آراء وتحليلات
ليبيا نحو حكومة مؤقتة موحدة: تطلعات ومخاوف
تونس - روعة قاسم
تتواصل فعاليات منتدى الحوار السياسي المنعقد في جنيف برعاية أممية الى غاية الجمعة الخامس من شهر شباط الجاري، وذلك من أجل التصويت على رئيس المجلس الرئاسي ونائبيه ورئيس حكومة منفصل عن الرئاسي، لقيادة مرحلة انتقالية وحتى انجاز الانتخابات في الرابع والعشرين من ديسمبر القادم. وتبدو الأنظار متجهة الى هذا المؤتمر وما سيتمخض عنه من نتائج فعلية على أرض الواقع تنهي الحرب الدائرة والأزمة المستعصية منذ سنوات.
فحجم التفاؤل بمدى فعالية هكذا مباحثات يبدو نسبيًا ضئيلا بالنظر الى كمّ الإخفاقات الهائلة التي رافقت كل مبادرات التسوية التي حصلت في هذا البلد سواء الإقليمية أو الدولية أو الأممية. فحتى اتفاق الصخيرات الذي كان هناك شبه اجماع حوله والذي أفرز الحكومة الحالية في الغرب، سرعان ما تعثر بسبب ارتباط العديد من فرقاء الصراع الليبي بالأجندات الخارجية وما تحمله من مخاطر على سيادة الدولة الليبية ووحدتها واستقرارها. لذلك فالسؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو هل ستنجح الحكومة التنفيذية المرتقبة في إيجاد التوافق المنشود بين الليبيين شرقًا وغربًا؟
الجدير بالذكر أن هناك 74 مشاركًا في الحوار يمثلون فرقاء الصراع والمجموعات المتناحرة، وهناك صراع خفي يدور من أجل فرض أسماء بعينها وكل طرف يحاول أن يجذب الحوار لصالحه. كما أنه في الميدان وفي الشارع الليبي عادت المواجهات المسلحة لتلقي بثقلها على فعاليات التسوية الليبية المنتظرة. فقد حصلت مواجهات مسلحة في طرابلس قابلة للتطور والتصعيد بين ميليشيات طرابلس الداعمة للسراج ومليشيات مصراتة التي هرعت الى طرابلس لحماية فتحي باشاغا المترشح لرئاسة الحكومة.
حظوظ النجاح
تطورات أمنية تقود الى طرح السؤال الخطير وهو: ما هي حظوظ نجاح الحكومة الانتقالية التي ستتمخض عن حوار جنيف الحالي برئاسة باشاغا لا سيما وأن كل التسريبات والمؤشرات تؤكد أن باشاغا سيكون على رأس الحكومة؟
في هذا السياق يرى المحلل المتخصص في الشؤون الليبية مصطفى الجريء في حديث مع "العهد" أن المجموعات المسلحة تضغط الآن على الأمم المتحدة والقوى المؤثرة لإبعاد باشاغا، وقد بلغ ضغط ميليشيات طرابلس حد الطلب من السراج تكوين حكومة موحدة لقطع الطريق أمام مبادرة الأمم المتحدة، غير أن هذا لن يغير شيئًا، بحسب محدثنا. ويضيف "مع انتهاء يوم الجمعة يستفيق الليبيون على وجود رئيس حكومة جديد ومثير للجدل وينطلق في تكوين فريقه الحكومي وتوزيع الحقائب بالمحاصصة والجهويات والترضيات، وتحت الضغط ستنال تلك الحكومة ثقة البرلمان".
ويشير الجريء الى أن التحديات والعقبات لا تحصى أمام هذه الحكومة المنتظرة أهمها معضلة المرتزقة والقوات الأجنبية والجماعات المتطرفة المسلحة وكيفية تأمين الحكومة وتحاشي الوقوع تحت ضغط المليشيات، موضحًا أن "عاملًا مهمًا قد يلعب لصالح الحكومة الجديدة وهو دعم تركيا الداعمة للجماعات المسيطرة على الغرب الليبي. ورغم أن الحليف الأساسي لأنقرة فائز السراج قد خرج من المشهد السياسي لكن باشاغا أيضا قريب جدًا من تركيا". وبحسب الجريء فإن مجموعات عديدة مسلحة ومحسوبة على قوى طرابلس تعارض بشدة الوجود التركي، غير أن أنقرة تسعى للتقرب من هذه المجموعات والتواصل مع قادة تلك المليشيات بدليل تدخلها مؤخرًا ودعوتها لقادة مليشيات الغرب الليبي ومصراتة الى أنقرة لتهدئة الوضع الأمني في طرابلس.
الحكومة الجديدة سوف تعزز الجسم القديم الجديد مثل الحرس الوطني وتدعم حرس المنشآت النفطية وستعمل من داخل طرابلس بعد ارسال فريق المراقبين الدوليين لمراقبة وقف اطلاق النار. ويؤكد المحلل المتخصص في الشأن الليبي أن الحكومة الانتقالية بإمكانها حلحلة أزمات المواطن وتفعيل وتوحيد الأجهزة الامنية وتقنين ظاهرة انتشار السلاح بإدماج المجموعات المسلحة لكن سوف يصعب عليها الايفاء بالتعهد بإنجاز الانتخابات في موعدها لا سيما وأنه لم يبق أمامها سوى 5 او 6 أشهر، أي المدة التي يتطلبها تشكيل الحكومة وعرضها على مجلس النواب وأداء اليمين الدستورية دون نسيان الاستفتاء على الدستور، لذلك تبدو الحكومة في سباق مع الزمن وتطلعات المواطن.
الدور الخارجي
خارجيًا، حدثت تحولات نتجت عن خروج دونالد ترامب وقدوم بايدن الساعي للتقارب مع الاتحاد الأوروبي حيث سيقوم بالتوقيع على اتفاق ومعاهدة المناخ ويتجه بايدن لتفويض الاتحاد الاوروبي بأزمة ليبيا.
أما إقليميًا ومغاربيًا، فهناك انسجام بين مواقف دول الجوار الليبي وعودة الدبلوماسية المغربية بقوة وهذا يعد عنصرًا فاعلًا للتسريع بالعملية السياسية. فبعد احتضان المغرب مفاوضات الصخيرات وتوقيع الاتفاق السياسي سنة 2015 عادت واحتضنت اجتماعات وفدي مجلس النواب والاعلى للدولة، ونجحت في توحيد المؤسسات السيادية وتعيين متقلدي مناصبها. مصر بدورها تواصل احتضان لجنة المسار الدستوري، وتحدث كل هذه التطورات وسط دعم من باقي دول الجوار.
لذلك، فإن حظوظ الحكومة الموحدة الانتقالية كبيرة في أداء المطلوب ويبقى فقط مسألة انجاز الاستحقاق الانتخابي في موعده، طالما أن المطلوب منها ليس أكثر من ذلك فهي غير معنية بمحاربة الارهاب ولا بحل المليشيات باعتبارها سلطة مؤقتة لبضعة أشهر.
ويبقى المجتمع الدولي والأمم المتحدة أمام اختبار حقيقي لتأكيد وجود ارادة فعلية لإنهاء محنة الليبيين والحفاظ على وحدة ليبيا.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024