آراء وتحليلات
فرنسا وطابخ السم.. وصناديق الاقتراع
ليلى عماشا
قبل أن تخفت تداعيات قضية ذبح المدرّس الفرنسيّ صامويل باتي، اتجهت أنظار العالم إلى مدينة نيس الفرنسية حيث أقدم إرهابيّ على مهاجمة مصلّين فرنسيين في كنيسة وقتل عدة أشخاص من بينهم إمرأة. ويأتي ذلك في إطار الإصرار الرسمي الفرنسي على الإساءة لرسول الله محمد (ص) عبر رسوم كاريكاتورية يعرف من رسمها ومن تبناها مسبقًا أنّها خطوة في طريق نشر الكراهية عبر الاستفزاز والإساءة العلنية والمتعمدة.
بين ليلة وضحاها من ليالي اقتراب الموسم الانتخابي الفرنسي، تحوّلت فرنسا إلى مسرح جريمة يحوي ضحايا مدنيين بعضهم قضى ذبحًا، وقاتل يصيح "الله أكبر". المشهد هذا رأيناه مرارًا في بلادنا وكانت فرنسا عنصرًا أساسيًا في فريق إنتاجه وإخراجه، وكانت تثني عليه وتعتبره عملًا ثوريًا وتدعم القاتل فيه وتدين الضحية. قد يصحّ هنا القول إن طابخ السمّ قد يتذوّقه عن طريق الخطأ، إلّا أنّ سياق الأحداث يُظهر أن طابخ السمّ يتعمّد أن يذيق بعضه لأهل بيته، لدواعٍ انتخابية. فتغذية الإسلاموفوبيا ضرورة حيوية للإدارات الغربية، ومنها الفرنسية، لا سيّما أنّ هذه الإدارات تعرف جيّدًا كيف ومتى وأين يمكنها تحريك أدواتها بالشكل الذي يعود عليها بالمنفعة ويدعم مصالحها سواء في داخل حدودها الجغرافية أو خارجها، بحسب ما يقتضيه الظرف. وما نشر الرسوم المسيئة إلى مشاعر المسلمين إلّا حركة مخابراتية تعرف الإدارة الفرنسية أنّ الإرهابيين الذين يحملون دمغة "صُنع في الغرب" سيجيدون قراءتها والتحرّك بما قد يبدو ردّ فعل دمويّاً على إساءة، فيما هو ببساطة أشبه باستجابة آلية لضغطة على زر.
حدثت الجريمة التي لا تخفى ظرفيًا بصمات العمل المخابراتي فيها، وهرع الناس من كل حدب وصوب إلى تبرئة الإسلام من فعال مشابهة، أي إلى البقعة الذهنية التي يريد الغربي عمومًا والفرنسيّ بشكل خاص الآن أن يأخذنا إليها، كي يتمكن من إدارة النقاش بالمنهجية التي وضعها بنفسه، فيما يعرف جيّدًا أن الإسلام المحمدّي الأصيل تجلّى بالأمس في رسالة آية الله العظمى الإمام السيد علي الخامنئي الموجّهة إلى الشباب الفرنسي، والتي تضمّنت مخاطبة عقل ووعي فئة الشباب بكلّ حبّ، أي بخلاصة النهج المحمديّ الذي هو وعي وحب. هذا الإسلام الذي لا يغذي الدواعي الانتخابية والمصالح الاستعمارية الفرنسية بل على العكس يفضح زيف الإسلام المصنّع غربيًا ويضع الشعوب الأوروبية أمام حقيقة مساعي إداراتهم التي صنعت الإرهاب وصدّرته إلى بلادنا، وتستخدم بعضه ضدّ شعوبها إذا اقتضت الحاجة.
قد يقع بعضنا هنا في فخ إدانة الجرائم الإرهابية في أوروبا على اعتبارها ردّ فعل على فعل الإساءة المتعمّدة التي تقوم بها الصحف الأوروبية بين الحين والآخر. إلّا أنّه بالقليل من التفكّر، سيبدو المشهد عبارة عن فعل واحد بمرحلتين يستجدي استقطاب "الرأي العام" الداخليّ سواء لشدّ عصب عنصريّ لأهداف انتخابية أو لتبرير تدخّل خارجيّ قد يجد مَن يعارضه في صفوف ناسهم. وهنا، تصبح الإدانة الصحيحة هي إدانة النهج الاستعماري ككلّ، النّهج الذي شوّه حريّة التّعبير وجعلها تارة حريّة الإساءة للملايين من المسلمين حول العالم وتارة حرية قتلنا ونهبنا واستباحة بلادنا بناسها ومقدّراتها بحجّة الخوف منّا أو ربّما تنويرنا ونشر "الديمقراطية"! لا يمكن فصل كلّ هذه العناصر عن سياق واحد صنعه الغرب تاريخيًا ولا وضع أحد مظاهره خارج سياق النهج الغربي كلّه. وبالتالي لا يمكن إدانة الجريمة التي حدثت اليوم من موقع دفاعيّ، بل من موقع العارفين أنّها صناعة غربية ككلّ جريمة ومجزرة حدثت في بلادنا.
ما حدث اليوم في فرنسا هو رسالة من صانعي الإرهاب إلى داخلهم. وبنظرة فيها القليل من "نظرية المؤامرة"، يمكن القول إن الدم الفرنسي الذي أُريق اليوم ظلمًا هو الحبر الذي تريده الإدارة الفرنسية لمنع الشباب الفرنسي من الإصغاء لخطاب العقل الإسلامي في رسالة الإمام الخامنئي البارحة، وحصر تركيز هذه الفئة على خطر قاتل يصيح "الله أكبر" ويذبح الناس. تحتاج الإدارة الفرنسية اليوم إلى أداتها هذه كي تروّع الناخبين، وكي تقودهم إلى صناديق الاقتراع مدجّجين بالعنصرية وبالإسلاموفوبيا.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024