آراء وتحليلات
زيارة غريبة لماكينزي... ماذا يخطط الاميركيون للبنان؟
شارل ابي نادر
ليست المرة الاولى التي يقوم فيها مسؤول اميركي، عسكري او ديبلوماسي بزيارة لبنان، فالاميركيون حافظوا دائما ورغم اقسى الظروف التي تعرض لها لبنان، على نفس نمط التواصل والتواجد، وحيث كان يقل احيانا التواجد الجسدي لديبلوماسييهم او لمسؤوليهم الامنيين والعسكريين، وذلك في حالات التوتر الامني والعسكري التي كانت تشهدها الساحة اللبنانية، ولكنهم عمليا، لم يتركوا وتيرة تاثيراتهم ونشاطاتهم تقل بتاتا، لا بل كانت ترتفع اكثر مع كل توتر امني او عسكري في لبنان، لانهم بالاساس هم المعنيون الرئيسيون بكل حركة غير متوازنة في لبنان، تخطيطا وتنفيذا، وعلى الاقل مراقبة ومتابعة.
ما كان لافتا مؤخرا وفي سياق زيارات المسؤولين الاميركيين الى لبنان، زيارة قائد المنطقة الاميريكة المركزية او منطقة الشرق الاوسط، والتي اخذت طابعا مختلفا وغريبا عن باقي الزيارات، اولا في الشكل، وثانيا في المضمون بمختلف أبعاده، لناحية التوقيت، او لناحية مكان الزيارة او لناحية موضوعها، وذلك على الشكل التالي:
في الشكل:
اولا: اللافت في الزيارة كان تخصيص الأميركيين الجيش اللبناني فقط في التواصل والتحضير والاستقبال، بغياب اي مرجع او مسؤول ديبلوماسي من وزارتي الخارجية او الدفاع، وذلك حسبما كان مفترضا لناحية الاصول والبروتوكول، فصحيح ان الجنرال ماكينزي هو مسؤول عسكري، ولكن مركزه ووظيفته كقائد للوحدات العسكرية الاميريكة في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، يضعه في موقع اقرب الى الديبلوماسي الاميريكي اكثر منه العسكري، وزياراته السابقة الى لبنان او الى اغلب الدول التي تدخل ضمن صلاحية تواجد المنطقة العسكرية التي يقود الوحدات الاميريكة فيها، كانت تتم تحت طابع سياسي ديبلوماسي بشكل كامل.
ثانيا: أخذت الاجراءات الامنية المتشددة التي واكبت الزيارة، طابعا استثنائيا، لناحية انتشار وحدات الحماية القريبة او البعيدة عن مكان الزيارة، او لناحية عدد طوافات المراقبة او الحماية والنقل والتي تجاوزت الست طوافات، وايضا لناحية مناورة الهبوط والتحليق الخاصة، والتي لا تختلف كثيرا عن اي مناورة تقوم بها وحدات عسكرية محمولة جواً، بهدف تنفيذ عملية خاصة، امنية او عسكرية.
في المضمون
لناحية التوقيت: جاءت الزيارة في أصعب وقت يعيشه لبنان، لناحية الانهيار المالي والاقتصادي، وحيث فقدت بين مسؤوليه، وخاصة المعنيين بتشكيل الحكومة، اي امكانية للتواصل او للتخاطب او للعودة الى التوازن السياسي المطلوب عدم تجاوز حده الادنى، وفي وقت حساس، بدت فيه الساحة اللبنانية اقرب الى الانفجار بمختلف اوجهه.
اللافت ايضا في توقيت الزيارة، انها جاءت بعد فترة قصيرة من تعديل مناطق صلاحية المنطقة المركزية الاميريكة حيث مسؤولية ماكينزي، باضافة اسرائيل اليها، وفي توقيت يشهد اقصى مستوى من التوتر بين الاخيرة وحلفائها الجدد من الخليجيين من جهة، وبين ايران ومحور المقاومة وضمنا لبنان من جهة اخرى، بدت الزيارة وكأنها رسالة تحدٍ اميركية اسرائيلية للبنان، كحاضن رئيس لطرف اساسي من اطراف محور المقاومة: حزب الله.
لناحية المكان: قد تكون الاجراءات الامنية الاستثنائية التي رافقت الزيارة، خير دليل على حساسية مكان الزيارة بالنسبة للزائر وما يمثله، حيث منطقة البقاع، وبمعزل عن التواجد المباشر او عدم التواجد المباشر للمقاومة في بقعة الزيارة (غزة البقاع الغربي)، فهي تشكل منطقة حاضنة بالكامل لحزب الله، في بعدها الشعبي، او في بعدها الميداني وارتباطها المباشر جغرافيا مع سوريا، او في بعدها العملياتي للمقاومة، في معاركها ضد العدو الاسرائيلي قبل التحرير في مناطق جنوب غرب المحافظة (ميدون ومشغرة ويحمر وعين التينة وغيرها)، او في معارك المقاومة ضد التكفيريين في شرق وشمال شرق المحافظة.
النقطة اللافتة ايضا في مكان الزيارة، ان بلدة غزة بحد ذاتها، وبوجودها المكشوف في السهل، لا تحمل اي بعد ميداني أمني عسكري، بل التركيز يجب ان يتجه، ومن هذه النواحي (الامنية والعسكرية والميدانية) الى جنوب شرقها بعدة كيلومترات، إلى تلة وبلدة السلطان يعقوب الاستراتيجية، والتي تشكل بموقعها وبجغرافيتها المشرفة على قسم كبير من الحدود اللبنانية السورية او على المنطقة الجنوبية من البقاع والمرتبطة جغرافيا مع الجنوب اللبناني، تشكل النقطة الاكثر احتمالا لتكون بقعة انزال جوي لوحدات محمولة، وبقعة لتمركز قوة برية منزلة (مشاة ومدرعات)، من غير المستبعد ان تكون اميريكة، تبعا لتطور اي مسار امني او عسكري داخل الاراضي اللبنانية وخاصة بقاعا، وحيث إن القدرة العسكرية الاميريكة لهكذا عمل متوفرة وبشكل اكيد، فإنه من شبه المؤكد ان تكون منطقة السلطان يعقوب من ضمن النقاط الاكثر احتمالا في مخططات الوحدات الاميريكة لتكون بقعة الانزال المذكورة.
لناحية موضوع الزيارة المعلن:
لقد جاءنا ماكينزي ليفتتح بئر مياه منجزة منذ عامين، كانت قد ساهمت في بنائها وكالة التنمية الاميركية، وفي توقيت غريب، مختلف بالكامل عما يجب ان تكون مركزة فيه اهتمامات اللبنانيين، مواطنين او مسؤولين، كما وصدر بيان السفارة الاميريكة تعليقا على الزيارة، بانها تعبير عن دعم لبنان وامنه وسيادته، وانها جاءت لتعبر عن وقوف واشنطن قربه، في هذه الظروف الصعبة التي يعيشها، في الوقت الذي نجد فيه عمليا، تعارضا واختلافا كاملا بين بيان السفارة الاخير، مع ما تقوم به واشنطن من اجراءات تقوض سيادته، وتساهم في تسريع انهياره اقتصاديا وماليا...
من هنا، يمكن من كل ذلك، وخاصة حول ما ذكر أعلاه لناحية توقيت الزيارة او لناحية خصوصية مكانها، ان نستنتج حقيقة الهدف من هذه الزيارة، او بعضا من مخططات الاميركيين المرتقبة تجاه لبنان.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024