آراء وتحليلات
صواريخ ايران تشكل الشرق الاوسط الجديد
سركيس ابوزيد
أفضل رئیس أمیركي بالنسبة لـ"إسرائیل" هو الرئیس دونالد ترامب لأنه أكثر من فھم مخاوفها ودعمھا وأعطاھا، لیس فقط في ملف الصراع المزمن مع الفلسطینیین (التضییق المالي والسیاسي على السلطة الفلسطینیة ـ نقل السفارة الأمیركیة الى القدس ـ الموافقة على مبدأ ضم أراضٍ في الضفة الغربیة وغور الأردن ـ نسف حل الدولتین...) وإنما ايضاً في ملف الصراع المفتوح مع إیران، وحیث یبقى البرنامج النووي الإیراني ھو الخطر الاستراتیجي الماثل أمام العدو، وضرب ھذا البرنامج وتقویضه یبقى الھدف رقم واحد. وإذا كان الرئیس السابق أوباما شكل الخیبة الكبرى " لـ"إسرائیل" مع اتفاق نووي أطلق ید إیران في المنطقة من دون أن یوقف مشروعھا وسعیھا الى امتلاك سلاح نووي، فإن الرئیس ترامب كان بمثابة "الجائزة الكبرى" لـ"إسرائیل"، وھو الذي تجرأ على تخطي الخط الأحمر مع إیران بفرض عقوبات قصوى علیھا واغتیال أحد أبرز قادتھا اللواء قاسم سلیماني.
عندما أقدمت "إسرائیل" على اغتیال العالم الإیراني محسن فخري زاده الملقب بـ"أبو القنبلة النوویة"، إنما أرادت توجیه رسالة مزدوجة الى الرئیس الأمیركي الجدید جو بایدن وإدارته أولاً، والى إیران وبرنامجھا النووي ثانیاً. ھذا الاغتیال لا یكفي لضرب المشروع النووي الإیراني، ولیس ھذا ھدفه، ذلك أن خسارة إیران لمحسن زاده، وإن كانت كبیرة نظرا لموقعه وإنجازاته، إلا أنھا لا تعني بالمطلق خسارة المعرفة والخبرة والدرایة النوویة التي باتت بعیدة عن السقوط مع استھداف أشخاص على رغم تأثیرھم وأھمیتھم. والملف الإیراني النووي تجاوز نقطة "اللاعودة"، والاتجاه فیه بات مرھونا بإرادة وقرار القیادة الإیرانیة ولیس بالقدرة المتوفرة.
الھدف من ھذا الاغتیال ھو فرض الأجندة الإسرائیلیة على بایدن انطلاقا من الواقع الجدید الذي ساھم ترامب في فرضه على الأرض، وبعد انكشاف مساوئ وثغرات الاتفاق النووي الذي لم یعد صالحا وتجاوزته الأحداث. أھمیة العملیة من الناحیة السیاسیة تكمن في توقیتھا قبل انتھاء ولایة ترامب وفي ربع الساعة الأخیر منھا، ما یعني أن ھدفھا وضع إدارة بایدن أمام وقائع جدیدة تعقّد أي عودة أمیركیة الى الاتفاق النووي، وتعرقل المفاوضات السیاسیة التي أعلن بایدن أنه سیجریھا مع إیران.
ونتنیاھو القلق جدا من عودة أمیركیة الى الاتفاق النووي تحت إدارة بایدن، لیس أمامه إلا وضع مصاعب أمام سیاستھا الإقلیمیة، حتى لو انطوى الأمر على مخاطر واحتمال أن یعقب ھذا "الانتصار التكتیكي" تصعید إقلیمي استراتیجي، ربما یكون ھو الھدف من الاغتیال. و"إسرائیل" تتصرف من خلفیة أنھا تقر ضمنا أن موازین القوى لیست في صالحھا، وهي تحاول استدراج ايران وجرها الى الرد مما یعطي ذریعة لترامب لشن ضربة أخیرة موجعة قبل أن یترك منصبه لیورث بایدن مشاكل ستكون أكبر من مجرد اتفاق نووي ممزق.
في الواقع، تبدو إیران غیر واثقة بفرص التعاون مع بایدن. فمقابل عودتھا الى الالتزامات النوویة، ھي تطالب بعودة واشنطن بخفض تدریجي للعقوبات والعودة الى الاتفاق النووي. وھذا یبدو صعبا ومتعذرا في ظل التغیّرات التي قد تتركھا إدارة ترامب في المنطقة قبل رحیلھا.
وبالمقابل، فإن "إسرائیل" المتحسرة على خسارة ترامب، تبدو واثقة من فرصھا مع إدارة بایدن. لذلك خططت للاستفادة من الوقت المتبقي قبل رحیل ترامب لترسیخ إرثه وجعل الأمر أكثر صعوبة على خلیفته، وهي لا تقطع الأمل بإدارة بایدن وتثق بأنھا تضم في نواتھا الصلبة أنصارا حقیقیین لھا مثل كمالا ھاریس نائبة الرئیس وأنطوني بلینكن. ففي مداخلة لھا أمام "أیباك"، دعت هاريس الى التفّوق النوعي العسكري لإسرائیل على جوارها. وبلینكن، عندما كان مستشارا لبایدن خلال رئاسته لجنة الشؤون الخارجیة في مجلس الشیوخ الأمیركي، ھو من أقنع الأخیر بتأیید الحرب على العراق، على عكس تیار واسع في الحزب الدیمقراطي كان من معارضیھا. بلینكن كان كذلك الملھم الأساسي لخطة تقسیم العراق إلى 3 دول، والتي طرحھا بایدن في السنوات التي تلت الحرب. والرھان الآن عند "إسرائیل" ھو على أن یوظّف بایدن ما تقوم به ضد إیران لحملھا على تقدیم أكبر قدر ممكن من التنازلات.
صواریخ حزب الله الدقیقة ھدف رئیسي على لائحة الأھداف الاستراتیجیة لـ "إسرائیل "التي تضم ثلاث أولویات:
1ـ البرنامج النووي الإیراني
2ـ التموضع الإیراني العسكري في سوریا
3ـ الصواریخ الدقیقة لحزب الله في لبنان
الرسالة التي وجّھھا الصحافي الأمیركي توماس فریدمان الى الرئیس جو بایدن معبّرة. وھذه المرة، وفي مقال بعنوان لافت، "عزیزي جو، لم یعد الأمر یتعلّق بالنووي الإیراني"، أراد فریدمان أن یخاطب الرئیس المنتخب، وھو من مؤیدیه المتحمسین ولدیه علاقات وثیقة وتاریخیة بالحزب الدیمقراطي.
المقال يعزز القناعة بأن جوھر المعركة الاستراتیجیة مع إیران، ھو تطویر الأخیرة لقدراتھا الصاروخیة النوعیة ومساعدتھا حلفاءھا على القیام بالأمر عینه. بطبیعة الحال، فإن محاولة منع إیران من التطور علمیا وتكنولوجیا، خاصة في المیدان النووي، ونتیجة لخیاراتھا السیاسیة الاستقلالیة، ھي بین الأھداف المركزیة للتحالف المعادي، وھو ما یؤكده استھداف علمائھا ومنشآتھا النوویة، لكنه لیس الھدف الأول المدرج على جدول أعماله. الصواریخ الدقیقة، أو "العامل الُمغیِّر لقواعد اللعبة" حسب التعبیر المستخدم في عشرات التقاریر الإسرائیلیة والأمیركیة والغربیة، ھي الأولویة الأولى على ھذا الجدول، ومن المرجح أن تبقى كذلك بعد دخول بایدن إلى البیت الأبیض.
یقول فریدمان في نصیحة الى بایدن: "مھمتك ستكون معقدة وعلیك أن تدرس ما حدث في الساعات الأولى من 14 أیلول/ سبتمبر 2019 ،عندما استھدفت 20 طائرة بدون طیار وصواریخ موجھة بدقة منشأة أبقیق الحیویة في السعودیة، وقال: "كانت لحظة فارقة، ھذه الطائرات الإیرانیة المسیرة والصواریخ حلقت على مستوى منخفض وبقوة حیث لم تكتشفھا الرادارات السعودیة أو الأمیركیة، وشعر الإسرائیلیون یومھا بالدھشة من القدرات التي أظھرتھا إیران".
ویقول فریدمان إن رأیھم كان صائبا لأن الشرق الأوسط الجدید تم تشكیله من خلال الصواریخ الإیرانیة الموجھة، فالكثیر من المراقبین لم ینتبھوا للعملیة. وكان رد الرئیس ترامب أنه لم یفعل شیئا، ولم یأمر بعملیة انتقامیة نیابة عن السعودیین. وبرأیه لو حاول بایدن التوصل إلى تفاھم مع إیران حول برنامجھا النووي والتخلي عن العقوبات قبل التفاھم على صادرات إیران من الصواریخ الدقیقة، فسیواجه مقاومة من "إسرائیل" ودول الخلیج. أما لماذا أصبحت صواریخ إیران الدقیقة مھمة؟ فیقول فریدمان: بالعودة إلى حرب 2006 أطلق حزب الله صواريخ أرض - أرض غبیة وغیر موجھة على أھداف إسرائیلیة، لكنه بالصواریخ الدقیقة الآن یستطیع ان يصيب اهدافا محددة مثل المطارات والمفاعل النووي والموانئ ومولدات الطاقة والمصانع التكنولوجیة والقواعد العسكریة.
لهذه الاسباب تراهن " اسرائيل" على الرئيس بايدن حتى لا تتغير قواعد اللعبة بقوة ايران النووية والصاروخية. فهل تنجح؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024