آراء وتحليلات
في ذكرى رحيل عبد الناصر
د. محمد طي
كان عبد الناصر قومياً صادقاً، وأممياً شريفاً، وقدم لمصر كل ما استطاع، فقد وزّع أراضي الإقطاعيين على الفلاحين، وهذا أمر يأخذه عليه بعضهم من منطلق أنه لا يجوز نزع ملكية أحد لإعطائها لأحد آخر. ولكننا نرى أن الأمر في غاية المشروعية، فالإقطاعيون ليست الأرض من حقهم، لأنها كانت تقطع للقادة العسكريين والموظفين الكبار لاستغلالها على أن تعود للدولة عند نهاية الخدمة، ولكنهم تغلبوا في النهاية واغتصبوها، ثم:
• بنى 1200 مصنع في مصر منها 800 في حلوان ما أمّن العمل للملايين من المصريين.
• كان يوفر عملاً لكل خرّيج من الجامعات المصرية.
• أقام السد العالي الذي يروي مساحات واسعة جدا من الأرض المصرية وينتج كمًّا عظيماً من الكهرباء.
• شنّ حرباً شديدة على العملاء.
• كسر احتكار السلاح وتوجه إلى المعسكر الاشتراكي الذي كان الغرب يحظر التعامل معه تحت طائلة التهديد.
• شن حرب عصابات ضد الانكليز في مصر وطردهم.
• أمم الشركة العالمية لقناة السويس.
• أقام الوحدة مع سوريا التي أفشلتها المؤامرات الاستعمارية مستخدمة نقمة بعض الضباط "الشوام" بسبب أمور صغيرة يتحمل مسؤوليتها ضباط مصريون.
• ساعد الثورة الجزائرية وكلف بعض خيرة الضباط (فتحي الديب) بمتابعتها وتأمين احتياجاتها.
• ساعد اليمن الجنوبي في ثورته ضد الاستعمار البريطاني وساند كافة الحركات الثورية في الوطن العربي وفي كل مكان.
• كان رائداً بين دول عدم الانحياز.
إلا أن عبد الناصر كان يعاني من ثلاث مشاكل:
الأولى أن تربيته عسكرية، وعايش أحزاباً في معظمها فاسدة أو عميلة، وقد قام بثورة من فوق بمعنى أن ثورته لم تقم على النضال الجماهيري المتواصل حتى الانتصار، هذا ما أعاق إقامة تنظيم ثوري حقيقي، بل سمح للانتهازيين والوصوليين أن يلتحقوا بالنظام بعد فوزه، قبل المناضلين والشرفاء.
والثانية أن مبادئ الثورة كانت عامة تهدف إلى التحرير والقضاء على الاقطاع ومحاربة الفساد وتسليح الجيش، ولم تكن تملك مشروعاً تفصيلياً يعالج الناحية القومية والمسألة الاجتماعية، ما جعل العديد من زملائه يسقطون كلما فرضت التجربة التقدم في المجالات التفصيلية.
أما الثالثة فهي أن من انتسبوا إلى الضباط الأحرار كان منهم من كانوا موالين للغرب وللرجعية العربية، ومنهم من هم متحمسون دون دراية وكفاءة وقد رفّع بعضهم إلى أعلى المراتب العسكرية، كالرائد عبد الحكيم عامر الذي رقي بسرعة صاروخية إلى رتبة مشير دون إلمام بالعلوم العسكرية الضرورية، لذلك كان يستخف بالتدريبات، ويمارس المناورات والتمارين بطريقة دعائية.
كما رفع بعضهم إلى أعلى الرتب المدنية كأنور السادات وغيره. لكن هناك من يأخذ عليه أمرين: مسألة الديمقراطية وحقوق الانسان وفشله في حرب حزيران.
بالنسبة للمأخذ الأول، لم تكن الديمقراطية تشكل إغراء في الخمسينيات من القرن الماضي لاقترانها بالاستعمار وقهر الشعوب وتشجيع العمالة للغرب تحت ستار حقوق الانسان، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، لم تتوقف المؤامرات على الثورة، فمن قتال الانكليز، إلى تأميم القناة والعدوان الثلاثي سنة 1956، إلى الوحدة وما واجهته من محاولات لاغتياله، إلى مشاكله مع الإخوان المسلمين...
بالنسبة إلى المأخذ الثاني، خسارة حرب حزيران، هذه الخسارة تُسأل عنها القيادة العسكرية. فبعد الانفصال بين سوريا ومصر، سيطر على الجيش المصري المشير عامر وبعض الضباط: شمس بدران، عباس رضوان... فجعلوا الجيش سيّئ التدريب، وراحوا يؤخذون بسمعة الأسلحة لا بفاعليتها في المعركة التي ستستخدم فيها. فلما نشبت الحرب كان العدوّ جهز وبشكل ذكي الأسلحة التي تناسب المعركة، أما القيادة العسكرية المصرية فتميزت بالاستهتار، فحين بدأ العدو هجومه، كان القائد المصري الميداني الفريق مرتجي في نزهة مع زوجته وابنته في الاسكندرية. ولما استنفر الاحتياط أتى الأفراد بالجلاليب من الصعيد ولم تستطع القيادة تأمين البنادق لهم. ثم إنه بمجرّد أن دُمِّر الطيران المصري، أمرت قيادة الجيش بسحبه إلى غرب القناة، فقتل منه 6000 عسكري وضابط في طريق الانسحاب. إلا أن بعض الضباط المعارضين للانسحاب طرحوا فكرة عودته، فقد جاء أحد كبار الضباط (اللواء أنور القاضي) إلى عبد الناصر وقال له: ما رأيك في أن نعيد الجيش إلى سيناء؟ فأجابه عبد الناصر: لماذا جئتم تستشيرونني الآن ولم تستشيروني في سحب الجيش؟
إلا أن عبد الناصر بعد الهزيمة والخلاص من "عصابة" الضباط المسؤولة عن الهزيمة، راح يقاتل في حرب استنزاف كان وقعها على العدو مؤلماً، وفي نفس الوقت يبني الجيش بطريقة علمية معتمداً على ضباط أكفياء وضعوا الخطة التي نفذت مشوهة أيام السادات، وتوفي عبد الناصر قبل تنفيذها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
21/11/2024
خطاب الأمين: قوةٌ وتمكين ونصرٌ وتطمين
19/11/2024