آراء وتحليلات
الأزمة التونسية تراوح مكانها.. ماذا عن التدخلات الخارجية؟
تونس - روعة قاسم
مازال رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيد يرفض استقبال الوزراء الجدد الذين سماهم رئيس الحكومة هشام المشيشي لأداء اليمين في القصر الرئاسي بقرطاج باعتبار وأن الوزراء المعنيين بأداء الأمان تم اختيارهم لتعويض وزراء آخرين كانوا من اختيار ساكن قرطاج. فالرئيس سعيد لم يستسغ عملية استبعاد وزرائه وتعويضهم بآخرين من قبل الأحزاب الداعمة لحكومة المشيشي وهي حركة النهضة وحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة.
ونتيجة لهذا الرفض فإن الوزراء الجدد لم يمارسوا مهامهم بعد وتعطل جراء ذلك العمل الحكومي في وقت يمرّ فيه البلد بأزمة إقتصادية خانقة نتجت عنها مصاعب إجتماعية، ناهيك عن الأزمة الصحية التي تسبب فيها انتشار وباء كورونا. فتونس اليوم مشلولة بالكامل وبحاجة إلى تنازلات من هذا الطرف أو ذاك مراعاة للمصلحة الوطنية وتغليبا لمنطق الحوار على لغة العنف التي يمكن أن تؤدي بالخضراء إلى مالا يحمد عقباه.
وللإشارة فإن الرئيس سعيد هو الذي اختار هشام المشيشي لرئاسة الحكومة بعد أن فشل مرشح حركة "النهضة" في نيل تزكية البرلمان لحكومته، وبعد أن استقال رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بسبب شبهة فساد. فالدستور التونسي الجديد ينصّ على أن تشكيل الحكومة إثر الإنتخابات يقوم به مرشح الحزب الأول وفي حال عجز عن نيل تزكية البرلمان تذهب المبادرة إلى رئيس الجمهورية الذي يصبح تسمية المكلف بالحكومة من مهامه.
والحقيقة أن المشيشي هو رئيس حكومة في نظام شبه برلماني فحتى وإن كلّفه رئيس الجمهورية، هو مطالب بخلق حزام برلماني داعم له والتقرب من الأحزاب الكبرى ومنها حركة "النهضة" لنيل التزكية لحكومته داخل البرلمان وحتى يتمكن من تمرير مشاريع القوانين. وبالتالي فإن اتهام البعض لرئيس الحكومة بأنه خان رئيس الجمهورية الذي سماه وارتمى في حضن حركة "النهضة" لا يبدو اتهامًا وجيهًا باعتبار حاجة رئيس الحكومة للأحزاب الكبيرة.
ولعل ما زاد الطين بلة هو غياب المحكمة الدستورية العليا التي عجز التونسيون عن تشكيلها بفعل الخلافات السياسية ورغبة كل طرف في الهيمنة عليها لتأويل الدستور على هواه. وهذه المحكمة هي المؤهلة دون سواها في فضّ مثل هكذا خلاف قد ينشأ بين رئيسي الحكومة والجمهورية حول الصلاحيات التنفيذية في نظام شبه برلماني يعطي صلاحيات لرئيس الجمهورية باعتباره منتخبًا مباشرة من الشعب ويلعب فيه رئيس الحكومة الدور الأهم على غرار الأنظمة البرلمانية.
وتحذّر أطراف سياسية تونسية من مغبّة تدخل أطراف خارجية لفضّ الإشكال الحاصل بين رئيس الجمهورية قيس سعيد من جهة ورئيس الحكومة مدعومًا من حركة "النهضة" من جهة أخرى. فالتدخل على غرار ما يحصل في بلدان عربية أخرى سيفتح الباب على مصراعيه لضرب السيادة الوطنية في الصميم وسيعطي الإنطباع بأن تونس دولة فاشلة وغير قادرة على حل مشاكلها داخليا وبآليات محلية صرفة.
وقد سبق منذ ثمان سنوات أن وجدت البلاد نفسها في أزمة شبيهة وخرجت من أزمتها بحوار وطني رعته منظمات المجتمع المدني الكبرى في البلاد وهي الإتحاد العام التونسي للشغل والإتحاد التونسي للصناعة والتجارة والهيئة الوطنية للمحامين والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. ويرغب البعض في تكرار التجربة نفسها، أي إجراء حوار وطني يتم فيه الإتفاق على خارطة طريق وحزمة من الإجراءات مع التوسع في المنظمات الراعية للحوار لتشمل إتحاد الفلاحين ومنظمات أخرى.
أما ما سوى ذلك فإن الإحتقان هو الذي سيبقى سائدًا وستواصل الأطراف المتصارعة نزولها إلى الشارع استعراضًا لقوتها على الميدان وسط وضع إقتصادي واجتماعي مزري. فالشارع يمكن تحريكه من قبل الخصوم ضد بعضهم البعض في أي وقت ودون صعوبة لكنه قد ينفلت ويستحيل ضبطه والسيطرة عليه خاصة وأن المال السياسي الخارجي متوفر وتُشترى به الذمم لخدمة الأجندات الخارجية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024