آراء وتحليلات
القرار العدلي وقرارات سلامة.. كباش محسوم
ليلى عماشا
"الليرة مستقرة".. عبارة كفيلة برسم ملامح حاكم مصرف لبنان فيما كان يطمئننا بشكل دوريّ على حال العملة اللبنانية.. وكان يعلو التصفيق للحاكم الذي نال جوائز حسن السيطرة على مدّخرات مصرف لبنان أكثر من مرة، فلا يُتاح له أن يكمل الجملة، فربما لم يكن يقصد بعبارته تلك الليرة اللبنانية بالتحديد، أو لعله كان يريد القول بأسلوب إيجابي إن هذه الليرة كانت مستقرة تمامًا على حافة الهاوية.. هوَت الليرة، واستمرّ التصفيق.. فقدت قيمتها الشرائية بشكل دراماتيكي وبسرعة أسقطت أفراد ما كان يُسمّى بالطبقة الوسطى إلى التماس مع خط الفقر، واستمرّ التصفيق.. ضاعت ودائع النّاس بالمصارف، وحرفيًّا اضطر المودعون إلى الوقوف في طوابير مذلّة ليتمكنوا من سحب مبلغ أسبوعي أو شهري يحدّد سقفه الحاكم من ودائعهم.. وما زال التصفيق مستمرًّا.. تتردّد أصداؤه في كلّ بيت وفي كلّ شارع.
وككلّ تصفيق حول طاغية، لم يجرؤ أحد من الحاشية الأميركية في البلد على التوقف ونصح الحاكم أو نقده.. ومَن تجرأ من خارج السرب الأميركي، لم يجد من يصغي له. فالأميركيون صرّحوا بأن الرجل أداتهم في البلد. ولأن الأدوات تتطبّع بطباع مشغليها، بلغ رياض سلامة مرحلة الغطرسة، أو لنقل "السلبطة" في التصرّف. لا يخشى مساءلة ويعرف جيّدًا أنّه محميّ داخليًا برعاية كلّ عناصر المشروع الاقتصادي الذي أوصل البلاد إلى الحضيض معيشيًا وماليًا.
وبعد، رفض سلامة أن يتم التدقيق في حسابات "مصرف لبنان" حيث استقرت الليرة والودائع، حتى بدا الأمر وكأن المصرف مصرفه، فصار تكملة عبارة "الليرة مستقرة" هي "في جيب الحاكم"، وصار ضياع الودائع مشكلة شخصية لا يريد سلامة أن يتدخّل أحد فيها.. ربّما كي لا يقلق الآخرين بهمومه الشخصية.. فهو المضحّي من أجل المشروع الاقتصادي الانهياري، ولن يسمح أن يُحاكم هذا المشروع بأيّ ظرف من الظروف، وهنا يكمن دوره الوظيفي الأساسي بالنسبة لأطراف المشروع في الداخل ومشغّليه من الخارج. المسألة بسيطة بالنسبة له، ببساطة تعليقه على ارتفاع الأسعار بعبارة "بيتعوّدوا"..
اليوم، صدر قرار عدلي يجبر سلامة على تقديم كافة الملفات التي تحتاجها شركة التدقيق والتي كان يرفض تسليمها بذريعة السرية المصرفية.. وعلى الأرجح لن يخضع للقرار العدليّ وقد لا يكلّف نفسه عناء البحث عن ثغرة قانونية يستخدمها لتبرير رفضه.. فالطغاة لا يكترثون كثيرًا للقوانين، ولا يعتبرون أنفسهم ملزمين تجاه الأخرين بشيء، فكيف إن كان الطاغية نفسه موظفًا لدى طبقة من طغاة محليين ودوليين!.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024