معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

حرب تشرين التحريرية: التحام الدم العربي على الجبهة المصرية(2)
12/10/2020

حرب تشرين التحريرية: التحام الدم العربي على الجبهة المصرية(2)

عبير بسام

اكتسبت معركة عبور القناة على الجبهة المصرية أهمية خاصة، حيث إن عبور القناة كان يحتاج إلى تقنيات وتدريبات خاصة. كما أنه لم يكن من السهل اجتياز الممر المائي دون لفت نظر العدو الصهيوني. ولكن ما أخفاه التاريخ أن عبور القناة كان إنجازاً عربياً كاملاً، ساهمت به دول المغرب العربي من ليبيا إلى الجزائر إلى تونس وحتى المملكة المغربية. ويتابع موقع "العهد" مع الدكتور بدر السماوي، الباحث في التاريخ المعاصر، الحديث عن أهمية المشاركة العربية المغاربية في حرب تشرين التحريرية.

شاركت المملكة المغربية بقوة في مصر، كما في سوريا، وأرسلت قوة تتألف من "5500 جندي وسرب طائرات إف 5 إلى الجبهة المصرية". لكن المثير للانتباه أن هذه القوات وصلت إلى الجبهة قبل بداية الحرب ببضعة أيام وكان يقودها الجنرال أحمد الصفريوي. اللواء المغربي، هو الأكبر بشهادة الفريق سعد الدين الشادلي. وتوقيت وصول اللواء إلى مصر يدل على أهمية القوة المغربية على الجبهة المصرية.

أما على المستوى الشعبي، فقد تم تنظيم حملات تبرع بالدم قبل الحرب وأثناءها وبعدها دشنها الملك المغربي الراحل، الحسن الثاني، شخصياً. اذ تم فتح مكاتب التطوع لتسجيل آلاف المتطوعين للذهاب إلى جبهة القتال، كما جمعت السلطات التبرعات من الأغنياء بالإضافة إلى اتخاذ قرار بإعطاء الزكاة لعائلات الذين استشهدوا على الجبهة.

لم تبخل أي من دول المغرب بالمشاركة، ومن بينها ليبيا، التي تمثل العمق الإستراتيجي لمصر. وقاد خليفة حفتر القوات الليبية خلال معارك تشرين. ويشرح السماوي: "لقد قامت ليبيا حينها بتغطية جميع النقائص اللوجستية والعسكرية، لتأمين الحرب وتأمين العبور. اذ دعمت البحرية المصرية بمعدات، وأجهزة رادار بحرية، وأجهزة الكترونية بحرية. وقامت بشراء القوارب المطاطية التي عبر بها الجنود المصريون قناة السويس من إيطاليا. كما تكفلت ليبيا بتغطية احتياجات مصر التموينية طوال فترة الحرب. وفي الحقيقة أن دعم المجهود الحربي مادياً قدم لسوريا كما قدم لمصر".

وبحسب مذكرات سعد الدين الشاذلي، قائد الجيش المصري، فإن ليبيا لم تساهم بعدد كبير من السلاح والعتاد البري والبحري والجوي فقط، بل قاد الطيارون الليبيون حينذاك أحد سربي الميراج الليبيين اللذين شاركا في المعركة، بينما قاد طيارون مصريون السرب الآخر.

الحكومة التونسية أصدرت منذ صباح السبت 6 أكتوبر 1973 بلاغا استنكرت فيه "العدوان الدائم والمتواصل الذي تقوم به إسرائيل ضد البلدان العربية" كما عبرت عن استعدادها لتقديم مساهمتها في تحرير الأراضي المحتلة. وبعد يومين قررت السلطات التونسية إيفاد وحدات عسكرية إلى الجبهة متمثلة في فيلق مشاة.

حرب تشرين التحريرية: التحام الدم العربي على الجبهة المصرية(2)

يومها ألقى الرئيس الحبيب بورقيبة كلمة في توديع عناصر الفيلق، ومما جاء فيها: "لقد قررت المساهمة في الحرب لأن تونس تحارب وتقاتل دوما من أجل الحرية ومن أجل الكرامة ومقاومة الظلم والعدوان والتسلط الاستعماري التوطيني والصلف الاستعماري المتحدي للرأي العام العالمي وللمنظمات الدولية.. هناك أمران في هذه المعركة: النصر أو الاستشهاد".

يشرح السماوي: "ضم فيلق مشاة تونس المحمول 1100 فرد، عينوا في الجبهة المصرية للدفاع عن قطاع يبلغ طوله 20 كلم يقع مباشرة أمام العدو مستقراً في منطقة "دلتا النيل" لحماية ظهر القوات المصرية المتقدمة في عمق سيناء. وإثر حدوث ثغرة الدفرسوار تدخّلت القوّة التونسية وحاصرت القوات الصهيونية التي كانت بقيادة شارون وقتها وأوقفت تقدّمه". قاد الفيلق التونسي العقيد عبد العزيز سكيك. وقد أبلى الفيلق بلاءً حسناً، وتمكّن رغم تواضع عدده من إيقاع خسائر فادحة في جانب العدوّ. وعادت وأرسلت الجمهورية التونسية في شهر كانون الثاني/يناير 1974 فيلق الطلائع لتعويض فيلق المشاة المحمولة.

وإلى الجانب العسكري ساهمت تونس في تقديم خدمات طبية سواء بالخبرات أو بالأدوية أو الدم. وترأس الوفد الطبي الدكتور زهير السافي صحبه عدة أطباء وممرضين منذ بداية المعركة، ثم عاد وتوجه، يوم 17 أكتوبر 1973 إلى الجبهة المصرية، وفد طبي آخر تألف من 5 أطباء جراحين و15 ممرضا مختصا محملين بكميات من الأدوية وأدوات الجراحة ومستلزماتها وكذلك كمية من الدم. واحتج الهلال الأحمر التونسي لدى الصليب الأحمر الدولي على قيام الكيان الصهيوني بقصف المدنيين والمستشفيات والمدارس واستخدام قنابل النابالم.

لم يكن الدكتور بدر السماوي ليرضى أن يكون هناك حديث عن معارك تشرين دون الإشارة إلى الجزائر بلد المليون شهيد، اذ كان دور الجزائر في حرب تشرين أساسياً وقد عاش الرئيس الجزائري هواري بومدين ومعه الشعب الجزائري مرحلة الحرب بكل جوارحه كأنّه يخوضها فعلا في الميدان. وصرح بومدين على أثر انتهاء الحرب بأن "الجزائر أكدت أنها قامت بواجبها القومي رغم أنّه يفصلنا عن أرض المعركة أربعة آلاف كلم".
كما قال إنّه: "دون التحالف بين مصر وسوريا والثورة الفلسطينية فإننا نفتقد أهم ضمانات النصر". وكانت الجزائر الرائدة في بدء تطبيق سياسة الحظر النفطي خلال الحرب والتي دفعت ببقية أعضاء أوبك لحذو حذوها.

التضامن العربي بين مصر والجزائر ابتدأ بدعم الثورة الجزائرية منذ انطلاقتها في العام 1954، حيث أرسلت مصر "عبد الناصر" أول شحنة من السلاح ثم تعهدت بالتدريبات العسكرية لجيش التحرير الوطني الجزائري.

يتابع السماوي: بدأ دعم الجزائر لمصر في المعركة قبل اندلاع الحرب بأربع سنوات، حيث تم نقل عدد من القوات الجزائرية إلى الجبهة في خضم حرب الاستنزاف ضد "اسرائيل" عقب نكسة حزيران في العام 1967. وقد نجح بومدين في تزويد مصر خلال أيام حرب تشرين بشحنات السلاح بعد أن طار إلى موسكو وتقابل مع بريجنيف الذي اشترط عليه أن تدفع القاهرة تكلفة السلاح قبل تسلمه، فلم يتردد بومدين في التوقيع على صك بمبلغ 200 مليون دولار. ولم يغادر بومدين موسكو حتى تأكد من أن الشحنات الأولى من الدبابات قد توجهت فعلا إلى مصر.

أرسلت الجزائر للمشاركة على الجبهة المصرية: 2115 جنديا و 818 ضابط صف و 192 ضابطا. كما قام الجزائريون في اليوم الرابع من الحرب، أي فور وصولهم بدهن الطائرات الجزائرية بلون الطائرات المصرية وتلقوا شروحات عن الوضع العسكري الميداني. وكانت مهمتهم التوغل في خط برليف لقصف معدات عسكرية وقواعد صاروخية للعدو كانت تنطلق منها الصواريخ.

لقد سجل التاريخ مشاركة أسماء قادة عسكريين كبار من الجزائر، ومن أبرزهم المرحوم الجنرال أحمد قائد صالح القائد السابق للجيش الجزائري الذي انتقل إلى مصر منذ سنة 1968 في إطار حرب الاستنزاف، واللواء سعيد شنقريحة الذي خلف قائد صالح على رأس الجيش الجزائري والذي شارك في حرب أكتوبر [تشرين التحريرية]. ومن بين القادة الرقيب في قوات الصاعقة بن مير قويدر، الذي يعود بالذاكرة فيقول: "حين وصلتنا الأوامر رحلنا إلى وهران غربي الجزائر ثم إلى القاهرة جواً، وهناك انتظرنا غروب الشمس لننتقل براً إلى البحيرة المرة قرب السويس، كنا لواءً كاملاً وزعت علينا المهام، وكان اللواء الجزائري مكلفاً بحراسة الرادارات والتدخل، وكان معنا مقاتلون فلسطينيون وسودانيون".

كانت الآلة العسكرية الصهيونية خلال المعركة تدرك قيمة المشاركة المغاربية في معركة امتدت على طول الوطن العربي، فحاولت منذ بداية الحرب ثني تلك القوات عن المشاركة في المعركة من خلال رمي منشورات من الجو على الجبهتين باللغتين العربية والفرنسية، وذلك بدعوى أن القضية ليست قضيتهم وأن المغرب بعيد جغرافيا وليسوا في حالة حرب معهم، لكنها أخطأت العنوان ففشلت في مبتغاها"، هكذا عبر السماوي حول دور المغرب العربي. وقال ضمن مراسلاته الخاصه بـ"العهد" إن ما يقوم به هو أقل الممكن والواجب: "ماذا يمثل تحرير مقال مقارنة مع جندي لبناني يواجه الصهاينة؟ ماذا تمثل كتابة ورقة مقارنة مع جندي سوري يلاحق إرهابيين؟ هل يرتقي ما قمت به مع إضراب جوع يشنه أسير فلسطيني؟ ذلك قدرنا".

ما يزال العرب أجمعين يدفعون حتى اليوم ثمن الخيانة التي تعرضوا لها بسبب موقف "أنور السادات". حين توقفت المعارك على الجبهة المصرية وتركت الجبهة السورية وحيدة مشتعلة، حاول عبر التاريخ هو وأزلامه إيجاد مبررات للخيانة عبر اطلاق الذرائع بأن الخطط لم تحدد أهداف المعركة أو أنها لم تكن معركة لتحرير فلسطين، وهذا ذر للرماد في العيون. والحقيقة أن خيانة السادات هي التي مكنت ثعلب السياسة الأميركية هنري كيسنجر من التدخل، وإعطاء "اسرائيل" الفرصة ومدّها بالطيران والطيارين، وشراء الوقت لها، وبالتالي من قضم الانتصار الذي تحقق في أول المعركة "خطوة خطوة"، وهي السياسة التي وضعها الثعلب من أجل إيقاع العرب منفردين في اتفاقات الخيانة والتطبيع منذ العام 1979 في كامب ديفيد وحتى البارحة في الإمارات والبحرين. وكما قال السماوي: شتان ما بين ما تمخضت عنه الجبهتان من تحرير القنيطرة بقوة السلاح مدعومة بقرار أممي، وبين تحرير السويس باتفاق خيانة وتطبيع.

 

ليبياالاردن

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

التغطية الإخبارية
مقالات مرتبطة