معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

هل قررت واشنطن طيّ صفحة النزاع الليبي؟
15/01/2021

هل قررت واشنطن طيّ صفحة النزاع الليبي؟

تونس - روعة قاسم

تتحكم الإدارة الأمريكية في العديد من الملفات الساخنة في المنطقة. وهي تُحرّك الصراعات الدائرة هنا وهناك وفقًا لمصالحها وأهوائها ومعادلات القوة. ويبدو أن من مصلحة الأمريكيين اليوم اغلاق صفحة الصراع الليبي - الدولي بكل تداعياته ومآسيه. اذ يتوقع مراقبون أن تبدأ مرحلة جديدة في ليبيا قوامها الاقتصاد والتنمية وإعادة الاعمار، وستدخل شركات أجنبية كبرى على خط الأحداث، من بينها شركات أمريكية ستكون لها حصة الأسد في أية عقود قادمة للإعمار، طالما أن واشنطن هي من تحرك اللعبة السياسية وهي من تقود وتدير من خلف الستار مباحثات تشكيل حكومة الوحدة الليبية القادمة.

دور متصاعد للدبلوماسية الأمريكية

في الحقيقة، هناك عدة مؤشرات تؤكد أن هذا الخيار الأمريكي هو قاب قوسين أو أدنى من التنفيذ على أرض الواقع، خاصة بعد اصدار ما سمي "بقانون استقرار ليبيا" في الكونغرس الأمريكي والذي يزعم أنه يهدف الى فرض عقوبات على "الجهات الخارجية التي تتدخل في الشأن الليبي" وتعرقل التوصل إلى تسوية، علما أن هذه المواصفات تنطبق على الأميركيين قبل غيرهم.

وجاء ذلك بالتزامن مع عودة مسار التفاوض الأممي الى دائرة الضوء من جديد سواء الحوار الليبي - الليبي الذي احتضنته تونس أو المملكة المغربية أو المانيا وغيرها وتمّ التوصل من خلاله الى خريطة طريق مبدئية لإنهاء الفترة الانتقالية وتنظيم انتخابات رئاسية وبرلمانية شاملة.

ومن المتوقع أن تلعب الولايات المتحدة دورًا دبلوماسيًا أكبر من خلال هذا القانون في النزاع الليبي. علما أن الإدارة الأمريكية كانت قد لعبت طوال الفترة الماضية دورًا جليًا في دعم حكومة الوفاق الليبية المقربة من تركيا. ويؤكد مراقبون أن قيام أنقرة بنقل آلاف المقاتلين والإرهابيين من سوريا الى ليبيا لدعم حكومة الوفاق، لا يمكن أن يتمّ دون ضوء أخضر أمريكي. ولكن السؤال المطروح هل ستشهد الدبلوماسية الأمريكية في عهد جو بادين تغييرًا في الملف الليبي؟ وهل ستنتهي بالفعل صفحة النزاع الدولي؟
 
يبدو أن هناك العديد من الافرقاء الليبيين الفاعلين الذين لمسوا هذا التغير الأمريكي، لذلك حاولوا الاستفادة من القانون الأمريكي من أجل تهيئة الأجواء للخروج بحل سياسي شامل، وذلك رغم المآخذ عليه ورغم ما يمكن أن يترتب عن ذلك من مسّ بسيادة أية حكومة ليبية قادمة، طالما أن أمريكا ستكون هي التي ترعاها وتحكمها من بعيد، لضمان التحكم بمقدرات الشعب الليبي والسيطرة على ثرواته النفطية الهائلة. فسياسات الولايات المتحدة لم تكن يومًا ذات منفعة لشعوب المنطقة بل جلبت الويلات تحت شعار "الديمقراطية الأمريكية".

في هذا السياق يؤكد المحلل السياسي الليبي محمد شوبار الناطق باسم المبادرة الوطنية الليبية أن هناك شخصيات سياسية ليبية مشاركة في الحوار الليبي - الليبي قد توصلت الى ما يشبه الاتفاق المبدئي على كيفية إدارة المرحلة القادمة، مشيرا في حديثه لـ "العهد" الى "أننا اليوم في المرحلة الأخيرة للإعلان عن الحل الدائم والشامل للأزمة السياسية في ليبيا ونحن مقبلون على مرحلة اقتصادية هامة".  أما بشأن حكومة الوحدة الوطنية والأسماء المرشحة فيجيب: "نحن في مبادرة القوى الوطنية لا نبحث عن أسماء بقدر ما نبحث عن مشروع اقتصادي يحقق الاستقرار والأمن ويحقق الانطلاقة نحو إدارة عجلة التنمية التي تعتبر فرصة هامة لأغلب الشعوب المغاربية"، موضحا أن حكومة الوحدة الوطنية ستكون مصغرة وتكنوقراط وفقا للمقترح الذي قدمته مبادرة القوى الوطنية الليبية.

ويأسف شوبار لأن "هناك بعض القيادات السياسية التي لا تريد الخروج من المشهد السياسي"، معتبرا أن "هذه القيادات السياسية التي تسببت بكل هذا الدمار والخراب - من خلال دخول المرتزقة والمقالتين الأجانب - لن يكون لها دور فيما يتعلق بالمرحلة السياسية القادمة والتي ستشهد وجوها سياسية تعبر عن القوى الوطنية الليبية". ويلفت الى أن هناك العديد من الشخصيات الوطنية القادرة على الخروج بليبيا من كل هذه المنزلقات والمخاطر التي تتعلق بالصراعات المسلحة وكذلك شبح التقسيم، وستكون والمرحلة القادمة مستقرة وستصبح من خلالها  ليبيا وجهة عالمية لكل الشركات والدول التي ترغب في إعادة اعمار البلاد من جديد" .

حكومة تكنوقراط ..أي حظوظ للنجاح؟

أما بشأن مدى نجاح حكومة الوحدة الوطنية القادمة، فيوضح شوبار أن "هناك اجماعًا دوليًا حول هذه المسألة، اضافة الى أن هذه الحكومة لن تكون حكومة محاصصة بل حكومة تكنوقراط الهدف الرئيسي منها هو جمع السلاح واسترداد الأموال المسروقة وتطبيق وقف التدخل الأجنبي وخروج كافة المواطنين الأجانب المتواجدين على الأرض الليبية سواء في شرق البلاد أو غربها أو جنوبها. هذه الحكومة هدفها الرئيسي استرجاع سيادة الدولة الليبية والمحافظة على وحدة التراب الليبي".

ويبدو، بحسب شوبار، أن هناك اجماعًا دوليًا على اغلاق صفحة الصراع الدولي في ليبيا، فكل الأزمات التي حدثت طيلة السنوات الماضية السبب الرئيسي فيها كان التدخلات الخارجية، مؤكدًا أنه بعد جلسة مجلس الأمن الأخيرة التي انعقدت في 18 آب / أغسطس الماضي بات هناك  اجماع دولي جليّ ما بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن حول مسألة وقف حالة الصراع بين هذه الدول التي تدخلت في الشأن الداخلي في ليبيا والتي قدرّها خبراء الأمم المتحدة بـ 13 دولة كلها أيدت هذه المسألة أي تحقيق الاستقرار في ليبيا، ويتطلع الليبيون اليوم الى الإعلان القريب عن الحل الدائم وحكومة الوحدة الوطنية والتي تأمل أطياف واسعة داخل ليبيا وخارجها بان تكون حكومة قوية قادرة على اخراج البلاد من محنتها وعلى الدخول في مرحلة إعادة الإعمار ولكن بمبدأ الشراكة والندّية مع الدول والشركات الأجنبية التي تمثلها وليس بمنطق التبعية والاحتلال الخفي.

 

ليبيا

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات