آراء وتحليلات
"داعش" وتفجيرات بغداد: الدلالات والمآلات
محمد مرتضى
لم تأت تفجيرات ساحة الطيران في بغداد، والتي تبناها "داعش"، خارج سياق النشاط الملحوظ للتنظيم في الآونة الأخيرة، فقد دلت المؤشرات على قرب قيامه بهذا النوع من الأعمال الإرهابية التي لم تكن الأولى، ولن تكون الأخيرة.
وجاءت هذه التفجيرات بعد سلسلة من العمليات في العراق وسوريا. ويتركز نشاط التنظيم في سوريا في البادية الممتدة من تدمر الى دير الزور فالميادين، وهي غالبًا ما تقع في خاصرة قاعدة التنف الأمريكية التي يبدو أن عناصر "داعش" يحتمون بها في هجماتهم، ولهذا الأمر دلالات كثيرة لا تخفى على المتتبع.
وأما في العراق، فقد جاءت الهجمات الانتحارية في ساحة الطيران في سياق مجموعة من الهجمات المنسقة بدأت منذ الربع الأول من العام الماضي، واشتدت في هجمات شهر رمضان، ثم تصاعدت في الربع الأخير من العام الماضي، وهي مستمرة الى اليوم في منطقة صلاح الدين.
ما ميّز هجمات بغداد أنها انتحارية، وهذا النوع من العمليات وإن لم يكن جديدًا على التنظيم سابقًا، لكنه جديد خلال هذه المرحلة، إذ إن الطابع العام لهجمات "داعش" الأخيرة هو اعتماده على الضرب والانسحاب.
لقد تبنى "داعش" هذه الهجمات عبر بيان نشر على الشبكة العنكبوتية. ولئن كانت هذه الطريقة مشبوهة لناحية أن التنظيم قد غاب عن الشبكة لفترات طويلة ما يضع علامات استفهام كبيرة حول مدى قدرة التنظيم على العودة الى نشاطه الإعلامي، الا أن مضمون البيان لا يخلو من دلالات أهمها:
1- أنه موقّع باسم ولاية العراق، وهو تقسيم اداري لم يكن كذلك في هيكلية التنظيم سابقا؛ حيث كان العراق مقسما الى أكثر من ولاية. وهو أمر يشير الى قيام التنظيم بإعادة هيكلة نفسه بما يتوافق والضرورات المطلوبة في هذه المرحلة. ولعل أهم ما يشير اليه تخصيص العراق بولاية هو محاولة التنظيم استنهاض أتباعه ومحاولة التخفيف من حالة التوتر التي كانت قائمة في أوقات سابقة عندما وُجهت للتنظيم الاتهامات بتفضيل العنصر العراقي على غيره من أتباعه. وعليه فإن فصل العراق وجعله ولاية خاصة يوحي بأن الشام (سوريا) هي بدورها ولاية أيضا.
2- إن لغة البيان تحريضية مذهبياً، وهذا التحريض وان لم يغب بشكل عام عن مفردات التنظيم، لكنه كان قد تراجع في إعلانه عن "الخلافة"حيث ساد خطاب "داعش" لغة التحريض العام بما يتناسب وسعة البقعة الجغرافية التي يعمل فيها. إن اللغة التحريضية المذهبية التي سادت البيان تذكرنا ببيانات "داعش" خلال فترة ما قبل الانسحاب الأميركي من العراق وفترة ما قبل اعلان "الخلافة". وفي هذا دلالة على أن التنظيم يعمل في إطار العودة الى الاستراتيجية السابقة التي يطلق عليها اسم "النكاية" والتي تعني إنزال أقسى الخسائر في الطرف المقابل لإضعاف قبضته الأمنية من جهة، واستنهاض واستقطاب المزيد من الاتباع والمؤيدين من جهة أخرى.
ومهما يكن من أمر، وبمعزل عن مضمون البيان الداعشي، فإن نشاط التنظيم المتصاعد في العراق وسوريا تزامن في أحد سياقاته مع الضغط المتواصل على الاحتلال الأمريكي ودفعه للانسحاب، وهذا أمر لطالما كان مقترناً تاريخياً. فبالعودة الى ما قبل عام 2011، كانت هجمات "داعش" (طبعا لم يكن التنظيم قد اطلق على نفسه هذه التسمية في ذلك الوقت) تزداد حدة مع سير المفاوضات حول انسحاب القوات الامريكية، وهي محاولة أمريكية كان يراد منها الإيحاء بأن العراق يحتاج للقوات الامريكية لمساعدته على محاربة الإرهاب. لكن ما تبين لاحقا، أن هذا الإرهاب لم يكن سوى صنيعة أمريكية من فرق الموت التي أسسها نيغروبونتي فور وصوله الى العراق (والذي عرف آنذاك بخيار السلفادور).
وبالمحصلة، فإن عودة "داعش" الى سابق عهده من القوة أمر مستبعد لأسباب عدة، أهمها أن الظروف الميدانية مختلفة عما كانت عليه عام 2014 لا سيما لجهة قوة العراق بجيشه وحشده الشعبي، وكذلك الأمر في سوريا، الا أن ذلك لا يعني ابداً عدم قدرة التنظيم على الايذاء كلما ضاق هامش مناورة الأمريكي. فـ"داعش" سيبقى، باسمه أو نهجه، طالما هناك قواعد عسكرية أمريكية، وأوكار للتجسس والإرهاب يطلق عليها زورًا اسم سفارات.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024