آراء وتحليلات
الكيان المأزوم: نتنياهو.. أو الإنتخابات الخامسة
جهاد حيدر
للمرة الرابعة خلال سنتين تشهد "إسرائيل" انتخابات عامة، هي الرابعة والعشرون منذ قيام الكيان الإسرائيلي عام 1948. وللمرة الرابعة أيضًا، يفشل نتنياهو في تحقيق أغلبية من تحالفه التقليدي تسمح له بتشكيل حكومة يمينية مستقرة. لا يتعارض هذا التوصيف مع حقيقة أن معسكر اليمين بصيغته المتطرفة، حقق فوزًا كبيرًا يسمح له بالهيمنة على الكنيست، وأيضًا على الحكومة فيما لو ساد الاتفاق بين أطرافه. ويضم هذا التيار الليكود (30 مقعدًا) والأحزاب الحريدية، (شاس (9) ويهدوت هتوراة (7))، والصهيونية الدينية (6) ويمينا (7)، و"امل جديد (6)"، بقيادة جدعون ساعر، و"إسرائيل بيتنا (7)" برئاسة افيغدور ليبرمان.
تعكس حقيقة فوز معسكر اليمين المتطرف في الكنيست (72 مقعدا)، وفي الوقت نفسه فشل نتنياهو المتكرر في تشكيل حكومة يمينية حقيقة الانقسام الحاد الذي يشهده معسكر اليمين، وأن الانتخابات هي في الواقع أقرب إلى أن تكون داخل هذا التيار، وفي ضوء نتائجها وانتقال الاصوات من هذا الحزب أو ذاك إلى غيره، هي المُحدِّد الرئيسي لقدرة نتنياهو على تشكيل حكومة يمينية مستقرة.
بدأ هذا المسار الانقسامي (داخل معسكر اليمين) مع رفض ليبرمان الانضواء في حكومة تحت رئاسته في أعقاب انتخابات نيسان 2019 وتواصل في كل الجولات الانتخابية التي تلت وصولا إلى الانتخابات الاخيرة. شكل هذا الموقف في حينه نوعاً من المفاجأة خاصة لو أن ليبرمان وافق على الانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو لما شهدت “إسرائيل” هذا المسلسل المفتوح.
أعقب هذا الانقسام، انقسامان داخل معسكر اليمين وحزب الليكود. الأول تمثَّل برفض رئيس حزب يمينا، نفتالي بينت المشاركة في حكومة ائتلافية مع غانتس، وبقي في المعارضة وخاض الانتخابات تحت شعار استبدال نتنياهو (التقدير أنه لو استطاع نتنياهو تشكيل حكومة يمينية بانضمامه له سيفعل ذلك). والثاني، انشقاق القيادي جدعون ساعر عن حزب الليكود وتشكيل حزب "امل جديد"، لهدف واحد ومحدد هو استبدال نتنياهو، إلى حد أن ساعر أعلن بشكل صريح أن كل من يريد نتنياهو رئيسا للحكومة، لا يصوت له.
في المقابل، كان طموح نتنياهو في هذه الانتخابات، بأن ينجح في تحقيق أغلبية 61 عضو كنيست، مع الأحزاب الحريدية والصهيونية الدينية، على أمل أن يحقق ذلك بدون حزب يمينا، وإن لم يكن بالإمكان فليكن معه. لكن الذي حصل أنه فشل في تحقيق الأغلبية حتى مع "يمينا" وأدى ذلك إلى اعادة انتاج حالة الجمود السياسي التي تعاني منها الساحة الإسرائيلية.
بعد التأكيد على أن حزب الليكود نجح في تصدر الساحة الحزبية واليمينية من خلال نيله 30 مقعدًا، ونجح في إحباط محاولة بلورة حزب يميني أو غير يميني يشكل نداً له ومنافسا على تشكيل الحكومة، لكنه بمعايير أخرى فشل في تحقيق ما كان وعد به. وأدى ذلك إلى ارتفاع الانتقادات داخل الليكود كونه أدار الحملة الانتخابية بدون الاستعانة بأعضاء حزبه، وأنه تحدث في بداية الحملة عن حصول الليكود على 40 مقعدًا، في حين أن ما حصل عليه حزب الليكود، هو أقل عدد مقاعد بالقياس إلى نتائج الجولات الانتخابية الأربع التي جرت في السنتين الأخيرتين.
تنبع الانتقادات أيضًا من أن الظروف خلال الانتخابات الأخيرة كانت مثالية، بنظرهم، وتعين على نتنياهو أن يحقق أغلبية وحكومة. فقد جرت الانتخابات في ظل إنجاز تلقيح قسم كبير جدًا من الجمهور الإسرائيلي، ونجح نتنياهو بتفكيك البديل المركزي الذي خاض الانتخابات مقابله في جولات الانتخابات الثلاث، أي تحالف "ازرق ابيض"، كما نجح في شق القائمة المشتركة، وتسبب بتراجع نسب التصويت في المجتمع العربي من 65% إلى 53% وأضعف تمثيل القائمة العربية المشتركة في الكنيست.
من جهة أخرى، تميزت الانتخابات بحصول عدة مفاجآت فيها، تمثلت بفوز غير متوقع لكتلة "ازرق ابيض" (8 مقاعد) التي كانت تتوقع لها الاستطلاعات امكانية عدم تجاوزها نسبة الحسم. الأمر نفسه ينطبق على حزبي ميرتس اليساري وحزب العمل اللذين كانا يصارعان على البقاء أيضًا، حيث نال الاول 6 مقاعد، والثاني 7 مقاعد.
ومن النتائج اللافتة في الانتخابات أيضًا، تراجع التمثيل الفلسطيني من 15 مقعدا، إلى 10 مقاعد، ما سينعكس بالضرورة لمصلحة الاحزاب اليهودية. اضافة إلى الانقسام بين كتلتين، القائمة العريبة المشتركة (6) والقائمة العربية الموحدة (4) على خلفية الموقف من رئاسة نتنياهو.
التحدي الذي تواجهه الساحة الإسرائيلية أن المعسكر المناوئ لنتنياهو، غير قادر على تشكيل حكومة بديلة من دون الاستناد إلى اصوات القائمة العربية المشتركة، هذا من دون احتساب أيضًا صعوبة الجمع بين ميرتس اليساري وأحزاب يمينية متطرفة، (أمل جديد، وإسرائيل بيتنا). في المقابل، نتنياهو أيضًا غير قادر على تشكيل حكومة يمينية، من دون الاستناد إلى تأييد أو انسحاب القائمة العربية الموحدة من جلسة التصويت. وهكذا يتضح أنه في كلا الحالتين هناك عقبات ليس من السهولة تجاوزها، خاصة بعد اعلان الصهيونية الدينية المتطرفة، عن رفضها أي حكومة تستند إلى أصوات عرب.
في ضوء هذه المعطيات، يسعى المعسكر المناوئ لنتنياهو، إلى محاولة سن قانون يمنع نتنياهو من الترشح لرئاسة الحكومة، كونه متهمًا بالفساد. ويحرصون على أن يتم ذلك في الكنيست القائم قبل أن يتسلم الكنيست الجديد مهامه. لكن المشكلة أن القائمة العربية الموحدة قادرة على احباط هذه العملية الانقلابية التي ينبغي أن تمر عبر الاطاحة برئيس الكنيست، ياريف ليفين، (الليكود)، ومن دونه لا يمكن طرح مثل هذا القانون أمام الهيئة العامة.
أمام قدرة التعطيل المتبادل بين معسكر نتنياهو، ومعسكر استبداله، ليس أمام القوى السياسية للحؤول دون انتخابات خامسة، سوى أن يتراجع أحد الأحزاب عن بعض وعوده والانضمام إلى الطرف الآخر لتوفير الأغلبية، أو نجاح نتنياهو في جذب بعض الأعضاء من الطرف المقابل، وإلا فإن كأس الانتخابات المرة سيتجرعها مرة أخرى الجمهور الإسرائيلي، في ظل ظروف قد تكون غير مواتية لمصلحة نتنياهو.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024