آراء وتحليلات
بايدن يعلن المواجهة المفتوحة مع بوتين: حرب باردة جديدة
سركيس ابوزيد
كانت العلاقات الأميركية - الروسية مضبوطة نسبيًا خلال فترة الإدارة السابقة، أما الآن فتنحو إلى مسار تصادمي، عبّرت عنه خصوصًا تصريحات الرئيس الأميركي بايدن، والتي جاءت بعد تقييم استخباري يتهم موسكو وطهران بالتدخل في الانتخابات الأخيرة. والتقييم الصادر عن مكتب مدير الاستخبارات الوطنية يدعي أن الحكومة الروسية حاولت التدخل والتأثير خلال الحملة الدعائية لانتخابات 2020 ضد المرشح آنذاك جو بايدن، عبر حلفاء للرئيس السابق دونالد ترامب وإدارته.
الإدارة الجديدة مأخوذة بهاجس استعادة مكانة أميركا ودورها في العالم. لذلك قرر بايدن مغادرة مربع الدبلوماسية ولياقاتها، للانقضاض على الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وتصعيد نبرته ضد روسيا، واصفًا رئيسها بـ"القاتل"، ومحذرًا إياه من أنه "سيدفع ثمن" أعماله.
الرد الروسي على التصعيد الأميركي
وفي ضوء التصعيد الأميركي، قررت موسكو استدعاء سفيرها في واشنطن أناتولي أنطونوف للتشاور، مشددة على أن الخطوة تهدف إلى تجنب تدهور في العلاقات مع واشنطن. وفي أول رّد فعل، كتب رئيس مجلس الدوما فياتشيسالف فولودين، عبر حسابه على تلغرام "هذه هستيريا ناجمة عن العجز.. بوتين رئيسنا، وأي هجوم عليه، هو هجوم على بلادنا". ورأى الناطق باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن التقرير هو على الأرجح مجرد ذريعة لوضع قضية العقوبات المقبلة على جدول الأعمال ضد روسيا. وقال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف إن "تصريحات المخابرات الأميركية حول تدخل موسكو في الانتخابات الأخيرة لا تستند إلى أي أسس".
التصعيد حول هذا الملف تزامن مع الإعلان عن فرض رزمة عقوبات جديدة على روسيا على خلفية قضية المعارض أليكسي نافلاني. كما أعلن عن وقف كل أشكال التعاون مع روسيا في مجال مبيعات الأسلحة والتقنيات المستخدمة في صناعات السلاح، ورأت أوساط روسية أن هذا الإجراء ستكون له تداعيات مهمة على عدد من الصناعات المرتبطة بتعاون ثنائي لم يتم تجميده حتى الآن، رغم تراجع مستويات العلاقة بين الطرفين إلى أدنى مستوياتها.
في الوقت ذاته فإن تلويح بايدن بإجراءات أخرى، يمكن أن يترجم للمرة الأولى وفقًا لخبراء روس بتدابير تطال قطاعات حيوية مثل القطاع المصرفي أو التعاون المحدود الذي ما زال مستمرًا في صناعات الفضاء، فضلًا عن احتمال أن تشمل أي رزمة عقوبات جديدة شخصيات مقربة من الكرملين وربما تشمل للمرة الأولى الرئيس فلاديمير بوتين، وهو أمر قال خبراء روس إنه ستكون له تداعيات لا يمكن معالجتها.
هناك اعتقاد في روسيا بأن أي جهد لإعادة ضبط العلاقات سيكون معقدًا، وإن احتمالات الانفراجة في العلاقة بين البلدين تتضاءل نتيجة حذر روسي ومخاوف من مخططات أميركية مع الأوروبيين تهدف إلى تقويض نظامها في السنوات المقبلة كضرورة استراتيجية ضمن الاستعدادات الغربية لمواجهة الصين. وتؤكد روسيا أن الوقت غير مناسب لتطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية، بسبب الكم الهائل من الخلافات حول مسائل أساسية أبرزها:
سلاح حقوق الانسان
- ملف حقوق الإنسان، لا سيما ما يتعلق بمعاملة المعارض المسجون أليكسي نافلاني. دعم واشنطن القوي لسيادة أوكرانيا. الضربات الجوية الأميركية على الحدود السورية ـ العراقية، وحيث اتهمت موسكو واشنطن بأنها تنوي استغلال المساعدات الإنسانية لتزويد المقاتلين العاملين تحت سيطرتها في هذه المنطقة الأمر الذي يمنع استعادة السيادة والحياة السلمية في سوريا.
- وفي 2 آذار الجاري أقرت واشنطن عقوبات على شخصيات وكيانات في روسيا. وتُعتبر مقدمة للشروع بمحاسبة حكومة بوتين على الانتهاكات بحق المعارضة، ضمن برنامج الدفع بحقوق الإنسان إلى الواجهة، وهو الشعار الذي تعتمده إدارة بايدن وكان جزءا أساسيا من حملة الرئيس التي أوصلته إلى البيت الأبيض. وتترافق هذه العقوبات مع دفع الكونغرس باتجاه المصادقة على مشروع قانون "أوقفوا القتل في سوريا"، وهو المشروع الذي قدمته إدارة ترامب قبل مغادرتها، على اعتبار أن روسيا تتحدى واشنطن في مواقع نفوذها وفي الملفات الدولية، مثل سوريا وأوكرانيا، والتقارير عن منح مكافآت مقابل رؤوس الأميركيين في أفغانستان.
وأمام تلك المعطيات، فإن العلاقات بين البلدين ستكون متوترة حسب ما يبدو توجه إدارة بايدن، بسبب عدم امتثال موسكو للقرارات الدولية التي تتعلق بتدخلاتها العسكرية خارج حدودها. وعن مدى ذلك التوتر وأبرز السيناريوهات، فإن البدء دائما ما يكون بالضغط الدبلوماسي والاقتصادي، وإن لم تفلح العقوبات فدائما تتوفر على طاولة البنتاغون كل الخطط اللازمة عند الحاجة.
حرب باردة جديدة
في الواقع، تتهيأ موسكو إلى مرحلة تسودها تشنجات في العلاقة مع واشنطن، حيث يُصر فريق بايدن على جعل قضية نافالني أحد أبرز عناوين المرحلة المقبلة، ودفع الاتحاد الأوروبي إلى مزيد من التصعيد في هذه القضية، التي جعلت العلاقة بين الأوروبيين وروسيا في أدنى مستوياتها. وعليه فإن العلاقة بين الجانبين لن تبقى خاضعة لمقاييس واعتبارات براغماتية المصالح، فالهوّة تتسع بين الجانبين حيث تحاول موسكو الدفاع عما أنجزته في الأعوام الأخيرة، فيما تُصر واشنطن على استعادة زعامتها. فاندفاعة الإدارة الجديدة المتمسكة بالزعامة الدولية وما تحمل من مضامين الاحادية القطبية، تؤرق موسكو وتضعها أمام خيارات صعبة تفرض عليها إما المواجهة المكلفة التي ستعيدها إلى منطق الحرب الباردة وسباق التسلح، وإما خيار التراجع وهو مستحيل كونه سيهدد سلامة أمنها القومي. كما أن خيار المهادنة يبدو صعبًا مع إدارة تخطط لمحاصرتها.
موسكو الحائرة ما بين غرب يضع شروطه الطاردة وبين شرق يسعى إلى قضمها، وجدت نفسها شبه وحيدة في مواجهة نوايا إدارة بايدن في السياسة الدولية ومشروعها باستعادة الولايات المتحدة موقعها القيادي، الأمر الذي استفزها وتسبب بردة فعل سلبية غاضبة من عودة واشنطن للحديث عن مكانتها في الهرمية العالمية. وما بين حنين روسي إلى ماض إمبراطوري ورغبة أميركية بفرض هيمنة القوة العظمى، يبدو أن قضايا كثيرة وشائكة ستعود إلى الواجهة، من حقوق الانسان مرورًا بأفغانستان وسوريا وصولًا إلى أوكرانيا. ويبدو أن واشنطن ستمارس ضغوطًا على موسكو، والوقوف بوجه طموحاتها التوسعية، وستعزز حضورها على حدودها الأوروبية في بيلاروسيا وأوكرانيا، حيث يتهيأ الروس لمواجهة مع وزير خارجية بايدن أنطوني بلينكن الذي دعا سابقًا إلى تسليح كييف في مواجهة الجماعة الانفصالية شرق أوكرانيا، المدعومة من موسكو، وإلى توسيع دور "الناتو" في جمهوريات أوروبا الشرقية والبلطيق، كما ترجّح موسكو أن يقود بلينكن سياسة خارجية محافظة تعيد التوتر بين البلدين، خصوصًا في سوريا، حيث استخدم بلينكن لأول مرة بشكل رسمي توصيف "الهولوكوست" على ما يجري في سوريا، وموقفه المتشدد من "النظام" السوري واتهام موسكو وطهران بدعم الرئس الأسد.. ما يعني أن العلاقة الفاترة بين الرئيسين بوتين وبايدن ستؤثر نوعًا ما على العلاقة ما بين البلدين، لكنها لن تصل إلى مستوى الصدام.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024