آراء وتحليلات
قراءة في الإنتخابات الإسرائيلية: أزمة كيانية واحتمال "انتخابات خامسة"
سركيس ابوزيد
مع ظهور نتائج الإنتخابات في الكيان الاسرائيلي، وهي الرابعة في خلال سنتين، يمكن تسجيل الملاحظات التالية:
1- حقق معسكر اليمين بمجمل عناوينه المتطرفة والإستيطانية فوزًا كبيرًا وسينال 72 مقعدًا تقريبًا. وبالتالي، فإن الإنتخابات في جوهرها أقرب ما تكون الى تنافس بين الأحزاب اليمينية نفسها.. لكن السؤال هو: وفق أي نسخة يمينية تكون الحكومة وبرئاسة من؟!
دوامة الإنتخابات التي دخل فيها الكبان الإسرائيلي منذ سنتين تمحورت حول شخص نتنياهو بين من يدعمه ومن يعارضه. قراءة معّمقة للمشهد الإسرائيلي عامة تُظهر أن الأزمة إنعكاس لمجموعة من المتغيّرات والعوامل العميقة والبنيوية التي نضجت وتطورت خلال العقود الأخيرة، ومن أهمها التحولات الديموغرافية والاجتماعية مع تنوع مصادر الهجرة، إضافة الى ديناميات داخلية، ما أدى الى صعود قوة الجماعات التي كانت على هامش المجتمع، من شرقيين و"حريديم" ومستوطنين ومتدينين. فلم تعد هناك كتلة تمثل أغلبية كما كانت الحال مع إقامة الكيان الإسرائيلي، وإنما تشكلت نواة صلبة متصاعدة للأحزاب اليمينية تتمثل في اليهود الروس والمستوطنين و"الحريديم"، إضافة الى التيار الديني الصهيوني.
2- أظهرت النتائج عجزًا عن حسم المعركة لمصلحة أي من المعسكرين. فقد حصل المعسكر الداعم لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على 52 مقعدًا، وحصل المعسكر المقابل المعارض لنتنياهو الذي يتصدره يائير لبيد على 56 مقعدًا، ويقف في الوسط بين المعسكرين اتحاد أحزاب اليمين برئاسة نفتالي بنيت ولديه 7 نواب، والحركة الاسلامية برئاسة منصور عباس ولديها 4 نواب.
3- إنخفاض نسبة التصويت العامة من 73 في المئة في انتخابات ربيع 2020 الى 67 في المئة، وهي أقل نسبة تصويت منذ العام 2009. ويعزو الخبراء هذا الهبوط الى الإحباط من تكرار الإنتخابات وخيبة الأمل من أحزاب الحكومة والمعارضة على حد سواء.
4- حصل حزب "الليكود" بقيادة نتنياهو على أقل عدد من النواب في المعارك الإنتخابية الأربعة. في انتخابات نيسان 2019 حصل على 35 مقعدًا، وفي أيلول 2019 حصل على 33 مقعدًا، وفي آذار 2020 حصل على 36 مقعدًا، وهذه المرة حصل على 30 مقعدًا.. وهذه النتيجة المتراجعة حصل عليها نتنياهو رغم إنجازاته السياسية الكبيرة في إحراز إتفاقيات التطبيع مع دول عربية، ونجاحه في توفير اللقاح ضد كورونا، ونجاحه في إحداث إنشقاق في أحزاب خصومه مثل "أزرق أبيض" والقائمة العربية المشتركة، وتمكنه من تجميع اليمين المتطرف لضمان عدم ضياع أصوات يمينية، وعدم وجود منافس جدي له في الأحزب الأخرى.. وهذا يدل على الهبوط الحاد في شعبية نتنياهو الذي لم يتمكن من وقف الهبوط عند حد معين.
5- حصلت مفاجآت مخالفة للتوقعات، ومن أبرزها:
- حزب أبيض أزرق حصل على 8 مقاعد، بعدما كانت الإستطلاعات توقعت أن يخرج من الخريطة السياسية.
- حزب "العمل" الذي كان على حافة السقوط والزوال حصل على 7 مقاعد كانت كافية لتعويمه، وحصل ذلك بفضل رئيسة "العمل" الجديدة ميراف ميخائيلي.
- إتحاد أحزاب اليمين برئاسة نفتالي بنيت كانت توقعت له الإستطلاعات بالحصول على 24 مقعدًا، ولكنه لم ينل إلا 7 مقاعد.
- حزب "أمل جديد" برئاسة جدعون ساعر الذي انشق عن "الليكود" وأعلن تنافسه مع نتنياهو، وأعطته الإستطلاعات الإولى 21 مقعدًا، ولكنه لم يحقق إلا 5 مقاعد.
- الحركة الإسلامية التي تقاسمت الأصوات العربية مع "القائمة العربية المشتركة"، وحصلت على 5 مقاعد فيما حصلت "القائمة المشتركة" برئاسة النائب أيمن عودة على 5 مقاعد فقط، بعدما حصلت في الإنتخابات السابقة على 16 مقعدًا. وحصلت الحركة الاسلامية على هذا العدد من المقاعد بفعل التأييد الكبير الذي حصلت عليه في منطقة النقب، وبسبب البعد الديني الذي لعب دورًا أساسيًا لصالحها.
6- ليس أمام نتنياهو إلا خيار البقاء في رئاسة الحكومة لتفادي المسار القضائي والمحاكمة، وترؤس إئتلاف حكومي وتأمين غالبية 61 صوتًا على الأقل.. وهذه مهمة ليست سهلة وتواجه شروطًا ومطالب من الأحزاب التي يتطلع نتنياهو الى التحالف معها، وليس أمامه إلا وضع كل ثقله وإمكاناته لنقل نواب من المعسكر الآخر الى معسكره. وأما الخيارات المتاحة أمامه، فهي:
- إقناع حزب "أزرق أبيض" مجددا بالانضمام الى حكومته... ولكن غانتس مصمم على عدم تكرار التجربة مع نتنياهو الذي خدعه...
- إستمالة حزب "أمل جديد" المنشق عن "الليكود"، ولكن ساعر رئيس هذا الحزب مع إفيغدور ليبرمان يكرر معارضته الانضمام الى نتنياهو والاصرار على إسقاطه.
- التوجه الى حزب "يمينا" برئاسة بنيت، ومحاولة إغرائه وتلبية مطالبه.. فإذا وافق تحسنت فرص نتنياهو الذي لا يبقى أمامه إلا ضم "الحركة الاسلامية" لبلوغ عتبة الـ61 صوتًا وتجاوزها. ولكن الحركة الإسلامية برئاسة منصور عباس تواجه بموقف متشدد من رئيس حزب الصهيونية الدينية سموترتش الذي قال إنه لا يوجد أي مجال للموافقة على المشاركة في إئتلاف حكومي يقوم على شراكة مع الحركة الإسلامية.
7- مع وجود صعوبات أمام قيام حكومة برئاسة نتنياهو، يندفع المعسكر المضاد بأطرافه المتعددة الى الإستفادة من فرصة سانحة لتشكيل الحكومة وإسقاط نتنياهو. هذا المعسكر المناهض، يسعى من الان الى تشكيل إئتلاف سريع هدفه إسقاط حكم نتنياهو، والسبيل الى ذلك هو الاتفاق على انتخاب رئيس للكنيست من معارضي نتنياهو ليتحكم في أجندة التطورات المقبلة، وسن قانون سريع يقضي بمنع من هو متهم في بتشكيل حكومة، وبذلك يغلق الطريق تمامًا أمام نتنياهو لتشكيل الحكومة.
المعسكر المناهض لنتنياهو يقوده رئيس حزب "هناك مستقبل" يائير لبيد الذي حل في المرتبة الثانية مع 18 مقعدًا، وهو الذي يقود الجهود حاليًا لتشكيل إئتلاف جديد ضد نتنياهو، ولكن لن يكون سهلًا عليه ترؤس الحكومة المقبلة.
8- أمام رئيس الدولة مهلة أسبوع بعد نشر النتائج الرسمية النهائية للتشاور مع رؤساء الاحزاب والكتل قبل اتخاذ قراره بتكليف نتنياهو أو لبيد. فإذا فشلت جهود تشكيل الحكومة مع كل منهما، سيُصار الى إجراء انتخابات خامسة نهاية هذا الصيف، وخلال هذه الفترة سيبقى نتنياهو رئيسًا للحكومة الحالية.. الذهاب الى انتخابات خامسة في غضون سنتين ونيف يعكس أزمة النظام السياسي في الكيان الإسرائيلي والمأزق الذي يقبع فيه، مع إستمرار التوازن السلبي الدقيق بين نتنياهو ومعارضيه، ما يعني أن الكيان الإسرائيلي في أزمة حكومية مستحكمة ومفتوحة على أزمة حكم ونظام سياسي.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024