آراء وتحليلات
مقابل الخراب الأميركي.. حزب الله يحمي ويبني
محمد أ. الحسيني
كان ينقص لبنان أن يواجه ازدياد وطأة جائحة فيروس كورونا لتزداد فصول المأساة فصلاً أسود يثقل كاهل الناس، وتضاف إلى معاناتهم أزمة جديدة تضعهم أمام أفق مسدود.. لا حكومة حتى الآن تأخذ دورها في معالجة الملفّات والقضايا الداخلية الداهمة اقتصادياً واجتماعياً، ولا استقرار مالياً حتى الآن نتيجة التسيّب والفساد المستشري في الإدارات والمؤسسات الرسمية والخاصة. أما الحصار الأمريكي الشامل فقد أدى إلى إدخال لبنان، بنظامه ودوائره ومقوّماته الأساسية وحركته السياسية والاجتماعية والاقتصادية، في حالة شلل شبه كاملة في ظل انسداد أفق الحل والمعالجة.
سيناريوهات قلقة ومبادرات خيّرة
كان الناس يمنّون أنفسهم بانفراجة أمل تمنحهم قبساً من نور في آخر النفق المظلم، ولكن توالي الأزمات الداخلية والمستوردة وإقفال البلاد بسبب جائحة كورونا، مع ما رافق هذا الإقفال من تعطيل لدورة العمل واستنزاف القطاع الصحي مع تزايد أعداد الوفيات والمصابين بالوباء الخبيث، جعلت الناس يستشرفون أمرّ الخيارات، فيما يرسم القيّمون على الشؤون الأمنية والاجتماعية سيناريوهات قلقة لما يمكن أن يحصل نتيجة هذا الضغط غير المسبوق في لبنان، وأقلّ هذه السيناريوهات تشاؤماً ينذر بانفلات الأمن وسريان حوادث السرقة والقتل ومخالفة القانون وانتشار الجريمة والتسيّب الأخلاقي.
بموازاة هذا الواقع المكفهر تأتي مبادرة حزب الله سعياً للتخفيف من معاناة الناس، وهي ليست مبادرة جديدة، بل قديمة ومستمرة منذ سنوات طويلة، ولا تقف عند حدود توزيع المحروقات في المناطق الأكثر احتياجاً للتدفئة والوقاية من برد الشتاء القارس، أو تأمين المواد الغذائية وتوزيع المساعدات العينية والمالية على الشرائح المستضعفة والفقيرة، كما لا تقف عند تسخير مؤسساته الاجتماعية والإنسانية وفرقها العاملة لتأمين حاجات الناس وتوفير مقوّمات صمودهم واستمرارهم ولا سيما على المستويين الصحي والمالي. ولا يمكن إحصاء هذه التقديمات ببضع كلمات، ففي الوقت الذي أكتب فيه هذا المقال هناك فرق من "مقاومي الحرمان" تنتشر على الأرض، وتواجه احتمالات الموت لمحاصرة تهديد هنا ومواجهة خطر هناك.
حرب شرسة ضد حزب الله
لا يخفى على أحد في الداخل والخارج، القريب والبعيد، الحليف والخصم، الصديق والعدو، الكبير والصغير أن حزب الله يواجه واحدة من أشرس الحروب ضراوة، وتستهدف القضاء على منظومته السياسية والعسكرية المقاومة، واتخذت في السنوات الأخيرة مساراً جديداً في استهداف منظومته الاجتماعية والثقافية بعد إسقاط المقاومة كل الخيارات العسكرية منذ الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 حتى اليوم، وهي خيارات باتت من الصعوبة بمكان أن يحسمها الأمريكي والإسرائيلي وغيرهما بسهولة، بعد أن أكدّت المقاومة ندّيتها في المواجهة والقدرة على الانتصار، لذا لجأ هؤلاء إلى الخيار الآخر سعياً إلى شيطنة حزب الله ومسيرته، وتصويره على أنه جسم غريب وطارئ على الساحة اللبنانية، سواء من باب إلصاق تبعيته بإيران، أو عبر محاولة حشره في زاوية الاتهام المناطقي والطائفي والمذهبي.
الحسابات الخاصة سبب تخريب لبنان
هي حملة محمومة ترعاها واشنطن ويموّلها معظم العرب، وهي ماضية فيها، دون أن تتراجع عنها أو تعيد النظر حتى الآن في صوابيتها أو نجاعة أهدافها ونتائجها، حتى لو استلزم ذلك إسقاط كل المكوّنات الأخرى في النسيج اللبناني. أما الأطراف اللبنانية، التي تعزف على أوتار المسعى الأمريكي التدميري، فتنساق دون تفكير بالانغماس في هذا الخيار الخطير، ودون الأخذ بعين الاعتبار أي حساب لمصير الناس ومصير البلد، فلطالما كانت المنفعة الشخصية والحسابات الضيقة والخاصة تشكّل المعيار الأساسي لدى هذه الأطراف، وبالتالي لا يمكن بأي حال من الأحوال الرهان على وعي هؤلاء لخلع رداء الفساد السياسي والمالي، أو على مبادرتهم لاعتماد الخيار الوطني ومدّ اليد لإعادة بناء البلد، فلبنان عندهم ليس وطناً نهائياً، بل كان ولا يزال ساحة متقدّمة للخارج، فكيف الحال اليوم و"إسرائيل" باتت في عمق الوجود العربي والإسلامي؟!
رجّحت أفضل التوقّعات أن يصبح أكثر من نصف اللبنانيين في العام 2021 فقراء، أي إن موارد كل أسرة لا تكفي لسدّ احتياجاتها الأساسية، وباتت المعادلة اليوم أن الناس في وادٍ ومنظّري الحلول الاقتصادية والاجتماعية في وادٍ آخر، فهل يكون الحل كما اقترح حاكم المصرف المركزي رياض سلامة قبل أشهر باستخدام جزء من احتياطي الذهب؟! أو الاتجاه إلى مزيد من الاقتراض لإغراق لبنان أكثر فأكثر في مستنقع المديونية، دون توفير مقوّمات الإنتاج لسداد الديون المستحقة القديمة والمستجدّة؟!
إنها مؤامرة واضحة لإسقاط شامل للنظام في لبنان سياسياً واجتماعياً باستخدام سلاح الإفقار والتجويع، في المقابل، يمد حزب الله اليد إلى أي طرف وصولاً إلى وضع حد للمماحكات والمناكفات الداخلية، بما يؤدي إلى استقرار المعالجات السياسية وتشكيل حكومة جديدة، كمقدّمة للدخول في مسار المعالجات اللازمة، بعد ما يقرب من ستة أشهر من تضييع الوقت وتمييع الفرص؛ وعلى خط مواز، يعمل على توفير ما أمكن من تقديمات مالية وغذائية وصحيّة وغيرها من المساعدات التي تسهم في دعم التماسك الاجتماعي لإبعاد شبح العوز، والحيلولة دون الوصول إلى الفوضى وانفلات الوضع الأمني وتخريب الاستقرار الداخلي، غير آبه في هذا المجال بالمواقف الغوغائية الاستعراضية، ولا بالانتقادات السخيفة التي تعكس توجّهات وأهدافا خارجية واضحة، فالتنظير والاستغراق في التراشق الإعلامي والسياسي لا ينفعان في تضميد جراح الناس، بينما أثبتت التجربة أن الأولوية لدى حزب الله كانت ولا تزال الحفاظ على لبنان وبنية نظامه تلافياً للسقوط، ليشكّل بذلك صمام الأمان لبقاء الوطن.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024