آراء وتحليلات
آخر أيام ترامب: احتمالات الحرب والرد الإيراني
د. علي مطر
يحبس العالم أنفاسه في الأيام الأخيرة من ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب. المخاوف كثيرة في أكثر من ملف حساس. لكن الأكثر حساسية وحماوة هو الملف الإيراني واحتمال تهور ترامب بتوجيه ضربة عسكرية مباشرة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، ما يعني عملياً إشعال نار كبيرة في المنطقة قبل إنتهاء ولايته. في المقابل فإن التهديدات الأميركية لإيران بدأت تتصاعد أيضًا مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد اللواء الحاج قاسم سليماني والقائد الحاج أبو مهندي المهندس، في ظل تخوف أميركي من رد إيراني على هذه الجريمة. ويأتي التهديد باستعمال القوة العسكرية، أو التلويح بها بين الطرفين، في ظروف دولية في غاية الصعوبة والتعقيد، وفي وقت يشهد العالم والمنطقة تغيرات كبيرة، كجائحة كوفيد 19، وعمليات التطبيع مع كيان العدو، والأهم بالنسبة إلى إيران؛ هو سعي الولايات المتحدة إلى عدم رفع العقوبات الدولية عنها. يأتي هذا التصعيد أيضًا، على وقع تخفيف عديد القوات الأميركية من العراق وأفغانستان.
ما تقدم يجعل العالم في حالة ترقب كبيرة، خاصةً أنه لم يعد لدى ترامب ما يخسره، فموعد إسدال الستار على ولايته، والتي عاش العالم على وقع فصولها العبثية طوال أربع سنوات قد أعلن، ويبدو أن ضربة عسكرية لإيران هو عرض وحيد لن يتمكن ترامب من تكراره مرة أخرى. وهو لا يريد أن يختم مسرحيته بنهاية عادية، فهو حتى في لحظاته الأخيرة يفكر في نهاية مثيرة لرئاسته تجعله مختلفًا عن الرؤساء الآخرين، خاصةً أن هناك من يمهد الأرضية لضربة أميركية لإيران وهي الدول المستفيدة "إسرائيل"، حيث يسعى بنيامين نتنياهو لضربة عسكرية تقوي موقعه في السلطة المأزومة، وكذلك السعودية التي تلهث خلف تزعم العالم الإسلامي والحفاظ على عرش سلمان وابنه. وهو يسوّق دونالد ترامب لهذا الأمر بذريعة الصواريخ التي تستهدف السفارة الأميركية في العراق ويتهم إيران بذلك، وهو ما قد يقدم عليه ترامب لوضع جو بايدن في مأزق.
ومع ذلك، فإن تحليلات كثيرة تستبعد نشوب حرب بين الدولتين وهذا ما نتوقعه، فأميركا تدرك أن أي حرب بينها وبين إيران ستشعل منطقة الشرق الأوسط كلها، ولن تستطيع حسمها خلال زمن قصير، وبالتالي فإن تداعيات هذه الحرب قد تكون كارثية على كل الأطراف. فيما تذهب تحليلات أخرى إلى أن هناك أولوية أميركية الآن وهي إيران ما قد يجعل احتمالات حصول المعركة أكبر، لكن هنا يجب أخذ الاعتبار بأن أي "معركة تكتيكية" قد تجر المنطقة إلى حرب شاملة.
القيادة والشعب أساس قوة الردع الإيرانية
في مقابل الغطرسة الأميركية التي يمثلها حاليًا دونالد ترامب، تمتلك إيران الإرادة والعزم على أية مواجهة، كما لديها الكثير من الخيارات لتوجيه صفعات للجيش الأميركي، وقد أعلن آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي خلال التحضير لإحياء ذكرى استشهاد الحاج قاسم سليماني أن "إخراج القوات الأمريكية من المنطقة، سيكون الصفعة الأقوى للرد على اغتيال قاسم سليماني"، ومن المعروف أن الإمام الخامنئي يمثل رمزًا كبيرًا لدى الشعب الإيراني في الصمود والعزيمة والإرادة على المواجهة ويتمتع الحكمة والدراية في اتخاذ القرارات الاستراتيجية والمصيرية.
وتحتفظ إيران بمقومات عدة تجعلها قادرة على ردع أي عدوان، أهمّها، قبل امتلاك العديد من الأسلحة، هي التفاف الشعب الإيراني بكل أطيافه السياسية حول القيادة والجيش الإيرانيين ما يشكل عنصر قوة لا يستهان به، فالشعب الإيراني ينطلق من معادلة الشهادة حيث يقول الإمام الخميني "يجب أن يعلم عملاء أمريكا أن الشهادة في سبيل الله لا يمكن أن تُقاس بالغلبة أو الهزيمة في ميادين القتال". لدى إيران أيضًا اكتفاء ذاتي في الصناعات الغذائية والتحويلية يجعلها تصمد طويلاً في مواجهة أي حرب مفروضة.
القواعد الأميركية في المنطقة
وتعد القواعد الأميركية في منطقة الشرق الأوسط احدى أوراق الردع في يد إيران، فوفقاً للقيادة المركزية الأمريكية، يوجد ما بين 60 ألف و70 ألف عسكري أميركي في منطقة الشرق الأوسط، وتتوزع القواعد على سبيل المثال كالتالي:
الكويت: تضم الكويت عنصرًا متقدمًا يتبع للمقر الرئيسي للجيش الأمريكي، حيث ينتشر على أرضها أكثر من 13 ألف جندي أمريكي.
قطر: يصل عدد الجنود الأمريكيين في قطر إلى 13 ألف جندي أمريكي.
أفغانستان: يوجد في أفغانستان 14 ألف جندي أمريكي بالإضافة إلى ثمانية آلاف جندي من جنود حلف شمال الأطلسي "الناتو".
البحرين: يوجد فيها 7 آلاف جندي أمريكي، أغلبهم يتبعون لقوات البحرية الأمريكية.
العراق: يوجد نحو 5000 جندي.
وفي مقابل هذه القواعد، تمتلك إيران منظومات صواريخ متطورة وهي إحدى قوى الردع في وجه أي عمل عسكري أمريكي ضدها، وقاعدة عين الأسد خير دليل على ذلك. كما أن صورايخ إيران تصل إلى كل الدول التي يمكن أن تنطلق منها الطائرات الأمريكية في المنطقة.
مضيق هرمز: قوة ردع
يعد مضيق هرمز من الممرات المائية المهمة والإستراتيجية بالعالم لتجارة النفط. يفصل بين إيران وسلطنة عمان اللتين تتقاسمان الرقابة عليه، عرضه لا يتجاوز 55 كيلومترا وعمقه لا يزيد عن 60. ينقل عبره أكثر من 18 مليون برميل نفط بشكل يومي، ما يعني 40 بالمئة من النفط المنقول بحريًا. هذا الذهب الأسود الذي يخرج من دول الخليج يذهب 80 بالمئة منه للدول الآسيوية كالصين والهند وكوريا واليابان، فيما يتم نقل الباقي إلى دول أوروبية وإلى أمريكا الشمالية. وقد هددت طهران مرارًا بإغلاقه في حال القيام بعمل عسكري أمريكي في المنطقة. وقد برهنت إيران مؤخرًا عن قوة ردعها في مضيق هرمز. فبعد تخلي الحكومة الأمريكية عن الاتفاق النووي زادت التوترات في ذلك المعبر.
ويؤكد أكثر من مسؤول إيراني قدرة إيران على إغلاق مضيق هرمز والتأثير على مستوى الأمن في الممرات المائية بالمنطقة كلها، فهي تملك إشرافًا أمنيًّا كاملًا على مضيق هرمز بفعل الواقع الجغرافي، ولدى طهران أسطول عسكري بحري متطور، وقد دشنت مؤخراً مدمرة حربية جديدة في ميناء بندر عباس أطلقت عليها اسم "جماران".
إذًا، ايران قادرة أمام أي "حماقة ترامبية" على تعقيد الأمور ورسم خارطتها في الخليج، فهي تملك القدرة والقرار والجرأة، ويفهم الغرب جيدًا بأن لدى طهران أوراقًا عدة يمكن اللعب ضده من خلالها، لمواجهة الأوراق المعادية المستخدمة في حصار الجمهورية الإسلامية، كما لديها تعاون استراتيجي مع روسيا والصين، فضلًا عن وجود حلف كبير لإيران في المنطقة هو محور المقاومة الذي باستطاعته أن يغير الكثير من أوراق اللعبة عبر استهداف حلفاء واشنطن، "إسرائيل" والسعودية وغيرهما.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024