آراء وتحليلات
"داعش" وإهتزاز الإستقرار.. حاجة أميركية للبقاء في العراق
بغداد: عادل الجبوري
لا يختلف اثنان على أن استهداف البعثات الدبلوماسية الأجنبية في العراق أمر خاطئ ويطلق رسائل سلبية عديدة، لعل من بينها انعدام الأمن في البلاد، وعجز الحكومة عن توفير الحد المعقول والمقبول من الحماية للمؤسسات المحلية أو الأجنبية، ناهيك عن المواطن العادي.
وحينما تتعرض بعثات دبلوماسية أجنبية لاعتداءات متكررة خلال فترات زمنية قصيرة، دون تشخيص وتحديد الجهات المتورطة، فهذا يؤشر إلى خلل كبير وفاضح في الأداء الأمني تتحمله بالدرجة الأساس السلطة التنفيذية متمثلة بالقائد العام للقوات المسلحة والمفاصل الأمنية والاستخباراتية الخاضعة لإشرافه العام.
وتأخذ الأمور أبعادًا أخرى حينما توجه أصابع الاتهام ضمنًا أو صراحة الى الحشد الشعبي، وهذه بلا شك اتهامات خطيرة يراد من ورائها خلط الأوراق، ومن غير المستبعد أن تكون الجهات التي توجه مثل تلك الاتهامات وتحاول تسويقها عبر منابر سياسية وإعلامية مختلفة، هي ذاتها التي تقف وراء استهداف وقصف البعثات الدبلوماسية، وإلا هل يعقل أن تقدم مؤسسة أمنية تخضع للسياقات الرسمية على خطوات من هذا القبيل؟ وما الفائدة الحقيقية التي يمكن أن تتحقق من وراء ذلك؟ هذا ما تحدثت به العديد من الشخصيات السياسية، في ذات الوقت الذي حذرت فيه من خطورة هذه السيناريوهات ودعت الجهات المسؤولة الى الكشف عن كل الخفايا والأسرار والحقائق.
إن تتبع خيوط عمليات قصف البعثات الدبلوماسية من شأنه أن يساهم في إماطة اللثام عمن يقف وراء إرباك الأوضاع الأمنية ويسعى لإعادة البلاد إلى المربع الأول.
ويبدو أن قراءة تفاعلات المشهد الأمني والسياسي الراهن في العراق لا تكتمل من خلال تحليل خلفيات وأسباب ودوافع ومعطيات وتداعيات لعبة الصواريخ التي تطلق بين الفينة والأخرى، دون التوقف عند أحداث ووقائع أخرى، والبحث عن نقاط الترابط ومحطات الالتقاء فيما بينها.
الحديث عن "لعبة" الصواريخ الموجهة الى البعثات الاجنبية والمطارات والقواعد العسكرية، في بغداد واربيل وصلاح الدين، لا ينبغي ان يفضي الى اهمال حقيقة وماهية الخروقات الداعشية المتكررة خلال الاسابيع او الشهور القلائل الماضية في اكثر من محور، واغلبها استهدفت قوات الحشد الشعبي وتسببت باستشهاد العشرات، بينهم قادة ميدانيون، علما ان التنسيق بين المؤسسات والاجهزة الامنية والعسكرية العراقية ينبغي ان يكون بمستوى عال، فضلا عن التنسيق والتواصل بين تلك المؤسسات والاجهزة من جانب، وقوات ما يسمى بالتحالف الدولي المتواجدة على الارض وفي السماء.
الى جانب ذلك، فإن معظم المناطق التي شهدت خروقات لعصابات "داعش" الإجرامية، كانت قبل عدة أعوام خاضعة لسيطرة تلك العصابات بصورة شبه كاملة، إن لم تكن كاملة، ناهيك عن وجود العديد من الحواضن لها من البيئة الاجتماعية هناك، وهو ما أتاح لـ"داعش" الذي انهزم في الميدان، أن يعيد تنظيم جزء من صفوفه بصيغة الخلايا النائمة. ولعل العملية النوعية الأخيرة في منطقة الطارمية شمال العاصمة بغداد، أشارت بوضوح الى ذلك الأمر، وجاءت في الوقت المناسب، لأنها بحسب ما أكد قادة أمنيون، ساهمت بإحباط مخطط كبير لاستهداف مناطق في العاصمة بعمليات إرهابية بواسطة سيارات مفخخة وانغماسيين، دون إغفال دلالات التفجيرات الإرهابية الانتحارية التي وقعت في ساحة الطيران وسط بغداد في الواحد والعشرين من شهر كانون الثاني - يناير الماضي، بعد هدوء وتوقف لمثل تلك العمليات دام حوالي عامين.
نقطة الوصل والالتقاء بين الهجمات الصاروخية على البعثات الدبلوماسية الأجنبية وبعض المواقع الأخرى، وخروقات "داعش" الأمنية، تتمثل في توفير وتهيئة الأرضيات المطلوبة لإطلاق الدعوات من داخل العراق وخارجه لإبقاء القوات الأميركية - الأجنبية على أرض البلاد تحت ذريعة عدم استقرار الأوضاع الأمنية وبقاء التهديدات.
فهناك اليوم في بغداد، كما هو الحال في واشنطن وعواصم أخرى، من يسوّق ويروج لبقاء - بل لزيادة - القوات الأميركية والأجنبية في العراق تحت ذريعة "أن مسلحي "داعش" ما زالوا موجودين في أطراف المدن والقرى والمناطق النائية، وهذا ما يضع الكثير من العراقيل أمام وصول القوات العراقية إلى تلك المناطق الخطرة ومكافحة تلك العناصر التي تختبىء في الصحراء الواسعة والكهوف والجبال".
وعلى ضوء هذه الرؤية المرتبكة، يذهب من يتبنونها الى "أن هناك من يتفق على بقاء القوات الأمريكية وربما زيادة عددها أكثر من السابق، بعد أن أقدم ترامب على إغلاق مراكز التدريب والقواعد العسكرية وأبقى فقط على قاعدتين في أربيل شمال العراق، وقاعدة عين الأسد غرب محافظة الأنبار".
وهذا ما يتناقض تمامًا مع ثوابت المرجعية الدينية ومطالب الحراك الجماهيري السلمي، ومزاج الشارع العراقي على وجه العموم، وكذلك يتقاطع مع قرار مجلس النواب الصادر في الخامس من شهر كانون الثاني - يناير من العام الماضي 2020، القاضي بإلزام الحكومة بإخراج القوات الاجنبية من البلاد.
وبما أن الأجواء والظروف السياسية والشعبية غير مهيأة لفكرة بقاء القوات الأميركية، ناهيك عن زيادة أعدادها، فلا بد لواشنطن ومن معها، البحث عن بديل مناسب، يضمن بقاء الأمور على حالها من حيث الجوهر، في ذات الوقت الذي يؤدي الى تخفيف ردود الأفعال والمواقف الرافضة، ومن هنا جاء سيناريو زيادة أعداد قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو) العاملة في العراق، علمًا أن الفكرة ليست جديدة، ولكن لم تتبلور الظروف المناسبة ولا الضرورات الملحة لترجمتها على أرض الواقع.
ويشير استاذ العلوم السياسية والسفير السابق قيس النوري، الى انه "في ظل ثبات المصالح والأهداف الاستراتيجية للبيت الأبيض، سوف تبقي واشنطن على هدف الإمساك بالعراق، والإبقاء عليه خارج التأثير في بيئته الإقليمية، كأحد الأهداف الإستراتيجية لأمريكا و"إسرائيل"، وستخضع عملية تقييم إبقاء القوات الأمريكية من عدمه في العراق وفق هذا الهدف والمعيار الإستراتيجي لدى واشنطن".
ونقطة الوصل والربط الثالثة مع "لعبة" القصف الصاروخي وخروقات "داعش"، هي الدعوة أو الإعلان عن التوجه الى زيادة أعداد قوات "الناتو" التي غالبًا ما يتردد أن "مهامها تدريبية وليست قتالية"!، ويتردد كذلك ب"أن الوضع الأمني يتطلب أن تكون هناك مساعدة ليس فقط من الولايات المتحدة الأميركية، بل من الدول المتطورة أيضًا في حلف "الناتو" للقضاء على الإرهاب الحقيقي الذي تعاني منه أيضًا دول الجوار وليس العراق بمفرده".
وهذا التسويق، قوبل برفض عراقي قاطع، لم يكن أقل مستوى ووضوحًا من رفض بقاء القوات الأميركية والإصرار على إخراجها من البلاد بأسرع وقت.
ولأن هناك استحقاقات سياسية مختلفة قادمة، أبرزها الانتخابات البرلمانية المبكرة، فيما لو أجريت في الموعد المحدد لها في العاشر من شهر تشرين الأول - أكتوبر المقبل، الى جانب التحديات الاقتصادية والصحية المقلقة، فإن الضغوطات الخارجية معززة بمشاكسات ومشاغبات داخلية ستتواصل من أجل توجيه الأمور بالمسارات التي ترغب بها وتخطط لها واشنطن وحلفاؤها، بصرف النظر عن غياب ترامب وحضور بايدن.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024