آراء وتحليلات
استهداف فيلق الشام: ما هي الرسالة الروسية؟
شارل ابي نادر
كانت لافتة الضربة الجوية الصاعقة التي استهدفت مركزا رئيسا لفيلق الشام المحسوب على أنقرة، وذلك في شمال غرب ادلب وعلى مقربة من الحدود مع تركيا، والتي طرحت تساؤلا جديا عن مضمون الرسالة الروسية وعن تداعيات العلاقة بين موسكو وانقرة ما بعدها، في الملف السوري بالتحديد او في غيرها من الملفات التي تحمل تناقضا قويا وشرسا احيانا بين الدولتين، على الاقل في ناغورنو غاراباخ ومنطقة القوقاز او في ليبيا.
ما كان لافتا في هذا الاستهداف غير المسبوق، يمكن تحديده بالتالي:
ـ لناحية عدد الاصابات غير المسبوق بين قتيل وجريح، إذ نتكلم عما يقارب المئة قتيل وعدد مماثل تقريبا من المصابين باصابات خطرة، كون الاستهداف حصل بصورايخ فراغية مدمرة خارقة، وفي توقيت هادىء، حيث لم تكن العناصر في الملاجىء او في الانفاق .
ـ لناحية رمزية استهداف فيلق اساسي من الجماعات الممولة والمجهزة والموجهة تركيا، والتي كانت من المجموعات الاساسية المصنفة معتدلة، وكان مقدرا ان يكون لها دور فاعل في تنفيذ مندرجات سوتشي، لناحية الفصل بين المجموعات الارهابية، او الانتشار مكان جبهة النصرة بعد انسحابها او بعد تذويبها في مجموعات اخرى تركية التوجه.
ـ ما كان لافتا ايضا ومستغربا، ان تعمد القوات الجوية الروسية الى تنفيذ قصف صاروخي جوي مركز وصاعق وضخم وشرس، غير مسبوق حتى اثناء اصعب معارك التحرير السابقة في سوريا، في الشمال او في الشرق والبادية او قرب حلب.
من هنا، يبقى التساؤل الغريب عن مضمون هذه الرسالة الروسية العنيفة، والتي تستهدف انقرة والرئيس اردوغان بشكل مباشر، وربما اكثر من استهدافها لفيلق الشام.
عمليا، هذه المجموعة التي استُهدفت في ثكنة على الحدود مع تركيا، كانت تشكل نقطة تجمع وتحضير وتجهيز للمقاتلين المتوجهين الى اذربيجان، للقتال مع وحدات الاخيرة في هجومها على ناغورنو قره باخ، وكانت كما يبدو ثكنة فيلق الشام في جبل الدويلة قرب مدينة كفرتخاريم غربي إدلب، مركزا رئيسا لتلقي المقاتلين المتوجهين الى اذربيجان، ولم تكن تشكل اي موقع مواجهة مباشر مع الجيش العربي السوري على جبهات ادلب والشمال السوري غير المحرر، الامر الذي يمكن على اساسه وضع الاستهداف في خانة الهدف غير المرتبط بالوضع السوري، بل المرتبط بملف اذربيجان وناغورنو قره باخ.
من ناحية اخرى، وفي متابعة ميدانية لسير المعارك في القوقاز، بين اذربيجان المدعومة تركيا على المكشوف وبمستوى غير مسبوق من الدعم، ووحدات اقليم ناغورنو المدعوم من ارمينيا بشكل كامل، يمكن الاشارة الى التالي:
تقدمت وحدات اذربيجان بشكل شبه كامل في جنوب الاقليم المتنازع عليه، وهي حاليا تسيطر على كامل حدوده مع ايران، ووصلت الى حدود المناطق الارمينية الفاصلة اساسا جغرافيا، بين الاقليم واذربيجان من جهة، وبين اقليم ناختشيفان الاذري جنوب ارمينيا.
بعد تحقق هذه السيطرة للوحدات الاذرية جنوب ناغورنو قره باخ، تسارعت الاتصالات السياسية وعلى اعلى المستويات، روسية او اميركية او اوروبية او ايرانية، لايجاد حل وتسوية، تبدأ بوقف فوري لاطلاق النار، مع توقف صارم عن استهداف المدنيين لدى الجهتين المتقاتلتين، وقد نجحوا في التوصل الى اكثر من وقف لاطلاق النار، لم يتم التقيد به بشكل كامل، مع اتهامات متبادلة بخرقه اكثر من مرة.
حتى الان، ما زالت الوحدات الاذرية تحاول التقدم والسيطرة واستعادة ما امكن من اراضي الاقليم، ويبدو ان تركيا من ورائها في هذه المناورة، دعما بالاسلحة الدقيقة وخاصة الطائرات المسيرة، او سياسيا واعلاميا عبر التحريض لعدم التوقف قبل "تحرير" المناطق الاذرية المحتلة في ناغورنو قره باخ، تماما كما كانت مناورتها في ليبيا قبل التوصل الاخير الى وقف ثابت لاطلاق النار، على خط الجفرة ـ سرت، بين وحدات حكومة الوفاق المدعومة تركياً، وبين الجيش الليبي المدعوم من كل الاطراف المختلفة مع تركيا.
بالعودة للموقف الروسي الذي واكب المعركة منذ بدايتها، كان واضحا في البداية انه لم يكن جديا او حاسما في فعل اي شيء عسكري او ديبلوماسي لمنع او توقيف الهجوم الاذري على الاقليم، فقط كان يدعو لوقف النار والذهاب نحو التسوية، مع عدم اتخاذه موقفا حاسما او عنيفا او حتى متشددا من اذربيجان، فقط كان الروس يقولون انهم سوف يتدخلون عسكريا عندما تصل الامور الى مهاجمة اراضي ارمينيا، استنادا لمعاهدة الدفاع المشترك بين الطرفين، خاصة وانه يوجد اكثر من قاعدة روسية قوية في ارمينيا.
كما يبدو، وصل الامر الان مع روسيا الى الموقف التالي:
ـ ممكن استعادة بعض الاراضي الاذرية من الاقليم، بشكل ينهي الحصار على اقليم ناختشيفان الاذري، الامر الذي تحقق عمليا وميدانيا الان، بعد سيطرة الاذريين على كامل جنوب الاقليم.
ـ لا يوافق الروس بعد الآن على تقدم الوحدات الاذرية اكثر، والاهم انهم لا يوافقون على فصل ما تبقى من اراضٍ في اقليم ناغورنو قره باخ عن ارمينيا، وخاصة العاصمة ستيباناكيرت، والتي لها رمزية مهمة بالنسبة لارمن الاقليم ولارمن العالم.
ـ بالنسبة للروس، لم يعد مسموحا لتركيا متابعة الدعمم الحاسم المؤدي الى التقدم الاذري اكثر، وبالتالي، يجب ـ ودائما حسب فكرة الروس ـ تثبيت وقف اطلاق النار اعتبارا من الان، والذهاب لمشروع تفاوض، يعيد قسما من اراضي الاقليم لاذربيجان (جنوب الاقليم)، وتثبيت التواصل الميداني والجغرافي بين ارمينيا وبين وسط الاقليم وشماله، والعمل على تسوية سياسية تنهي الحرب والمواجهة التاريخية .
اخيرا، ما يهم الروس ايضا، انه مع اهمية انهاء الازمة والمواجهة العنيفة بين اذربيجان وارمينيا مع الاقليم طبعا، فان موسكو تعطي اهمية اكبر لعودة الهدوء الى جنوب القوقاز، حيث حديقتها الخلفية الاستراتيجية، والاهم بالنسبة لها اكثر واكثر، ان يتوقف وينتهي بشكل كامل، تواجد المسلحين الارهابيين في تلك المنطقة التي تشكل بوابة حساسة ورخوة شمالا، نحو الداخل الروسي، الامر الذي لم تستوعبه تركيا كما يبدو، وربما الان وبعد ضربة ابنها المدلل "فيلق الشام" قد تستوعبه بطريقة اوسع واكبر.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024