آراء وتحليلات
ماذا عن مناورة الخداع الأميركية - الإسرائيلية بالقاذفة اف 35؟
شارل ابي نادر
تعتبر القاذفة الأميركية المتطورة "أف 35" من أكثر الأسلحة النوعيّة التي أخذت حيزًا واسعًا من الاهتمام على الصعيد العالمي، عسكريًا لما تتميز به من قدرات، وسياسيًا لما رافق صفقات الحصول عليها من نقاشات ومفاوضات أخذت أحيانًا طابعًا استراتيجيًا دوليًا، تجاوز موضوع قدراتها التقنية ومميزاتها، ليصبح أحيانًا مادة دسمة لتوجيه علاقات الدول فيما بينها، بما تحمله من مناورات، تشكل عنصرًا أساسيًا في سياسات الدول.
في هذا الاطار، شهدت أغلب مفاوضات صفقات حصول الدول على القاذفة اف 35 خلافات عدة، نذكر منها خلافًا كبيرًا بين الأميركيين والأتراك، بعد أن مُنعت أنقرة من امتلاكها، على خلفية حصولها على صواريخ "أس أس 400" الروسية من دون موافقة واشنطن، إضافةً إلى بروز بعض الخلافات التي لم تظهر بشكل واسع بين واشنطن والقاهرة، على خلفية محاولة مصرية أيضاً لم تكتمل حتى الآن، للحصول على القاذفة الروسية "سوخوي 35"، كبديل من "أف 35" التي تمنّعت واشنطن عن تزويدها بها، بناءً على طلب إسرائيلي طبعا.
مميزات القاذفة "أف 35"
القاذفة من إنتاج شركة "لوكهيد مارتن" الأميركية. يتراوح سعرها بين 100 و120 مليون دولار أميركي، وتصل سرعتها إلى 1200 ميل في الساعة، وتتميَّز بالقدرة على الإقلاع والهبوط العمودي، وبالتالي لا تحتاج إلى مدرج.
تمتلك القاذفة أجهزة استشعار عن بعد متطورة جداً، كما تمتلك القدرة على حمل ذخائر يصل وزنها إلى 5700 باوند، وهي مجهزة بأسلحة للحرب الإلكترونية، مع قدرة على تبادل المعلومات مباشرة مع الوحدات البحرية والبرية الصديقة، وتتميز بخوذتها البالغة التطور، وبالقدرات الإلكترونية التي تمكّن الطيار من رؤية جميع الاتجاهات ضمناً أسفل حجرة القيادة، وهي ميزة فعالة جداً أثناء عمليات القتال الجوي.
تتميز القاذفة "أف 35" أيضاً بأنها قاذفة "شبحية" غير مرئية، ولا يمكن تعقّبها وكشفها بسهولة عبر رادارات العدو، ويؤدي شكلها وطلاء هيكلها الخاص دوراً أساسياً في الحفاظ على صفة "الشبح"، وهي مزودة بجناح أنظمة المهام المعقد، ما يسمح بالتواصل السلس عبر جميع مقاتلات الأسطول الجوي في أي معركة.
هذه المميزات للقاذفة اف 35 تغري الكثير من الدول لامتلاكها، وفي نفس الوقت تدفع الكثير لحجبها عن اخصامها، وحيث تبقى "اسرائيل" محور هذه التباينات أو الاشكاليات المرتبطة بتزويد الدول الأخرى بها، يتبين مع الوقت، ومن خلال متابعة تفصيلية لمباحثات وصفقات الحصول على القاذفة، أن هناك مناورة خداع اميركية - اسرائيلية تظلل أغلب هذه الصفقات، وذلك على الشكل التالي:
لقد تعرضت القاذفة الأميريكة المتطورة والأكثر طلبًا في العالم (اف 35)، وأكثر من اية قاذفة أخرى، أميركية أو غير أميركية، الى حوادث سقوط لأسباب تقنية أو فنية أو غير محددة، وحتى الان، وفي الحوادث التي أعلن عنها - حيث هناك طبعًا حوادث لم يعلن عنها، سقط أكثر من قاذفة، منها في تجارب طيران أو في مناورات تدريبية في الولايات المتحدة الأميركية، في الاسكا حيث تجرى أغلب التدريبات الجوية والصاروخية الأميركية، وفوق المحيط الهادي، مع الأميركيين ومع اليابانيين، وكان آخرها سقوط احداها مع القوات الجوية الأميركية، أثناء تزويدها بالوقود جوًا بواسطة طائرة من طراز (كيه - سي 130 جيه).
بعد هذه الحوادث الجوية المتزايدة والتي حصلت مع القاذفة اف 35، والتي يبدو أن الأميركيين لديهم معطيات أوسع عن أعطال بنيوية موجودة في القاذفة أساسًا، بدأت الولايات المتحدة الأميركية تسهل للدول الاخرى الحصول على القاذفة، ولم تعد في نظرها وكما كانت بداية، قاذفة خاصة بالقوات الجوية الاميركية حصرا، دون "اسرائيل" طبعا، حيث للأخيرة أفضلية خاصة تتجاوز العلاقة مع الدول الاخرى، وقد بدأنا نلاحظ بعد ذلك، أن صفقات امتلاك القاذفة بدأت تتوسع مع عشرات الدول، ومنها التي حصلت عليها فعلًا، مثل بريطانيا، استراليا، ايطاليا، النرويج، اليابان، الكيان الاسرائيلي، كوريا الجنوبية، هولندا، والدانمارك، بينما حُرمت منها تركيا في اللحظة الأخيرة لأسباب حصول الأخيرة على اس 400 الروسي، واليوم يدور النقاش لحصول الامارات عليها، بعد اتفاقها مع العدو الاسرائيلي، وقد طلبتها مؤخرا قطر وبدأ النقاش السياسي والديبلوماسي حول ذلك.
في الحقيقة، هذه المعارضة التي تديرها في الظاهر "اسرائيل"، لمنع الدول العربية من الحصول عليها، هي في الواقع والخفاء، مناورة أميركية اسرائيلية مشتركة، تقوم على رفع مستوى معارضة "اسرائيل" لحصول آخرين عليها، على خلفية المحافظة على التفوق الجوي للكيان، وخاصة في الشرق الاوسط، وبالمقابل، تقوم واشنطن بدور المدافع عن حصول تلك الدول عليها، بالرغم من معارضة "اسرائيل" الكبيرة لذلك، وتبدأ واشنطن بالتفاوض مع هذه الدول، على اساس تقديم تنازلات معينة لكي تقنع "اسرائيل" بتسهيل صفقة الاف 35، وتكون هذه التنازلات موقفا سياسيا، حياديا مثلا تجاه "اسرائيل"، أو ممكن أن يصل الى ما يشبه التطبيع، كما حصل مع الامارات، والتي تبين أنها لم تحصل على أي شيء ذي مضمون أو معنى من اتفاقها مع الكيان الصهيوني، الا وعد أميركي بالحصول على اف 35.
واليوم يبدو أن قطر على نفس الطريق، فبعد أن طلبت الحصول على اف 35، صرخت "اسرائيل" معارضة لذلك على خلفية المحافظة على تفوقها الجوي، والآن بدأت واشنطن بادارة التفاوض الخداعي مع الدوحة.
فماذا سيكون المطلوب من قطر؟ هل يتعلق بالتطبيع مع "اسرائيل"، أو بدرجة أخف، يتعلق بتقديم تنازلات في ملف خلافها مع الدول الخليجية؟ أو بملف تحالفها مع تركيا؟ أو ربما ينحصر الخداع فقط بالحصول على مبالغ ضخمة بدل عدة قاذفات اف 35 ، لن تكون حتما بنفس المستوى الذي تتميز به القاذفات التي تملكها "اسرئيل"؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
07/11/2024
كم ستنبت الأرض منك!
07/11/2024