آراء وتحليلات
ثقافة المصارعة الأمريكية والهزيمة الاستراتيجية امام ايران
إيهاب شوقي
الخروج عن قواعد الاشتباك وقوانين الصراع واللجوء لأساليب أخرى، ولا سيما وان كانت من النوع القذر، هو افلاس ودلالة مباشرة على الهزيمة وعدم الصمود في صراع الارادة.
منذ قيام الثورة الاسلامية في ايران وهناك استهداف لهذه الثورة، تبلور مع الوقت ليتحول الى حصار ومحاولات طويلة الأمد لكسر الارادة، فيما اتبعت الجمهورية الاسلامية، نمطًا فريدًا في النمو، بنته على الصبر الاستراتيجي وعدم التخلي عن السياسة، وفي نفس الوقت عدم التنازل عن المبادئ.
وقد نجحت ايران ومحور المقاومة كله في الوصول الى معادلات لتوازن الردع العسكري، مما جعل الصراع يتركز في الجوانب السياسية والاقتصادية. واتبعت امريكا والعدو الاسرائيلي، وصهاينة العرب، نوعا من السياسات يقود الى عزلة ايران سياسيا وحصارها اقتصاديا، ووصل هذا النوع الى مداه الاقصى مع ادارة ترامب.
وبعد فشل ترامب وفشل هذه السياسة في انتزاع التنازلات من محور المقاومة والفشل في كسر توازن الردع، بدأ الاتجاه الى اتباع السياسات القذرة والغادرة والمتمثلة في الاغتيالات؛ فقامت امريكا بتنفيذ جريمة العصر باغتيال قائد قوة القدس الفريق الشهيد قاسم سليماني، انتقامًا لفشلها في كسر التوازن العسكري وانتقاما منه لدوره في هزيمة الذراع الارهابي الذي كان مخططا له أن ينوب عن العدو الصهيو-امريكي في السيطرة على الطوق الذي ترغب "اسرائيل" في تأمينه، وكذلك لدوره في حرب تموز ومعارك العراق وافشال المشروع الصهيوني في قطع تواصل محور المقاومة.
وقام كذلك الأعداء بتنفيذ اغتيالات لعلماء ايران الأفذاذ، وآخرهم الشهيد محسن فخري زادة، انتقامًا لصمود ايران السياسي واصرارها على المضي قدمًا في مشروعها رغم الحصار والاستهداف، وانتقامًا منه لدوره في المشروع النووي والذي أصبح رمزًا لتحدي الهيمنة والاستكبار العالمي.
وهنا فإن الاقدام على سياسة الاغتيالات والتصفية، هو اعلان عن الافلاس واليأس وعدم الصمود في معركة الارادة المعتمدة على النفس الطويل.
ولا شك أن الثقافات تتحكم في السياسات، وبألفاظ أخرى، فإن السياسات تعكس نوع الثقافة الحاكمة للدول، فهناك سياسات تعكس تحضر الشعوب، وسياسات تعكس همجيتها، كما أن هناك سياسات تتسق مع الطبيعة العامة للشعوب، فالشعوب التي يغلب عليها سرعة الغضب تتميز سياساتها بالتهور، والشعوب التي يغلب عليها الصبر والاناة، تتميز سياستها بذلك، وكذلك الشعوب الفوضوية او اللامبالية، تتميز سياساتها بالعشوائية. ولا شك أن محور المقاومة بشكل عام، يتميز بفضيلة الصبر الاستراتيجي والتي قد يفهمها البعض أحيانًا بأنها ضعف أو تنازل، أن المقاومة تفي دائما بوعودها، وانه على المدى الاستراتيجي طويل الامد، تحقق انتصارات، لم تكن لتتحقق لو انساقت للمسار الذي يرسمه العدو ووقعت في فخاخه.
وهنا من الملائم القاء الضوء على الثقافة الامريكية السائدة والتي تؤثر في سياساتها، أو نلمح انعكاسات لها في ممارسات امريكا،
وهي ثقافة هوليود والاستعراض، وربما تكون لعبة المصارعة الأمريكية الاحترافية أو "الكاتش "catch هي أفضل تعبير عن سياسات امريكا، وخاصة في نسختها من ادارة ترامب. هذه المصارعة وكما تعرف في الوسط الرياضي، هي نوع من الألعاب يتصارع فيها المصارعون في مباريات يتم الإعداد لها والتدريب عليها مسبقاً لتحديد مسارها ونتائجها.
ولإضفاء الإثارة والمتعة عليها يختار المصارعون أسماء معيّنة خاصة بهم، ويرتدون ملابس تميّز كلاً منهم، وينهجون أسلوباً وعروضاً قبل المباراة وفي أثنائها وبعدها لرسم شخصيتهم. والمصارعون يعملون تحت إشراف المنظمين والمروجين لإخراج مباريات مثيرة متفق على نتائجها.
ويتجمع المصارعون المحترفون في مدارس ومؤسسات خاصة لمصارعة المحترفين، يتعلّمون فيها فنون الترفيه عن المشاهدين والمسكات والحركات وكيفية تخفيف مخاطر الإصابة في أثناء السقوط أو تلقي الضربات، ويشرف على هذه المدارس أبطال معتزلون يرتبون مباريات المصارعة بكتابة أحداثها مسبقاً لفترات طويلة أو قصيرة، فترسم شخصية المصارعين واستمراريتهم تاركين لهم بعض المبادرات الخاصة التي لا تغير أساساً من النتائج المرسومة.
كما يقوم المسوِّقون بالترويج للمباريات عن طريق التلفاز والإعلانات والمجلات والإنترنت وعبر اللقاءات الصحفية بين المصارعين لزيادة الإثارة حتى غدت هذه المصارعة جزءاً من ثقافة المجتمع الأمريكي.
أما التحكيم فهو ايضًا متفق عليه، حيث يقود المباراة حكم ليس له صلاحية تحديد الحركات الممنوعة أو المسموحة، بل يقوم بدور المنسق، ويضع أداة استماع في أذنه، ويتلقّى من خلالها تعليمات المروجين، ويقوم بنقلها للمصارعين في أثناء المباراة لتغيير الأداء أو القيام ببعض الحركات أو لإنهاء المباريات بلقطات معينة. وبالطبع، فان كل مباراة تنتهي بشكل مخالف للوائح، حيث ينهي الابطال مبارياتهم بالضرب بالات حادة او قضبان حديدية او كراسي، وينبغي ان تسيل الدماء، او ينزل اصدقاء المصارع الى الحلبة للاجهاز على الخصم في مشاهد تمثيلية تنال اعجاب الجمهور الامريكي.
يمكن اسقاط هذه الحالة الثقافية على قيادة امريكا للنظام الدولي حيث ترسم اطار المعارك والحروب ونتائجها، وكذلك تملي على المنظمات الدولية أدوارها، وعندما تعجز عن النصر، فإنها تلجأ الى أساليب البلطجة والاغتيال والقتل، كاستخدام المصارعين للكراسي أو القضبان الحديدية!
هذه الحالة أيضًا لن تجدي مع المقاومة، فقد أعلنت المقاومة انها لن تستسلم، وعندما يأتي التعهد بالرد من جميع المؤسسات السياسية بداية من آية الله العظمى الامام السيد علي الخامنئي، مرورًا بالرئيس ووزير الخارجية والبرلمان، والعسكرية على جميع مستوياتها، من وزارة الدفاع والحرس الثوري، فعلى الأعداء أن يتيقنوا أن هناك ردًا قاسيًا في الطريق.
والرد الايراني يتجه الى أن يكون متعدد الجوانب، بداية من المضي قدما في المشروع النووي وتغيير الصيغة السياسية الراهنة والوصول بمعدلات التخصيب لمستويات غير مسبوقة، مرورا بتطوير قوة الردع والتموضع الاستراتيجي، وصولا الى انتقام عسكري تعهدت به المقاومة في توقيته الذي تحدده.
المحاولة اليائسة من جانب ترامب ونتنياهو المأزومين، لن تجلب لهما الا مزيدًا من الخزي والخسارة الاستراتيجية على مستوياتها المختلفة، القريبة والبعيدة، وعلى الجماهير التي تنتظر ردا شافيا، أن توقن أنه في الطريق.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024