٍ على أرضها مئات السّنين، تتحدّث اللغة نفسها وتدين غالبيتها بالعقيدة نفسها. وبالتّالي، فإنّ اختلاف الشّعوب وتفاعلها وتوحّدها، سبق قرار الدّول السّبع بأن تتفاعل في شكل منظمةٍ إقليميّة". لكن الخلافات بين دوله، تجعل إمكانيّة تحقّق وحدةٍ إقليميةٍ عربيّةٍ أمراً بعيد الحصول.
وتُعدّ الموارد الطّبيعيّة المصدر الثّاني من مصادر قوّة النّظام العربيّ بعد الموقع الجغرافيّ، حيث تملك المنطقة العربيّة إمكانيات هائلةٍ من هذه الموارد، من حيث الإنتاج أو الاحتياط، فهي تحتلّ مواقع متقدمةً في إنتاج الحديد والفوسفات وغيرهما من المعادن التّي تقوم عليها الصناعات الحديثة، وإن كان المورد الأهمّ بينها هو النّفط، إذ تنتج المنطقة العربية 1/3 نفط العالم، وتضم2/3 من الاحتياطيّ المؤكد. وتشكّل هذه الثّروة النّفطيّة الموضوع الرئيسي لعلاقات العرب بغيرهم، وهي تعتبر سبباً رئيسياً لتدخّل الدّول الخارجيّة، لتُمارس سلطتها في توجيه العلاقات العربية - العربية والتأثير في مساراتها. كما أنّها تُعتبر عامل قوةٍ يمكّن من الضغط على قمّة النّظام الدّوليّ من خلال وقف أو تقليل إنتاج البترول أو تصديره، وهذا ما أعطى أهميةً ومكانةً للمنطقة العربيّة في الاقتصاد العالميّ.
السوق العربية المشتركة
في مرحلة ما بعد تأسيس جامعة الدول العربية، سعت الدول العربية لانجاز الوحدة الاقتصادية الكاملة، وهذا معناه الاندماج الاقتصادي الكامل بكل أبعاده وبكل ما يعنيه من تحقيق مكاسب لصالح الدول الأعضاء. وكانت السوق العربية المشتركة التي نادى بها العديد من الاقتصاديين والسياسيين والمفكرين العرب هي خطوة متقدمة في مجال التكامل الاقتصادي العربي. اما السوق المشتركة برأي البعض وبحد ذاتها، فهي شكل متقدم ومقبول من اشكال التعاون والتنسيق في المجالات الاقتصادية والانمائية، بين مجموعة من الدول تشعر بأن هذه السوق تحقق لها فوائد اضافية لم تستطع ولا تستطيع بمفردها ان تحققها، وتفترض السوق المشتركة التنسيق في مجال الانتاج ومجالات التجارتين الداخلية والخارجية وفي مجال اقامة المشروعات بدلاً من تكرارها في هذا البلد او ذاك، وتفترض أيضا إزالة الحواجز الجمركية جزئياً أو كلياً لتقدم شكلاً من أشكال الحواجز الجمركية مع العالم الخارجي.
تعاني الدول العربية من أوضاع حرجة ومن شرذمة على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وهي بالتالي مستهدفة على هذين المستويين. فعلى المستوى الاقتصادي تشكل أنظمة غير متناسقة ومتفاوتة من حيث المستوى في الانتاج والتقدم، ولها أسواق ضيقة، ويخضع انتاجها لمنافسة البضائع الأجنبية، وليس لكل نظام منها بمفرده أي وزن تفاوضي أو تعاقدي على الصعيد العالمي، مع الكتل الاقتصادية الكبرى كما لو كانت كتلة واحدة. وهي مستهدفة في اطار توزيع العمل الدولي من قبل الدول الصناعية المتطورة، على ان تبقى في خانة بلدان (العالم الثالث) التي تعتبر مصدِّرة للخامات والمواد الاولية رخيصة الثمن، ومستوردة للسلع الصناعية المتقدمة مرتفعة الاثمان.
وللأسف فشلت هذه السوق، وأسفرت تجارب التعاون الاقتصادي العربي وعلى رأسها تجربة السوق العربية المشتركة عن الضعف في فاعلية القرار السياسي بشأن ما يتخذ من قرارات في مؤتمرات القمة على المستوى الاقتصادي، وعدم توفر روح الالتزام والانضباط عند التطبيق لدى مختلف الاطراف. وبالرغم مما نراه اليوم ولو ظاهريا لحالة من التضامن العربي، فإن العلاقات السياسية وتقلباتها وحالات التجاذب والتنافر السياسي، أثّرت بشكل سلبي على العلاقات الاقتصادية، وعلى التعاون الاقتصادي بين هذه الدول.
وفي خطوة مهمة لإعادة إحياء السوق العربية المشتركة، دعا رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى إنشاء "سوق مشتركة" لدعم السياسات الاقتصادية والاجتماعية من أجل مكافحة الفقر والتطرف في المنطقة. وقد قال مستشار رئيس الجمهورية اللبنانية انطوان قسطنطين عبر حسابه على تويتر إن "الرئيس ميشال عون يستعد للمبادرة سعيًا لقيام سوق اقتصادية مشتركة، تضم لبنان والأردن والعراق وسوريا، وتتكامل مع السوق العربية الأوسع. مبادرة تفتح للّبنانيين آفاقاً كبيرة وآمالًا كثيرة ، وتحفظ لكل دولة سيادتها واستقلالها تحت سقف الاحترام المتبادل". فهل تفتح هذه الدعوة المهمة الطريق مجدداً أمام تفعيل هذه الطريق؟ وهل ستتمكن الدول العربية المدعوة لها إلى المشاركة بإقامة هذه السوق وما لها من نتائج اقتصادية هامة على بلدانها؟ أم أن الخلافات السياسية العربية والتدخلات الخارجية ستمنع من تلقف هذه الدعوة والمبادرة إلى تأسيس هذه السوق؟ أسئلة كثيرة تطرح تجيب عنها الأيام، لكن للأسف فإن كل المبادرات في الدول العربية لا تلقى آذاناً صاغية بسبب التدخلات الأميركية ومنع توحيد هذه الدول.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024