موقع طوفان الأقصى الجبهة اللبنانية

آراء وتحليلات

حق الوصول للمعلومات.. قانون مع وقف التنفيذ
09/03/2021

حق الوصول للمعلومات.. قانون مع وقف التنفيذ

هاني ابراهيم

المطالبة بالإصلاح، مكافحة الفساد، المساءلة والشفافية وغيرها من المفردات تحت عنوان تعزيز دور دولة القانون والمؤسسات، أثرت بشكل فعّال وهادف في إقرار القانون رقم 28 تاريخ 10/02/2017 أو ما يعرف بالحق في الوصول الى المعلومات.
                                                                               
لكن، في بلد كلبنان، هل يكفي فقط اقرار القانون لضمان الوصول الى المعلومة، أم نحتاج الى إرادة من جهة وقرار سياسي من جهة أخرى؟

من هنا نبدأ. سجل اقتراح قانون "الحق في الوصول الى المعلومات" في مجلس النواب في العام 2009، وبعد ثلاث سنوات من تقديمه، وضع هذا الإقتراح على جدول أعمال لجنة الإدارة والعدل النیابیة ابتداء من العام 2012، حیث بدأ العمل على مناقشته في لجنة فرعیة، ومن ثم أحیل الى الھیئة العامة لمجلس النواب تمهيدًا للتصويت عليه وإقراره، وهكذا صدر القانون رقم 28 تاریخ 2/10/2017 بعدد مواده الـ26 وقد تم نشره بالجريدة الرسمية عدد 8 تاريخ 16/2/2017 ما بين الصفحات 758-762.

ما بين تاريخ تسجيل الاقتراح لدى مجلس النواب عام 2009 وتاريخ اقراره عام 2017 ثماني سنوات حتى أبصر النور، ما جعل لبنان يحتل المرتبة 117 عالميًا بين الدول التي أقرت القانون، والخامس عربيًا، بعد كل من الأردن، تونس، اليمن، والسودان فيما بعض الدول كالسويد على سبيل المثال أقرت هذا الحق في العام 1766 وفنلندا عام 1951. وعليه، هل من يريد الشفافية، المساءلة ومكافحة الفساد ينتظر ثماني سنوات ليقر هكذا قانون؟

بالعودة الى مضمون القانون، وبصرف النظر عن التسويف والمماطلة  في إقراره، فإنه يعمل على الوقایة من الفساد والمساھمة في مكافحته من جهة وتأمين الشفافية في أعمال الإدارات والمؤسسات العامة بمفهومها القانوني الواسع من جهة أخرى، كما وتعزیز الثقة الداخلیة والخارجیة ورفع مستوى الثقة في عمل الإدارة وتطویر مؤسسات الدولة وإخضاعھا للمساءلة في مختلف أعمالها وعلى جمیع المستویات، إلا ما استثني منھا بنص صریح لحمایة مصلحة شخصیة أو عامة مشروعة، وقد شملت أحكام هذا القانون جمیع أشخاص القانون العام، المحاكم والبلدیات وأشخاص القانون الخاص الذین یؤدون وظائف تخدم المصلحة العامة.

مما لا شك فيه أن إقرار ھذا القانون في لبنان شكل نقلة نوعیة وبارقة أمل نحو تعزیز دولة القانون والشفافیة في إدارة الشأن العام، وقد ترجم ذلك من خلال المادة الأولى من القانون عندما نصت على أنه "یحق لكل شخص، طبیعي أو معنوي، الوصول الى المعلومات والمستندات الموجودة لدى الإدارة والاطلاع علیھا". وهذا الأمر ينسجم بطبيعة الحال مع ما نادت به شرعة حقوق الإنسان واتفاقیة مكافحة الفساد للعام 2003 والتي انضم إلیھا لبنان في 22 نیسان 2009.

إلا أنه رغم إقراره منذ سنوات عديدة ووضعه موضع التنفيذ، فإن الإدارة وفي مقدمتها مؤسسة مجلس الوزراء ورئاسة الحكومة لم تتابع بشكل جدي تطبیق أحكام القانون في الإدارات المعنیة، ولقد لحظنا ذلك في أكثر من مكان وليس آخره ما حصل مؤخرًا بشأن مناقصة الفيول والخلاف على تفسير قانون حق الوصول الى المعلومات بين الأمين العام لمجلس الوزراء وبين مدير عام المناقصات الدكتور جان العلية، حيث يصر الأول على أن مناقشات مجلس الوزراء سرّية ولا يشملها قانون حق الوصول الى المعلومات فيما يعتبر الدكتور العلية أن موجب السرية يقتصر حصرًا على ما يقرره المجلس أنه سرّي.

طبعًا، هناك الكثير من الشواهد والأمثلة على التخبط في الإدارات والمؤسسات العامة حول تفسير هذا القانون لا سيما في ظل غياب المراسيم التطبيقية له. وفي هذا السياق صدرت استشارتان منفصلتان 2017 - 2018 أكدت من خلالهما ھیئة التشریع والاستشارات "أن أحكام قانون الحق في الوصول إلى المعلومات قابلة للتطبیق بذاتھا دون حاجة للاستعانة بنصوص تطبیقیة خاصة تصدر عن السلطة الاجرائیة، طالما لم یتبیّن وجود مواضیع تحتاج لصدور مراسیم بھا (استشارة 2017/441) (استشارة 2018 /951) كما صدر عن مجلس شورى الدولة قرارات ألزمت الإدارات المتمنّعة بتسلیم مستندات مطلوبة.

هذا فضلًا عن المماطلة والتسويف في جواب الإدارة حول الطلبات التي تقدم لديها إذ تصل في بعض الأحيان إلى الستة أشهر أو يزيد ليأتي الجواب بعد ذلك بالرفض أيضًا، في مخالفة واضحة وصريحة لنص المادة 16 من القانون نفسه حيث یعتبر عدم الرد خلال تلك الفترة بمثابة رفض ضمني للطلب وخاصة إذا ترافق ذلك مع عدم تبرير الإدارة للتأخیر في الإجابة على طلب المعلومات. مع الإشارة هنا الى أن القانون أعطى الإدارة مهلة 15 يوما فقط للإجابة على طلب المعلومة!

إضافة الى التجاوزات التي ذكرت، فإن مشكلة أخرى تواجه هذا القانون، وهي في افتقار أغلب الإدارات إلى البنية التحتية والموارد اللازمة لتطبيق القانون، من تلك النواقص على سبيل المثال لا الحصر، يفرض القانون على الإدارات نشر التقارير السنوية والقرارات والعمليات المالية الضخمة على مواقعها الإلكترونية لكن، هل تملك هذه الإدارات والمؤسسات مواقع إلكترونية؟ وإن كان البعض يملك، فهل هي مفعّلة بشكل دوري؟
                                                           
ألا يعتبر غياب المكننة في بعض المؤسسات كالقضاء مثلًا، مانعًا دون الوصول الى إحصاءات دقيقة لأنواع معينة من الجرائم أو غيرها من الأمور التي يجيز قانون حق الوصول للمعلومات الاطلاع عليها؟

بناء على كل ما تقدم، یبدو واضحًا للجميع أن قانون الحق في الوصول الى المعلومات، ورغم أهميته والإنجاز في خطوة إقراره إلا أنه لم يدخل بعد حیّز التنفیذ من الناحية العملية والواقعية وبقي إلى حد كبير قانونا يضاف الى العديد من القوانين المتشابهة التي تحتاج الى تفعیل كي تحقق الأھداف التي أقرّت من أجلھا، وأن لا يتحول شأنه شأن غيره من القوانين الى مجرد تشريعات توضع على الرفوف وكأن قدر لبنان، الذي يتغنى بأن عاصمته بيروت أم الشرائع، قدره أن يشرّع وإن شرّع، فإنه يشرّع متأخرًا عن غيره بسنوات، والأصعب من كل هو عدم العمل بهذه التشريعات رغم أهميتها، وهنا المعضلة الأكبر.

كل ذلك يسمح لنا أن نعود ونسأل عمن يمنع تطبيق هذه القوانين؟ النظام بسبب ضعفه أو تركيبته التوافقية؟ المصالح التي غالبًا ما تكون أقوى من المشرع نفسه؟ أم القانون نفسه؟

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل