آراء وتحليلات
التوتر الروسي - الأميركي - الأوروبي وانعكاسه على قضايا المنطقة
سركيس ابوزيد
بعد تأزم العلاقات الأميركية ـ الروسية، نشهد توترًا في العلاقات الروسية ـ الأوروبية التي تكاد تصل إلى نقطة "اللاعودة"، وخصوصًا بعد فشل المساعي في إحداث ثغرة في جدار أزمة الثقة التي فاقمتها قضية المعارض الروسي ألكسي نافلاني. وعلى خلفيتها، لجأ الغرب، مجددًا إلى التلويح بسلاح العقوبات ضد موسكو التي وصفت السلوك الأوروبي بـ"المبالغ فيه" إزاء هذه القضية، ملوحة بقطع العلاقات مع الاتحاد الأوروبي في حال فرضه عقوبات جديدة تشكل خطرًا على قطاعات حساسة من اقتصاد البلاد.
عقوبات غربية ضد روسيا
سبق وتوصل وزراء خارجية الدول الـ27 في اجتماعهم الذي التأم في شباط الماضي، بمشاركة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إلى اتفاق سياسي يُفعل التكتل بموجبه نظام العقوبات الجديد المرتبط بحقوق الإنسان للمرة الأولى، من أجل معاقبة أربعة مسؤولين روس ضالعين في سجن نافلاني و"القمع" ضد أنصاره، على أن تدخل الإجراءات حيّز التنفيذ خلال القمة الأوروبية في 25 و26 آذار الحالي.
بالتوازي مع هذه التطورات، عقد مجلس الأمن الدولي جلسة في الذكرى الثانية لاتفاق "مينسك 2" اتهم الغرب خلالها روسيا بعرقلة التوصل إلى حل للصراع المستمر منذ سنوات في شرق أوكرانيا بين حكومة كييف والانفصاليين المدعومين من موسكو. وفي بيان مشترك، نددت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وإيرلندا والنروج وإستونيا، بالاضافة إلى ألمانيا (راعية اتفاقات "مينسك") بما أسمته "استمرار موسكو في زعزعة الاستقرار" في بعض المناطق شرق أوكرانيا، من خلال استخدام القوة ضد وحدة أراضي أوكرانيا وسيادتها، معتبرة أنها بذلك "تنتهك" المبادئ الاساسية للقانون الدولي. كذلك، دعا البيان الحكومة الروسية إلى التوقف فورا عن "تأجيج النزاع عبر تقديم دعم مالي وعسكري للتشكيلات المسلحة التي تدعمها في كييف"، معبّرا عن القلق إزاء وجود قوات وأسلحة روسية في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة الاوكرانية.
روسيا رفضت المواقف الأوروبية ورأت فيها محاولة مباشرة للتدخل في شؤونها الداخلية، لأن الغرب يحتاج إلى أليكسي نافلاني لزعزعة استقرار الوضع في روسيا، مشيرة الى أن نافلاني انتهك القانون الروسي بشكل متكرر وكمواطن روسي يجب أن يُحاسب على أنشطته غير القانونية، وأن نشاط أنصاره مدعوم من جانب عواصم غربية لتأجيج الوضع في البلاد، ودفع مزيد من المظاهر الاحتجاجية تمهيدا لاطلاق ثورة شعبية بالتزامن مع انتخابات مجلس الدوما المقررة في أيلول المقبل.
خلافات حول الملف السوري
على صعيد آخر، خرج الى العلن خلاف أوروبي ـ روسي بشأن الملف السوري. فقد بدأت دول أوروبية تحركًا لإقرار وثيقة قدمتها فرنسا باسم مجموعة ذات تفكير متشابه، تقترح رفض أي انتخابات رئاسية سورية لا تحصل بموجب القرار الدولي 2254، وقطع الطريق على التطبيع مع دمشق بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في نهاية أيار المقبل، وفي ظل جهود روسية كي تكون الانتخابات نقطة انعطاف وطي صفحة السنوات العشر الماضية، عبر بدء دول عربية وأوروبية عملية تطبيع دبلوماسي وسياسي مع دمشق، وإرسال أموال لدعم الإعمار في سوريا، والاعتراف بشرعية الانتخابات.
وحسب المسودة الفرنسية، فإنها ترمي إلى منح وساطة الأمم المتحدة المتوقفة منذ 3 سنوات بشأن الدستور زخمًا سياسيًا جديدًا يساهم في معاودة ربط العملية السياسية بـ"الشعب السوري"، داخل وخارج البلاد، مع مواجهة القيادة الروسية بشأن العملية السياسية، إضافة إلى معارضة ما أسمته "محاولات النظام السوري وحلفائه إعلان نهاية الازمة"، من خلال إجراء انتخابات "صورية مزيفة" في عام 2021 الحالي، حسب زعمهم، من دون الالتزام بتنفيذ العملية السياسية المستندة إلى القرار 2254، والتعامل المباشر مع الأسباب العميقة للأزمة الراهنة. واعتبرت الوثيقة الفرنسية أنه سيتم "استغلال" هذه الانتخابات من جانب "النظام الحاكم" ومؤيديه للإعلان من جانب واحد عن نهاية الأزمة السورية، من دون الالتزام بأي شيء يتفق مع "تطلعات الشعب"، ومن شأن هذه الانتخابات أن تشكل "حاجز ردع كبيرا في وجوه اللاجئين"، حسب تعبير الوثيقة.
ومن حيث المبدأ، اقترحت الورقة الفرنسية 4 خطوات عمل، هي: أولًا، ضمانات لمشاركة اللاجئين من الخارج والنازحين في الداخل في عملية الاقتراع. ثانيا، تنفيذ خطوات بناء الثقة، وإيجاد البيئة الامنة المحايدة. ثالثا، تهيئة الظروف القانونية والعملية لاجراء الاقتراع التعددي. رابعا، إشراف منظمة الأمم المتحدة على الانتخابات، وضمان أقصى درجات الحياد.
علاقات روسية - عربية
لمواجهة الموقف الأوروبي من سوريا، اعتمدت روسيا خطة التفاف وفتح أبواب جديدة. لذلك حضر الملف السوري بقوة في محادثات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في الإمارات والسعودية. وعكست التصريحات الصادرة عن وزيري خارجية البلدين تطورًا في الموقف الخليجي في اتجاهين: الأول هو التنسيق مع روسيا لإيجاد حل سياسي للأزمة السورية، بعدما أثبتت حروب وتجارب السنوات العشر الماضية أن لا حل عسكريًا لهذه الأزمة، وأن لا حل سياسيًا من دون الرئيس بشار الأسد الذي صار شرطًا للحل وجزءًا منه.
والاتجاه الثاني هو العمل على إعادة سوريا الى "الحضن العربي"، مع ما يعنيه ذلك من اعتراف صريح بالنظام السوري وشرعية الرئيس الأسد التي ستكرسها الانتخابات الرئاسية لهذا العام. والترجمة العملية لذلك تكون في عودة سوريا الى الجامعة العربية، بعدما شكل إقصاؤها ضررًا للعرب وإقصاء لهم عن دائرة التأثير في مجرى الأحداث والأوضاع السورية، فأضحى "اللاعب العربي" خارج الطاولة والساحة السورية متأثرة اقليميًا بإيران وتركيا و"الكيان الإسرائيلي"، إضافة الى قوتين دوليتين: روسيا والولايات المتحدة. والآن ثمة التقاء بين روسيا ودول الخليج، لا سيما السعودية والامارات، على ضرورة التعاون وتنسيق الجهود في سوريا، وعلى قاعدة الحاجة المتبادلة: حاجة روسيا الى العنصر العربي على سبيل التوازن في وجه التشدد الأوروبي، وحاجة العرب، ولا سيما دول الخليج، الى روسيا للعودة الى سوريا والجلوس على طاولة الحل السياسي.
هذه الوقائع تظهر أن العلاقات الروسية مع أوروبا والعرب تشهد تحولات جديدة ترسم معالم التحالفات المستقبلية خاصة بعد توتر وتأزم العلاقات الأميركية الروسية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024