آراء وتحليلات
واشنطن والتلويح المستمر بـ"داعش"
محمد محمود مرتضى
وقف العراقيون يوم أمس الاثنين دقيقة صمت حدادًا على أرواح الضحايا، الذين قدموا حياتهم خلال الأعوام المنصرمة في صراعهم مع الارهاب وممن وقعوا ضحايا لهجماتهم وتفجيراتهم الارهابية، حيث تحل الذكرى الأولى لإعلان الانتصار على تنظيم "داعش"، وتحرير البلاد من قبضته العنيفة.
الحكومة العراقية كانت قد أقرت العاشر من كانون الأول/ ديسمبر من كل عام عطلة رسمية، يتذكر من خلالها العراقيون انتصارهم على التنظيم الارهابي.
ورغم الهزيمة المدوية على "داعش" يبقى السؤال الأبرز المرتبط بدوافع قيام الحكومات الغربية بالطعن بهذا الانتصار ومدى واقعيته والتسويق لاستمرار خطر "داعش" على العراق. ففي تشرين الأول/ أوكتوبر من العام الجاري أفادت صحف أمريكية عن قيام قوات التحالف الدولي بقصف مناطق جغرافية أظهرت الإحداثيات وجود عناصر داعشية فيها، وكانت تلك المناطق تقع ضمن الحزام القريب من جبل "قرة جوخ" الواقع جنوب شرق "الموصل" في نينوي شمال البلاد، اضافة إلى ذلك، أعلنت السلطات العراقية في التاسع من تشرين الثاني الجاري ايضا القبض على خمسة عناصر من "داعش" بالمحافظة ذاتها.
وبالربط بين تلك الوقائع وما نشرته الصحف الاميركية اضافة الى ما نشرته مؤخرًا صحيفة "ذي صن" البريطانية حول اختباء ثلاثة آلاف مسلح من عناصر "داعش" في أنفاق وكهوف بجبال العراق، فهل يبدو ثمة تضارب حول الحكم بانتهاء التنظيم في العراق؟!
بالعودة الى الاحصائيات الأخيرة التي نشرها معهد الاقتصاد والسلام "IEP" فان العراق لا يزال يحتفظ بالمراكز الأولى على مؤشر الدول الأكثر تأثرًا بالعمليات الإرهابية، كما أنه حصل على نسبة 23% من مجموع الوفيات الناتجة عن الهجمات المتطرفة والتي بلغت في العالم الماضي (2017) نحو ثمانية عشر الفا وثمانمئة وأربع عشرة (18814) حالة وفاة حول العالم، أي أن العراق احتفظ بما يقارب الثلث من ضحايا الإرهاب حول العالم.
كما أكدت دراسة أخرى نشرها المركز الأمريكي للدراسات السياسية والاستراتيجية "CSIS" أن "داعش" لا يزال يملك من عشرة إلى خمسة عشر ألف مسلح داخل الأراضي العراقية ينتشر أغلبهم على المناطق الحدودية مع سوريا، كما أن محافظة "كركوك" تُعتبر من أكثر المناطق التي ينشط بها التنظيم وفقًا للمركز الذي أوضح أن خلافات الجيش العراقي والبشمركة حول حيازة الإقليم تجعل من المنطقة أرضًا رخوة لاجتذاب الإرهاب.
في الواقع إن أحداً لم يدّع تحقيق الانتصار النهائي على "داعش"، اذ ان الانتصار الذي أعلنه العراقيون هو انتصار يرتبط بمستوى التحديات التي كانت قائمة وحجم الجغرافيا التي كان يحتلها، فوفق هذا المنظار لا شك أن "داعش" قد هزم، وتلقى ضربات قاصمة للظهر، أما التخلص من كل تبعات "داعش" وحراكه الأمني فإن لهذا الموضوع حديثاً آخر. اذ كما كان احتلال "داعش" لأجزاء كبيرة من العراق لعبة استخبارية أميركية باتت مكشوفة، فان استمرار "داعش" والتلويح به كخطر قائم هو ايضا خاضع للعبة المصالح الاميركية والغربية. هذا التنظيم وجد في الشرق الأوسط من أجل تأجيج صراعات المنطقة وخدمة القوى الكبرى في العالم، وهذه المصالح لا تزال قائمة، وبالتالي فإن إنهاء دور التنظيم بشكل تام لم يحن وقته بعده.
لقد كان يراد للملف الكردي، على سبيل المثال، أن يكون أول قطاف لثمار نشر "داعش" لناحية تقسيم العراق، الا أن العملية الجراحية التي أجريت في بعض المناطق لا سيما كركوك، أجهضت تلك المحاولة.
صحيح ان انتشار "داعش" عام 2014 كان في جزء منه يعود لبعض السياسات العراقية الداخلية الخاطئة، الا أن تحميل المسؤولية لهذه السياسات مجافٍ للحقيقة، اذ إن ذلك يصور وكأن "داعش" ومشاريعه وخططه وحراكه هو عبارة عن تنظيم ينطلق من أهداف عراقية محلية بحتة، فيما أكدت الوثائق والمعطيات مدى ارتباط هذا التنظيم بالاستخبارات الأميركية ومشاريعها وخططها منذ عام 2004 على الاقل، ثم تطور بعد رفض الحكومة العراقية التجديد لوجود القواعد الاميركية في العراق.
صحيح أننا ضد عقلية المؤامرة، لكننا في المقابل ضد محاولة اقناعنا بالصدف المتكررة التي غالبا ما تصب في مصلحة واشنطن وخططها، وقد جاء حراك "داعش" واحتلاله لمناطق واسعة من العراق ضمن سياق هذه الأعمال التي صبت في المصلحة الاميركية. فهل هذه مصادفة؟ بالطبع لا.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024