آراء وتحليلات
السيد نصر الله يمنح ماكرون فرصة ثانية للدخول إلى لبنان
محمد أ. الحسيني
من الآخر.. صحّح الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله تمركز البوصلة نحو الاتجاه الصحيح.. إنه لبنان أيها الـ.. السادة، لا يفهم فسيفساء هندسته إلا من ضحّى في ريّ ترابه دماً وعرقاً، ومن كان حريصاً بحق على سيادته ووحدته واستقلاله، ومن نقطة البناء هذه رسم السيّد المبادرة الحقيقية التي تكفل إعادة لملمة أشلاء البلد الممزّق سياسياً واقتصادياً، والمستهدف في استقرار حياة أبنائه معيشياً وصحياً، وبالتالي لا تعود القضية في الردّ على جهل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وتشخيصه الملتبس واتهاماته المغرضة وأحكامه القاصرة، بل في النظر في ما جرى في الأسابيع القليلة الماضية من إمعان بعض اللبنانيين في ذبح البلد على عتبة المصالح الفرنسية - الأمريكية، ومن سقوط معظم العرب في حفرة "السلام" الإسرائيلي - الخليجي، فيما القضية الفلسطينية أصبحت غريبة في أروقة التسوية العربية، وهو ما يدعو إلى الاعتبار واستشراف خطوات المرحلة المقبلة في كيفية استنقاذ البلد وسط ضوضاء الإنهيار الشامل.
ماكرون والانحياز السلبي
من البداية.. أصدر ماكرون الحكم على الطبقة السياسية في لبنان بجرم "الخيانة الجماعية" بعد إخفاقها في تشكيل الحكومة العتيدة، وكأن الرجل لا يزال يعيش نشوة زيارته إلى بيروت، وعناقه بعض "الثورجيّين والثورجيّات" الذين طالبوه بعودة حكم الانتداب وفرنسة لبنان من جديد، ولكن الواقع أن ماكرون، الذي لا تبتعد حكومته عن اتهامات الفساد المالي والإداري، قد استعجل مرة أخرى في إطلاق مواقف لم يدرس تداعياتها جيداً، أو أنه انساق وراء وشوشات المستشارين في باريس والنمّامين في بيروت، فوضع نفسه في خانة الانحياز السلبي وأحرق أوراقه باكراً، وأحبط بعض الأطراف في لبنان ممن كان يمنّي النفس في اقتناص الفرصة الفرنسية السانحة لتنفيذ الإنقلاب وإسقاط البلد.
ما قصة الأسابيع الستة؟
ولا بد من التوقّف قليلاً عند منح ماكرون الفرصة ةالأخيرة لقيامة "لبنان الغد" بسقف زمني بين أربع وستة أسابيع، فلهذا الامر مؤشره الواضح، وهو أن المهلة التي حدّدها الرجل بأسبوع وأسبوعين في بداية مغامرته في بيروت لم تكن حاسمة بقدر ما كانت بروفة زمنية، فإن تم تشكيل حكومة سريعاً تبدأ فوراً بتنفيذ أجندتها المشبوهة الرامية إلى ضرب ما تبقّى من عوامل الاستقرار الداخلي، وإن لم تتشكّل يبقى هناك حيّز من الوقت لتمديد الفرصة إلى منتصف تشرين الأول المقبل، حيث تكون الانتخابات الرئاسية الأمريكية قد حطّت رحالها الديمقراطية أو الجمهورية، وبالتالي ينتقل الملف اللبناني إلى الأصيل الأمريكي بعد انتهاء مهمّة الوكيل الفرنسي، ويعود ماكرون إلى ممارسة حجمه المقدّر له إقليمياً بعد أن يكون قطار الاستسلام العربي أمام "إسرائيل" قد وصل إلى محطته الأخيرة في السعودية، ويبدو أن ماكرون منّى النفس هو الآخر في تحقيق حضور فرنسي على خارطة الشرق الأوسط، ولو بدور شكلي وظاهري، إلا أنه لم ينجح في تحقيق أي اختراق في هذا المجال، ليس فقط لجهله بتعقيدات السياسة في ما خصّ لبنان واستعجاله النتيجة، بل أيضاً بسبب تحديد الأمريكيين مجال حركته في حدود الموقف السياسي بلا فعالية ملموسة وفعلية.
فرصة جديدة لباريس
يقول الشاعر: ضِدّانِ لَما اسْتُجْمِعا حَسُناً، وَالضِدُّ يُظهِرُ حُسنَهُ الضِدُّ.. ولئن تجاوز السيد نصر الله الردّ على المهاترات والاتهامات السخيفة التي أطلقها ماكرون بحق حزب الله، فإنه تناول القضية بمنظار المصلحة الوطنية العليا، وأعاد الكرة إلى الملعب الباريسي ليمنح الدور الفرنسي فرصة جديدة لصياغة مبادرة جديدة ومنقّحة، تأخذ بعين الاعتبار التوازن في الخطاب السياسي والرويّة الواعية في الأداء والاستقلال عن الأمريكي والإسرائيلي في النظر إلى المصالح الفرنسية في لبنان وليس العكس، وهذا امتحان فعلي وجدّي لنوايا ماكرون وقدرته على الدخول إلى المسرح اللبناني، والتراجع عن مواقفه الانفعالية والإقلاع عن النزعة الاستعلائية باتجاه التعاطي مع لبنان بندّية إيجابية، لعلّه يستعيد بعضاً من الثقة والمقبولية من الأطراف السياسية الفاعلة في لبنان والتي تمثّل الأكثرية باختيار الشعب اللبناني.
حُسن الضدّ البشع
وفي سياق قول الشاعر أيضاً، فإن بعض اللبنانيين ممّن نصّبوا أنفسهم أولياء على تشكيل الحكومة العتيدة وارتكبوا جرم التخريب، ولا سيما "ما يسمّى نادي رؤساء الحكومات السابقين"، قد حيّدوا أنفسهم بفعلهم التخريبي، وسيجدون أنهم باتوا على الهامش في أي مشروع مقبل لإعادة بناء لبنان، فهم في الأساس لا دور لهم في هذا المجال، ولا يمتازون بأي تمثيل قانوني أو دستوري أو عُرفي يسمح لهم في أن يتدخّلوا في فرض أو اقتراح أو تشكيل، ولن يكون لهم الفرصة في أن يتحكّموا أو يضطلعوا في تكليف أو تأليف أي حكومة مقبلة، ولا أن يشاركوا في كتابة حروف أسماء الوزراء وتحديد انتماءاتهم السياسية والطائفية، ولا حتى في صياغة بيان وزاري، وهكذا يبدو حُسن الضد البشع الذي أبداه هؤلاء، والذي لم يؤدِ إلا إلى مزيد من تعميق الأزمة وتعقيد المشكلة الداخلية، وهكذا فقط سيفهم ماكرون أن القرار اللبناني لا يكون إلا بحروف لبنانية صرفة، وهكذا يمكن أن يجد له موطئ قدم في البهو اللبناني مرحّباً به كصديق، وليس كطرف ينساق وراء مجموعة من محترفي التشويش والتخريب خدمة للأهداف الأمريكية - الإسرائيلية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024