معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

مهلة تأليف الحكومة: نقص تشريعي أم إرادة سياسية؟
01/02/2021

مهلة تأليف الحكومة: نقص تشريعي أم إرادة سياسية؟

هاني ابراهيم

لطالما كانت العلاقة بين النصوص الدستورية من جهة والممارسة السياسية من جهة ثانية دونها اشكاليات عديدة، وتتصف في كثير من الاحيان بالجدلية المقصودة.

كلنا يعلم بأن خطوات تشكيل الحكومات الجديدة في لبنان تبدأ عندما يسمي رئيس الجمهورية رئيس الحكومة المكلّف بالتشاور مع رئيس مجلس النواب استنادًا الى استشارات نيابية ملزمة يطلعه رسمياً على نتائجها وذلك استنادًا لما نصت عليه المادة 53 من الدستور (البند2) لتبدأ مرحلة ثانية بقيام رئيس الحكومة المكلّف بتشكيل الحكومة بالاستشارات النيابية التي يجريها مع الكتل النيابية تليها رحلة التأليف وبعدها البيان الوزاري وصولًا لنيل ثقة مجلس النواب.

اعتقد البعض لا سيما بعد اتفاق الطائف أو ما يعرف بوثيقة الوفاق الوطني أن التعديلات الدستورية الناتجة عنه سوف تؤدي الى تأمين الاستقرار السياسي في البلاد ما ينعكس ايجابًا على اداء الادارات والمؤسسات العامة كما الخاصة، وتدور بالتالي عجلة البلاد. لكن، سرعان ما يصطدم الاعتقاد بالواقع، ما بين مؤتمن على دستور من جهة ومسؤول عن أعمال مجلس وزراء من جهة أخرى، تطرح المشكلة الأهم وهي عملية التأليف وما يترافق مع ذلك من أخذ ورد في ظل غياب النص الواضح والصريح - كما يعبر عنه باللغة الدستورية الحقوقية - للمهلة المحددة في هذا الاطار.

في ظل غياب مهلة محددة تقيد تأليف الحكومة، جاءت المادة 64 من الدستور لتحرر الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة من أي مهلة للانتهاء من مشاورات التأليف، ولم تعطِ رئيس الجمهورية ايضًا ولا حتى المؤسسات الدستورية صلاحية سحب التكليف المبني على إرادة النواب، حيث كانت هذه المهلة تمتد في أكثر من تجربة لعدة أشهر وتمتد معها معاناة الادارات والمؤسسات والمرافق العامة ومن خلفها عجلة الحياة للمواطن اللبناني.

لذا، وعند كل تشكيل حكومة تُطرح مسألة المهلة المعطاة للرئيس المكلف تشكيل الحكومة، والأهم هي النتائج المترتبة على غياب أي مهلة لهذا التكليف دون التوصل الى التشكيل. لكن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا، الا يفترض أن يكون الهدف وعلى نحو أساس في تشكيل الحكومة هو ضرورة تشكيلها من دون مماطلة أو تسويف بهدف ضمان استمرار عمل المؤسسات الدستورية، وخاصة في بلد مثل لبنان دائم التعرض للأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحرصاً على استمرارالمرافق العامة؟

ذهب البعض الى القول إن الهدف من ترك المهلة حرة وغير مقيدة هو من باب الحرص على أن لا يشعر الرئيس المكلف بضغط عامل الوقت من جهة، وأن لا يبقى تحت ضغط الكتل النيابية الكبيرة من جهة أخرى، الا أنه أمر يتنافى مع واقع الأمور وخاصة أن نهاية عملية التأليف ستنتهي بالمجلس للحصول على الثقة فاذا لم تأخذ الكتل الكبرى ما تريد كيف للحكومة أن تنال الثقة؟

في مقابل ذلك يبرز دور رئيس الجمهورية في هذا الاطار ومدى دستورية استرداد التكليف المعطى للرئيس المكلف، وهل هناك آلية دستورية لذلك؟  

لم ينص الدستور على اعطاء أي سلطة أو صلاحية لأية جهة كانت باسترداد التكليف المعطى للرئيس المكلف أو حتى وضع سقف زمني له في حده الأدنى، تحت حجة أن التكليف قائم على تسمية مباشرة من قبل النواب، وعليه فإن ذلك لا يندرج تحت عنوان التفويض لكي نستطيع الحديث عن امكانية سحبه ولا هو تعيين من قبل رئيس البلاد يمكن التراجع عنه، بل هو تكليف بمهمة دستورية ينتهي بانتهاء تسميته رئيسًا للحكومة، إلا في حالة واحدة فريدة وهي أن يقرر الرئيس المكلف نفسه الاعتذار، وعندها سنكون أمام سيناريو جديد للتكليف يكرر نفسه.

وهنا أكثر من علامة استفهام ترسم، لماذا لم يقر مهلة زمنية للتاليف أسوة بالمهلة الزمنية المقررة لإعداد البيان الوزاري على سبيل المثال وهو شهر واحد؟
أجوبة عديدة ومختلفة ومبررات متنوعة لم ترق أي منها الى مستوى المقبول حتى ونحن في بلد تشوبه الفوضى الدستورية والقانونية المنظمة.
وهذا يأخذنا الى ملاحظة لا بد منها وهي أن عدم تحديد مهلة زمنية للتشكيل تجعلنا عند استقالة الحكومة أمام حكومة تصريف أعمال قد تدوم أشهرًا عديدة.

وأمام هذا الواقع، ماذا لو لم يتفق كل من الرئيس المكلف ورئيس الجمهورية على التشكيلة الحكومية؟ فأين يكمن الحل؟

بحسب كل التجارب السابقة، فإن الأمر مرهون بتحمل رجال الدولة المسؤولية تجاه المواطن وتجاه بلدهم، ولكن، ماذا لو لم يحصل ذلك في ظل ما اشترطه الدستور لا سيما في المادتين 53 و64 منه وهو حصول اتفاق بينهما لإصدار مرسوم تشكيل الحكومة وتوقيعه معًا؟ فهل نحن أمام حائط مسدود دستوريًا وقانونيًا؟

تماشيًا مع النص القانوني الذي يقول (لا عقوبة بدون نص) فإن المبدأ الدستوري هو (لا صلاحية دستورية بلا نص). وعليه، لا صلاحية لرئيس الجمهورية ولا للنواب الذين سموا الرئيس المكلف حق عزله إذا لم يشأ هذا الأخير الاعتذار عن عدم متابعة مهمته بتأليف الحكومة، في ظل غياب النص الدستوري الذي يبيح لهما ذلك.

حلول عديدة واجتهادات كثيرة طرحت على بساط البحث الا أنها لم تلق سندًا دستوريًا، منها على سبيل المثال التوقيع على عريضة نيابية تطلب من رئيس الجمهورية استرداد التكليف، لكن هذا الاجراء لا سند له في الدستور، كما اصطدم بالقاعدة الدستورية التي تقول بمبدأ الفصل بين السلطات.

لم يبق أمام هذا الواقع الا التوجه نحو تعديل دستوري يطال المواد المتعلقة بذلك، وهذا ما قام به تكتل لبنان القوي باقتراحه الذي يرمي الى تعديل المادتين 53 (الفقرة 3 ) و 64 (الفقرة 2 ) من الدستور، وبتحديد مهلة شهر للدعوة للاستشارات النيابية وشهر لتشكيل الحكومة والى حين اقراره يبقى المكلف مكلفًا.
 
فما بين دفتي عدم تقييد مهلة التاليف من جهة وعدم القدرة على استرداد سحب التكليف الصادر عن إرادة النواب من جهة ثانية  ينتظر اللبناني على رصيف الأمل لعل النور يأتي من مكان ما لتدور عجلة هذا البلد. ويبقى السؤال الأهم: هل كانت الحياة في لبنان السياسية منها والدستورية ترجمة صادقة لأحكام الدستور كما يقتضي أن تكون؟ الجواب برسم المعنيين.

الطائف

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات