آراء وتحليلات
كيان المرتزقة وشذاذ الآفاق
كتبت: عبير بسّام
اكتشف المرصد الأوروبي لحقوق الإنسان خلال العدوان على غزة في العام 2014، حين قتل كل من ماكس ستنبرج وسين كارميلي أنهما أميركيان قاتلا مقابل المال في صفوف جيش الكيان العبري، فدعا المرصد الأورومتوسطي في 28/7/2014، الدول التي يخدم مواطنوها في جيش الكيان الإسرائيلي إلى سحب مواطنيها بعد تسجيله انتهاكات مروعة لحقوق الإنسان ومجازر حرب بين الفلسطينيين. كشف هذا البيان الحقيقة المعروفة سراً إلى العلن، ألا وهي أن الإسرائيليين يعتمدون في قوات اقتحامهم لبيوت الفلسطينيين وفي حروبهم على المرتزقة، الذين يخدمون في الصفوف الأولى من قوات الاقتحام، في وقت يتقدم به من حان وقت خدمته العسكرية في الدولة العبرية بوثائق من أطباء نفسيين تعفيه من الخدمة.
ونشر موقع "العهد" الإخباري تقريراً يظهر مسحاً سريا أجراه قسم العلوم السلوكية في جيش الاحتلال يوضح أن الجنود الإسرائيليين غير مستعدين للانخراط في أي حرب في لبنان. ونقلت "سبوتنيك" عن موقع news.walla.co.il في شباط/ فبراير من هذا العام، أن قسم الموارد البشرية في جيش الكيان أعلن عن تنفيذ عدة خطوات لرفع تحفيز الشباب الإسرائيلي للخدمة الإجبارية عقب تزايد ظاهرة الهروب من الجيش، وأن المجندين يرفضون بشكل قاطع أن يكونوا في وحدات محددة وهي غولاني وجفعاتي وكفير وناحال، والتي تعد أهم الوحدات القتالية. وأن إعفاءات لمجندين جدد أعطيت بنسبة 32.9% من الذكور و44.3% من الإناث لأسباب نفسية. ولذلك فمن البديهي أن يقع على الكيان العبري عبء ملء الفراغ بجنود مرتزقة.
إذًا ما يستدعي دخول المرتزقة هو رفض الإسرائيليين في الأرض المحتلة الانخراط في الخدمة العسكرية. ففي حزيران من العام 2019، بحسب وكالة "الأناضول"، تظاهر آلالاف اليهود الأرثوذكس رفضاً للخدمة العسكرية أمام بعثة الكيان في الأمم المتحدة في نيويورك. وتظن السلطات الصهيونية أن الاستعانة بهؤلاء يساهم في تقوية المجتمع اليهودي المحتل، وخلق نوع من التبادل والتواصل الثقافي ما بين يهود المهجر ويهود الكيان العبري، وإيجاد نوع من الشراكة ما بين داعمي "اسرائيل" حول العالم من أجل الصالح العام.
الفضيحة الثانية التي دفعت المرصد الأوروبي للتحرك، هي خروج خبر للعلن وبشكل فاضح، عبر ظهور إيلينا زاكوسيلا ذات 28 عاماً، والتي خدمت في "اسرائيل" كجندية محترفة على إحدى محطات التلفزيون الأوكراني في برنامج "كشف الكذب". تعمل زاكوسيلا اليوم على حماية خط الطيران الإسرائيلي في أوكرانيا بدلاً من الذهاب إلى الكيان للقتال هناك. فقد قاتلت مع الكيان العبري لمدة 6 سنوات. كما اعترفت بقتل المدنيين والأطفال الفلسطينيين. وتقول زاكوسيلا وبكل بساطة: "إذا ما كان عملها يزعج السلطات الأوكرانيا فإن بإمكانها العودة إلى اسرائيل".
التحقت زاكو سيلا ببرنامج يسمى بـ"الجندي الوحيد"، وهو برنامج يقوم بتجنيد أشخاص في "اسرائيل"، من الرجال والنساء، من أوروبا، وخاصة بلجيكا وبريطانيا وهولندا والدول الإسكندنافية وبريطانيا، والولايات المتحدة. يبدأ العمل من خلال اجتماعات يعلن عنها في الصحف. ومن الممكن إيجاد الشروط المتعلقة بهذا البرنامج على صفحة إحدى الجمعيات المدنية وتدعى ساراييل "Sar-El". غير أن مراكز العمل الأساسية لساراييل تقع في هولندا وبريطانيا وهي تنسق العمل في باقي الدول الأوروبية.
يقوم البرنامج على تسجيل من يرغب وحتى الكبار في السن. يأتي هؤلاء من الولايات المتحدة وأوروبا، وتقوم بتطويعهم منظمة تدعى "متطوعون من أجل اسرائيل" تعمل بالتنسيق مع منظمة ساراييل. يأتي كبار السن للعمل كمهنيين أو في الخدمات التسويقية أو التموينية. وقد بلغ عددهم في العام 2015 فقط حوالي 881 متطوعًا. تتوجه المنظمة في العادة إلى المنظمات اليهودية في أمريكا وإلى أشخاص ينتمون إلى المجتمع اليهودي في أمريكا ومن مختلف الأعمار. وبحسب njjewishnews فقد ذهب في العام 2016 متطوع اسمه جوزيف ويرك وقد بلغ التسعين من العمر، وسيعيش في ظروف قاسية ليخدم لمدة ثلاثة أسابيع في قاعدة عسكرية للجيش الإسرائيلي. وهو يواظب على الذهاب إلى "اسرائيل" مع زوجته منذ العام 1998، وذلك تكفيراً عن اختياره الذهاب إلى الولايات المتحدة بدلاً من الذهاب إلى "اسرائيل" بعد الحرب العالمية الثانية.
ساراييل هي منظمة "مجتمع مدني" ولا تبغي الربح، ولكنها تقع تحت اشراف فيلق اللوجستيات الإسرائيلي وتتبعه. يبدأ عملها تحت شعار "تطوع وعمق معرفتك بإسرائيل". وهي التي تقوم باستقطاب الأوروبيين وغيرهم في برنامج الجندي الوحيد. وبحسب وثائقي "الجزيرة"، فإن من يتطوع في البرنامج، يفضل أن لا تكون له عائلة في فلسطين المحتلة، وأن يكون ذا أصول يهودية. ويفرض على هؤلاء برامج قتالية قاسية لأنهم يقاتلون في الصفوف الأولى للجيش الإسرائيلي، وقد ابتدأ منذ الثمانينيات فرض تعلم اللغة العبرية عليهم، حتى لا يُفضح الإسرائيليون وهم يعطونهم التعليمات باللغة الإنكليزية خلال المعارك.
يعتبر البرنامج من أخطر البرامج لأن أفراده يأتون للانتقام لليهود المضطهدين حول العالم، ابتداءً من السبي البابلي وحتى ممارسة هتلر في التطهير العرقي. ويتم، بحسب موقع "الجزيرة"، تصنيف انتقام القادمين على أساس عرقي، أو أن هناك من يأتون لممارسة القتل كمتعة وبشكل قانوني. كما أن 80% من المشاركين في البرنامج هم من المسيحيين البروتستانت، الذين يؤمنون بعودة المسيح وبناء دولة "اسرائيل" الآمنة والـ20% المتبقية هم من اليهود.
وأشارت تقديرات المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إلى أن هناك اليوم أكثر من 6000 جندي يحملون جنسيات مختلفة، منهم على الأقل 2000 أميركي ويقاتلون على جبهات عدة في فلسطين. ومن هؤلاء توروك دول وهو نروجي مسيحي بروتستنتي، ظهر في وثائقي الجزيرة، وهو متطوع بالمجان، يعمل في إصلاح الدبابات، لأن "إسرائيل" ليس فيها الكفاءات لهكذا مهمات.
الملفت في وثائقي "الجزيرة" أن القناة استطاعت دس صحفي يدعى تايالي سيلفسن رافق بعض المتطوعين النرويجيين إلى القواعد العسكرية. وهناك صدم سيلفسن بوجود زعيمة الحزب الديمقراطي المسيحي في النرويج "لكريس كارا" في أحد مراكز التدريب مرتدية الزي العسكري الإسرائيلي. ويذكر سيلفسن، أنه حضر اجتماعات لمنظمة ساراييل، وأن لهجتهم كانت قاسية، ولو ناقشتها أية جهة أخرى لصنفت على أنها تحريض على التطهير العرقي، اذ إنه خلال اللقاءات المفتوحة يتم الحديث عن "اسرائيل" وعن وجوب تطهيرها من العرب.
يتم تجنيد المرتزقة في أمريكا وأوروبا بشكل علني، وتتلقى بعض المنظمات التي تقوم بالتجنيد الدعم المادي والمعنوي بشكل علني من دافعي الضرائب في كل من القارتين. وتتوانى دول كبريطانيا عن معاقبة مواطنيها الذين يذهبون للقتال إلى جانب "اسرائيل" ضد الفلسطينيين والعرب ويرتكبون أبشع المجازر بحق الشعب الفلسطيني.
هناك منظمتان صهيونيتان تتعاونان مع ساراييل في أوروبا وأميركا على تجنيد المرتزقة وهما ألوما "Aluma" وناحال "Nahal"، وكلتا المنظمتين ساهمت في تجنيد المرتزقة من الأوروبيين وخاصة البريطانيين الذين قاتلوا في العام 1948، وما تزالان تعملان حتى اليوم بالعلن مع دعم وصمت عالميين. وتدفع ساراييل للمرتزقة أجورًا مغرية مقارنة بجنودها، وقد نشرت "هآرتس" تقريراً عن المزايا التي يتمتع بها برنامج الجنود الوحيدين، اذ يسمح لهم بفتح عملهم الخاص خلال وجودهم في "إسرائيل".
يحدث هذا كله، وللأسف تحت نظر الحكومات العربية والسلطة الفلسطينية. ولولا تحرك المركز الأورومتوسطي لبقيت الحقيقة المعروفة طي الكتمان في أوروبا. ولم يطرح الموضوع يوماً في دوائر الأمم المتحدة، ولا حتى السلطة الفلسطينية، وهي ترى المرتزقة ينكلون بأبناء وبنات فلسطين. "اسرائيل" قامت وتقوم حتى اليوم على سلاح المرتزقة، ومنذ العام 1948ونحن نحارب جيوش الأرض كلها والحكام غافلون لا يتحركون. فلا عجب أن نراهم يفرون ويصرخون في مواجهات حرب 2006، ولا عجب أن نشهد خوف قاطني المستوطنات كلما انطلقت رصاصة للمقاومة. فبيت "اسرائيل" فعلياً هو أوهن من بيت العنكبوت وينتظر ضربة مكنسة قوية تلغيه من الوجود.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024