آراء وتحليلات
العلاقات التركية - العربية 2021: بين تقاسم النفوذ والمواجهات
سركيس ابوزيد
عرفت تركيا في العام 2020 اصطدامات وتوترات شرق المتوسط، وتشنجًا مستمرًا مع فرنسا وليبيا والعراق وسوريا وأرمينيا وغيرها.. السياسات التركية في العام 2021 لن تتغيّر كثيرًا في الملفات الحساسة وأبرزها:
- ملف شرقي المتوسط والصراع على الثروات الطبيعية الذي كان سببًا رئيسيًا في العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على أنقرة مؤخرًا، فقد يتم الدفع قدمًا نحو الطرق الدبلوماسية، بعد الانفتاح الذي أبدته تركيا مؤخرًا مع مصر وفرنسا وألمانيا.
- الملف الليبي: تراجع في سياسات تركيا، إن كان لناحية الدعم المطلق لحكومة الوفاق الوطني أم لناحية موقف تركيا الداعم للحوار الليبي ـ الليبي، والمشجع أيضًا لمشاركة الدول الاقليمية المؤثرة بهذه القضية، بهدف إنهاء الأزمة بما يحفظ وحدة ليبيا، والدفع باتجاه إيجاد حل سياسي.
- الملف السوري: سيبقى المعضلة الأصعب أمام تركيا في العام الجاري، على خلفية الحدود الطويلة التي تربطها مع سوريا، وما يشوبها من خواصر رخوة. أميركا تدعم خصوم تركيا وهي مجموعات "قسد"، وتركيا ثابتة هناك بتحركاتها العسكرية ضد التنظيمات الكردية. قد توسع تركيا العمليات قريبا في إدلب على ضوء الخطوات التي تتبعها إدارة بايدن مع الملف السوري في الأيام المقبلة.
تقول تركيا إنها لن تغيّر موقفها في سوريا وإنها في واقع الأمر لا تستهدف سلامة أراضي سوريا ووحدتها، بل منع نشوء "ممر إرهابي" على حدودها، في إشارة إلى مناطق انتشار "وحدات حماية الشعب" الكردية. ولا يقتصر الوضع على شرق الفرات، فقد أعادت تركيا التمركز في شمالي غربي سوريا من خلال الانسحاب من نقاط محاصرة من قبل الحكومة ونقلها إلى جنوب إدلب واستحداث نقاط عسكرية جديدة في جبل الزاوية على خط التماس بين قوات الدولة والمعارضة، ودفعت بتعزيزات عسكرية كثيفة إلى هناك، كما نشرت نقاطًا أمنية بطول طريق "إم 4" تنفيذًا لاتفاق وقف النار في إدلب الموقع مع روسيا في موسكو في 5 آذار 2020.
- ملف العلاقات العراقية ـ التركية الملتبسة منذ عقود لأسباب مختلفة من أبرزها ملف المياه المعقد منذ ثلاثينيات القرن الماضي، وكذلك ملف حزب العمال الكردستاني منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، والالتباس بين ميزان تجاري هو الأكبر بين البلدين، وجو سياسي مشحون دائمًا بسبب القصف التركي المستمر للأراضي العراقية. وحاليًا، هناك ثلاث عقد رئيسية تتحكم في مسار علاقات بغداد بأنقرة على مدى سنوات مضت وحتى اللحظة، هي الأمن والمياه والاقتصاد.
وجاءت تحركات الكاظمي باتجاهات أخرى ومنها تعزيز العلاقات مع المحيط العربي، لتعزز قلق تركيا. فالعلاقة التي تنامت بين العراق والمملكة العربية السعودية لا سيما بعد توقيع سلسلة من الاتفاقيات ومذكرات التفاهم، فضلا عن افتتاح منفذ عرعر الحدودي بين البلدين أو العلاقة الثالثية (مصر والاردن والعراق)، كل ذلك يمكن أن يفتح آفاقا جديدة بالنسبة للعراق تخفف من حجم الضغوط عليه من تركيا التي تستنزف سنويا نحو 12 مليار دولار من الميزان التجاري العراقي.
هذا الواقع الجديد جعل تركيا تتعامل مع العراق من زاوية مختلفة، فحاولت طمأنة العراق حيال ملف المياه، لكنها لا تبدي مرونة حيال حزب العمال الكردستاني، والتحركات التركية العسكرية ستتوسع عام 2021 ضد حزب العمال الكردستاني بالتنسيق الأمني والعسكري بين أنقرة وبغداد وحتى مع أربيل.
- ملف العلاقات التركية - الخليجية: مع تحسن علاقات الدوحة مع الرياض وأبو ظبي، ينتظر الجميع ما ستؤول إليه علاقات الأخيرتين ومعهما القاهرة بأنقرة، ذلك أن وجود قطر في موقع الدولة الوحيدة الصديقة لتركيا في المنطقة يطرح تساؤلات جدية عن مدى تأثير المصالحة الخليجية على تركيا وعلاقاتها بأطراف رباعي المقاطعة وبجماعة "الاخوان المسلمين" وتأثير ذلك على أكثر من ملف إقليمي. في الحسابات المباشرة، فإن لكل من تركيا والسعودية مصلحة متبادلة في تطبيع العلاقات بينهما:
1 - يتوجس الطرفان من السياسة الجديدة للرئيس بايدن، والمعروف عنه نفوره من اردوغان، وانتقاده لسياسات محمد بن سلمان، ولا سيما في قضية اغتيال خاشقجي. لذا، من مصلحة أنقرة والرياض التصالح وتشكيل جبهة موحّدة تقاوم ضغوط بايدن.
2 - للأتراك مصلحة مؤكدة في علاقات جيدة مع المملكة خاصة وأن تركيا تعاني عزلة سياسية قاتلة، ولا تجد سبيلا للخروج منها، سبيل يمكن الرياض وحدها أن تؤمنه، كونها رأس دول مجلس التعاون الخليجي ولها علاقات جيدة مع القاهرة.
3 - تعاني تركيا ضغوطًا اقتصادية قوية تؤثر سلبًا على مناعتها الاقتصادية. ومثل هذه المصالحة تضخ دماء جديدة في شرايين الاقتصاد التركي عبر عودة الاستثمارات الخليجية.
4 - يُحكى في تركيا عن دعم خليجي مباشر من السعودية والامارات للمعارضة التركية. وفي حال حدوث انفراج على مستوى العلاقات بين أنقرة والرياض، فإن اردوغان سيتخفف من ثقل المعارضة الداخلية بما يخدم تسهيل إعادة انتخابه رئيسا في عام 2023.
5 - من الجانب السعودي، لا تزال قضية خاشقجي ترخي بثقلها على المملكة وعلى صورة ابن سلمان الذي تأثر سلبا بالدعاية التركية ضده. وفي حال حدوث المصالحة، فإن هذه القضية ستكون حتما ضمن بنود الصفقة، بحيث تطوي تركيا ملف خاشقجي بما يبرئ ابن سلمان. وسيكون الرئيس التركي مستعدًا بالكامل لمثل هذه المقايضة، في مقابل الثمن الكبير الذي سيحصل عليه سياسيا واقتصاديا، ومن خلال المساعدات المالية المباشرة.
6 - وقف دعم السعودية والامارات للحركة الكردية في شمالي شرقي الفرات سيطلق يد تركيا أكثر في تلك المناطق، بما يفتح المجال أمام المزيد من التو سع التركي هناك.
7 - تبقى نقطة مهمة وهي مسألة "الاخوان المسلمين"، حيث تخوض الامارات ومن بعدها السعودية حملة شرسة على المجموعات الاخوانية. الجميع يراقب وينتظر الجواب عن سؤال إن كانت قطر، وبالتالي تركيا، ستتخليان عن دعم هذه الجماعات. فأحزاب "الاخوان" في كل المنطقة العربية هي الدعامة الاساسية والركيزة الاكثر أهمية للنفوذ التركي في هذه المنطقة. وهذا ينطبق على العلاقات التركية ـ المصرية بعد المصالحة الخليجية مع قطر. فقضية دعم الاتراك لـ"الاخوان المسلمين" في مصر تثير انزعاج القاهرة.
هذه التحولات تحدد مسار العلاقات التركية العربية: هل تتجه نحو التعاون لاقتسام النفوذ في المنطقة، أم المصالح والخلافات ستدفع العلاقات من جديد الى التوتر والمحاور والمواجهات؟ أسئلة صعبة في عام التسويات الكبرى.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024