آراء وتحليلات
صوت مصر الغائب: هل استبدلت عروبة سوريا بتآمر السعودية؟
أحمد فؤاد
ترتبط مراحل الأزمات في المجتمعات، خاصة الشرقية، باتجاه جامح إلى كسر الثوابت المعروفة، بحثًا عن حل جماعي ينطوي على إنقاذ من مستقبل مشوش.. لا يخشى الإنسان أكثر من المجهول، لا سيما وقد فاض الشك على مستقبل الوطن كله، فضلًا عن شواهد تمرر الحاضر وتسوده.
الوجدان الجمعي المصري، ومنذ سبعينيات القرن الماضي، وقع أسيرًا لتفسير خاص لعلاقات مصر في محيطها العربي، خاصة مع خطاب إعلامي كاذب زاعق، حرصت دولة "كامب دافيد" على جعله دجالًا أوحد بلا شريك أو بديل، استبدل العدو بالشقيق، والخائن بمن قدم الفداء أيام المحن.
في هذه الأيام، من العام 1956، لم تجد مصر مدافعًا عن مدنها وروحها أوفى من السوري، جول جمال بطل البحرية ومعركة البرلس، عبد الحميد السراج مخطط عملية نسف خطي أنابيب نقل البترول العراقي والخليجي إلى أوروبا عبر سوريا، والإذاعي السوري عبد الهادي البكار وغيرهم عشرات ومئات قدموا دمائهم لأرض اعتبروها على الدوام وطنهم، واعتبرتهم هي بالمقابل أبناءها.
لكن
فقدت مصر بوصلتها، يوم أن قرر السادات، الخائن الأول والبائع الأول، أن يلغي الاحتفال بعيد النصر، والذي يوافق 23 كانون أول/ديسمبر، واستبداله بعيد انقلابه على عهد جمال عبد الناصر، والذي وافق –بغير صدفة- ذكرى النكبة، 15 أيار/مايو.
ستجد في مصر شوارع بغير حصر تحمل التاريخ الملعون، كما تكفلت الدولة ببناء مدينة كاملة لذكرى (15 مايو)، وعديد الجسور والطرق والمحاور، لتخليد التاريخ الملعون في الذاكرة العربية كلها.
السعودية في الخطاب الإعلامي المصري تحوّلت إلى قاطرة الأمة العربية، الجرار، لا يمكن الذهاب دونها أو مجرد طرح تجاوز دورها، وأمنها القومي هو أمن مصر القومي مجسدًا، ولعل خطاب الجنرال السيسي عن الاستعداد للذهاب إلى حد الدفاع عن أمن الخليج بكل شيء "مسافة السكة"، كان معبرًا بامتياز عن لحظة السقوط المصري الكامل.
تحوّلت أسرة آل سعود إلى بديل عن سوريا، في الفهم الرسمي والتطبيق الرسمي والرهان الرسمي، وشتان ما بين دماء اختلطت في أعز لحظات الشرف وأعظم أيام المجد، بدولارات البترول وذهبه البراق.
مع كل ضربة يمنية مباركة إلى قلب السعودية النابض، أرامكو، تنتفض الخارجية المصرية، تصدر البيان قبل أن تتبين ملامح الإنجاز الباليستي على اقتصاد المملكة السعودية، ربما بعض المواقع الإخبارية المصرية النشيطة تهتم بالتغطية وحجم الإدانات أكثر من –وقبل- نظيرتها في بلد المشغل الرئيس.
لكن حين تكون الواقعة على سوريا، بالهجمات الصهيونية، التي تحارب لوقف مسلسل الانتصار السوري على المؤامرة الكونية، فإن السياسة الخارجية المصرية لن تكون حاضرة أبدًا، ولو من باب ذر رماد الإدانة على العدوان.
منذ دخول مصر الرسمية في عصر "كامب دافيد"، بكل شروطه وقواعده، تنزل مصر في درجات سلم الدور والأهمية والقدرة على الفعل، نظرة وحيدة إلى أي ملف خارجي مفتوح ستكشف بجلاء الأزمة ومدى تغلغلها في البدن المصري العليل.
لا تستطيع مصر الرسمية التلويح -فقط التلويح- باستخدام القوة ضد سد النهضة الإثيوبي، الذي يوشك على خنق الحياة ذاتها، تقف عاجزة أمام تنسيق أمني إجباري في سيناء، حول سماواتها إلى طريق مفتوح أمام الطائرات الصهيونية، بينما تحتاج المصرية إلى إذنٍ قبل الإقلاع من قواعدها إن كانت متجهة لشبه الجزيرة.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024