آراء وتحليلات
استهداف "سافيز".. مخاضٌ لوضع إقليمي جديد
إيهاب شوقي
يبدو أن ما وصفه موقع "اكسيوس" بالسبق الصحفي، بخصوص زيارة وزير الحرب الأمريكي "لويد أوستن" إلى الكيان الصهيوني، بعد أيام، هو انعكاس للقلق الأمريكي الصهيوني المتبادل من بعضهما البعض، فأمريكا قلقة من خطوات إسرائيلية تبدو منتمية لفترة ترامب، دون مراعاة للمستجدات وللتمايزات التكتيكية للرئيس الجديد. بينما الكيان الصهيوني قلق من الانسحابات الأمريكية التدريجية من المنطقة وتخفيف اللهجة تجاه طهران وإبداء بعض المرونة، حتى لو كانت خاوية من المضامين الجدية التي يمكن أن تعيد العمل بالاتفاق النووي.
وقبل الخوض في الخطوات الصهيونية المدعومة خليجيًا من عرب التطبيع بهدف التوريط في احتدام الصراع ووصوله لحافة الهاوية، ينبغي إلقاء الضوء على رصد موقع "اكسيوس" للزيارة وتناوله لتفاصيلها المرتقبة، حيث قال إنها ستكون أول زيارة على مستوى مجلس الوزراء إلى الشرق الأوسط من إدارة بايدن التي تحوّل الانتباه بعيدًا عن المنطقة باتجاه الصين وروسيا. مضيفًا إنه من المتوقع أن يلتقي أوستن برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الحرب بني غانتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي. ويقول مسؤولون إسرائيليون إن جدول الأعمال سيشمل إيران وقضايا إقليمية أخرى مثل سوريا ولبنان. كما يعتزم المسؤولون الإسرائيليون أيضًا إثارة التفاهمات الأمنية بين الولايات المتحدة والكيان، وهي تفاهمات تم التوصل إليها في الأسابيع الأخيرة من إدارة ترامب، ترتبط بالحفاظ على التفوق العسكري النوعي لـ"إسرائيل" في المنطقة، ويسعى الكيان لضمان التزام إدارة بايدن بهذه التفاهمات.
ما رصده الموقع، وهو من المواقع التي تتمتع بالموثوقية والدقة، لا يبتعد عن أجواء القلق المتبادل الذي يستدعي زيارة على مستوى وزارة الحرب بعدما بدا أنه جفوة بين بايدن ونتنياهو! وهنا يمكن أن نرصد الخطوات الإسرائيلية التوريطية التي أشرنا إليها، وهي خطوات لم يعترف العدو الصهيوني بأغلبها رسميًا، وإن كانت الشواهد والقرائن جميعها تفيد بوقوفه خلفها:
أولًا: استهداف السفينة الإيرانية "إيران ساويز" والتي تفيد المعلومات المتاحة، بأنها استهدفت بألغام بحرية قبالة سواحل إرتريا، وهو استهداف ضمن سلسلة حوادث في الفترة الأخيرة، لوح الكيان الإسرائيلي دون اعتراف بأنه هو الفاعل، وسارعت أمريكا لنفي مسؤوليتها، وهو ما يترك الكيان مسؤولًا وحيدًا في هذه العملية.
والحادث يأتي في إطار استفزاز إيران للرد والتصعيد وقطع الطريق على محاولات الإنعاش الدبلوماسية لاتفاق يبدو أنه يلفظ أنفاسه، كما أنه إعلان صهيوني عن تواجد فاعل في البحر الأحمر والقرن الإفريقي ومضيق باب المندب، وأن بإمكان (إسرائيل) تهديد الملاحة الدولية وخاصة بعد ما كشفه موقع jforum (المنتدى اليهودي) الفرنسي أن الإمارات وفرت موطئ قدم للكيان الصهيوني في اليمن عبر جزيرة سقطرى اليمنية الإستراتيجية، لإنشاء مرافق عسكرية واستخباراتية هناك، وأن هذه المواقع ستخصص لرصد تحركات البحرية الإيرانية في المنطقة، وتحليل الحركة البحرية والجوية في جنوب البحر الأحمر. مشيرًا إلى أن "إسرائيل" بدأت منذ 2016 في بناء أكبر قاعدة استخبارات في حوض البحر الأحمر في جبل أمباساريا الواقع في إريتريا في المنطقة الإستراتيجية المطلة على مضيق باب المندب.
ثانيًا: محاولة الانقلاب الأخيرة في المملكة الأردنية، وما أثير حولها من شبهات صهيونية وخليجية، وهي لا تنفصل عن خطة اليمين الصهيوني شبه المعلنة بضرورة الإطاحة بالعرش الأردني لإتمام ضم الضفة وتهجير الفلسطينيين الرافضين للأردن وخلق كونفدرالية بين السلطة والأردن، وتغيير وضع الإشراف على القدس.
وهذا ليس تخمينًا أو تحليلًا، بل هو كلام إسرائيلي منشور، فجرته صحيفة "هآرتس"، بما اعتبر قنبلة سياسية، بنشر مقال أحدث ضجة كبيرة؛ مفاده أن الهدف الإستراتيجي لليمين الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو هو إسقاط العائلة الهاشمية، وتجسيد حلم أن الأردن هو فلسطين.
وبيّن الكاتب في مقالته منذ 3 أعوام، أن اليمين الإسرائيلي يأمل في حدوث ربيع أردني، وانتفاضة ومظاهرات احتجاج حتى تنفيذ انقلاب في الحكم، منوها أنه "عندما يتم طرد الملك عبد الله بشكل مخجل، سيكون بالإمكان استكمال ضم الضفة الغربية وإقامة الكونفدرالية بين السلطة الفلسطينية والأردن الفلسطيني".
يضاف إلى ذلك ما تردد مؤخرًا، من تقارير أفادت باحتمالية تولي السعودية الإشراف على المسجد الأقصى بدلًا من عمان حال تطبيع العلاقات مع الكيان. وكان انتشار التقارير واسعًا، مما استدعى ردًا أردنيًا رسميًا عليها من خلال وزير الخارجية الصفدي في حوار مع "سي إن إن"!
نتنياهو الغارق في محاكمته وفي أزمة تشكيل الحكومة، ليس أمامه إلا الخيارات اليمينية، يضاف إليها العربية التطبيعية.
جميع التقارير تشير إلى أن طريقه الوحيد لتشكيل الحكومة هو التمكن من إقناع حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف، والذي يتألف من أنصار التفوق اليهودي وكراهية الإسلام، بالجلوس معًا في نفس الائتلاف مع ما يسمى "الحزب الإسلامي" المنشق عما تسمى "الحركة الإسلامية" بقيادة منصور عباس.
وإذا فشل نتنياهو في تشكيل حكومة، فسيكون أمام الكنيست 21 يومًا لمحاولة تشكيل ائتلاف بديل. إذا فشل هذا أيضًا، فستخوض "إسرائيل" انتخابات خامسة في سبتمبر.
وفازت ما تسمى "كتلة الحركة الإسلامية الجنوبية" المعروفة باسم "راعم" بـ 4 مقاعد للقائمة العربية الموحدة، بزعامة منصور عباس، وهو الطبيب المغمور الذي أصبح نجما في الإعلام الصهيوني بعد صداقته لنتنياهو، وبيعه لهويته العربية وارتدائه ثوب (الواقعية) وإشادته باتفاقات التطبيع بين "إسرائيل" وعدد من الدول العربية، مبديًا استعداده للعب دور الوسيط في هذا المجال.
وفي شهر أيار الماضي، بثت قناة "MBC" السعودية خبر انتخاب منصور عباس نائبًا لرئيس "الكنيست"، وعرّفته بأنه نائب لرئيس "الحركة الإسلامية" في فلسطين، علمًا أنه نائب لرئيس الحركة الجنوبية في الداخل المحتل عام 48، التي انفصل عنها القسم الشمالي بعد رفضه المشاركة في انتخابات "الكنيست".
يمكن قراءة الأحداث حاليًا في سياق كيان مأزوم غارق يتعلق بقشة خليجية، محاولًا الإيحاء بقوة وهمية تعتمد على عاملين رئيسيين، أولهما تواطؤ وخيانة عربية غير مسبوقة، وثانيهما الاعتماد المفرط على سياسة حافة الهاوية والتي لا يأمن أحد مدى انزلاقها وما يحدثه من دمار.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024