معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

تهديدات واشنطن ورسائل بومبيو وهيل!
28/09/2020

تهديدات واشنطن ورسائل بومبيو وهيل!

بغداد - عادل الجبوري

   في ظرف أسبوع واحد فقط لا أكثر، أطلقت الولايات المتحدة الأميركية جملة رسائل سلبية الى العراق، خلت من أي مضامين وأبعاد ايجابية، بل أكثر من ذلك بدت وكأنها نذر تصعيد وتأزيم بدرجة أكبر مما هو عليه الواقع القائم.

   الرسالة الأولى جاءت عبر اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو والرئيس العراقي برهم صالح، حيث وجه تهديدات واضحة وصريحة للعراق في حال لم تتوقف عمليات الاستهداف للسفارة وللأرتال العسكرية التي تجول وتتجول كيفما تشاء ومتى تشاء في بعض مدن ومناطق العراق.

  والنبرة التي هدد وتوعد بها بومبيو تشبه الى حد كبير نبرة رجال الاحتلال البريطاني قبل حوالي مائة عام، وهذا ما شخصه وأشار اليه العديد ممن توقفوا عند مضمون ومغزى التهديدات والطريقة التي أوصلت بها والجهة التي تلقتها، ومن بين ما قاله بومبيو لصالح خلال المكالمة الهاتفية يوم الاحد الماضي(20 سبتمبر 2020)، "ان قرار إغلاق السفارة في بغداد جاهز وبيد ترامب، وإذا انسحبت القوات الأميركية وأغلقت السفارة بهذه الطريقة، فستقوم واشنطن بتصفية كل من ثبت تورطهم في هذه الهجمات".

  وفي واقع الأمر، يمكن قراءة رسالة بومبيو من زاويتين، الأولى هي أن واشنطن تسعى الى خلق المزيد من الارباك في المشهد العراقي ليتسنى لها البقاء لأمد أطول، فضلًا عن تهيئة الأجواء والظروف لاستهداف بعض قوى المقاومة وفصائل الحشد الشعبي التي تجاهر بعدائها لها، والامعان في محاصرة ايران والتضييق عليها عبر استهداف حلفائها وأصدقائها في العراق. والزاوية الأخرى، تتمثل في أن واشنطن باتت تدرك خطورة وعمق المأزق الذي تواجهه في العراق، بيد أنها لا تريد أن تغادره هكذا دون وضع ترتيبات تضمن من خلالها مصالحها ونفوذها وامتداداتها، وهي في كلتا الحالتين تواجه مصاعب ما بعدها مصاعب في الوصول الى مبتغاها. ولعل العديد من مراكز الأبحاث والدراسات الاستراتيجية الأميركية والغربية تتحدث اليوم عن جانب من تلك المصاعب، خصوصًا مع صعود ايران كقوة اقليمية مؤثرة رغم الضغوطات الاقتصادية والسياسية المتواصلة عليها، وصعود نجم جبهة المقاومة.  

  الحوار الاستراتيجي الذي انطلق قبل عدة شهور بين العراق والولايات المتحدة الأميركية، يمكن أن يكون خطوة بالاتجاه الصحيح فيما لو وضع قرار البرلمان العراقي بإخراج القوات الاميركية على رأس أولوياته واهتماماته، وخلاف ذلك فإنه سيكون التفافا ومراوغة من شأنها ان تفرز نتائج غير طيبة، لا سيما مع اشارات واشنطن المتكررة بنيتها البقاء في العراق لعدة أعوام قادمة، هذا في الوقت الذي أعلنت فيه ادارة الرئيس دونالد ترامب سحب بعض الجنود الاميركيين كنوع من ذر الرماد في العيون ولتقوية موقف المفاوض الاميركي في حال وجد المفاوض العراقي متسلحًا بمواقف مبدئية صلبة غير قابلة للتنازل والمساومة.

 واستعادة السيادة الوطنية الكاملة أمر بات - بنظر مختلف النخب السياسية والدينية والاجتماعية والثقافية العراقية - أمرًا لا يحتمل الكثير من البحث والنقاش، ويتطلب أولًا وأخيرًا ترجمة عملية سريعة على أرض الواقع.

   وقد توسلت واشنطن بمختلف الوسائل والأساليب للمحافظة على وجودها العسكري وغير العسكري في العراق، رغم معرفتها الحقيقية بمواقف العراقيين وتوجهاتهم، ورغم أن هناك اتفاقيات ملزمة لها بهذا الشأن.

   ومن المعروف أنه في نهاية عام 2011، سحبت الولايات المتحدة الأميركية في عهد الرئيس السابق باراك أوباما قواتها القتالية من الأراضي العراقية وفقًا للاتفاقية الأمنية التي أبرمت بين الطرفين في عام 2008، وأبقت على أعداد قليلة من عناصرها ومعداتها كمستشارين وخبراء ومدربين في عدد من القواعد العسكرية العراقية، وبعد حوالي ثلاثة أعوام ونصف العام، وتحديدًا بعد اجتياح تنظيم "داعش" الارهابي عدة مدن عراقية في صيف عام الفين 2014، أعادت الولايات المتحدة وجودها العسكري في العراق تحت مظلة ما يسمى بالتحالف الدولي لمحاربة الارهاب في كل من سوريا والعراق، وقد كان لتلك الخطوة أثر سلبي من وجهة نظر أوساط ومحافل سياسية وأمنية داخلية وخارجية، ارتباطًا بحقيقة الأهداف الحقيقية الكامنة وراء سعي واشنطن المحموم للعودة الى العراق مجددا.

   ولا يختلف اثنان في أن قرار البرلمان الذي مر على صدوره حوالي تسعة شهور لم يأت من فراغ، وانما جاء معبرًا عن واحد من أبرز وأهم مطالب الحركة الاحتجاجية السلمية التي اندلعت في شهر تشرين الاول-اكتوبر من العام الماضي، واستجابة لتوجيهات وتأكيدات المرجعية الدينية في النجف الاشرف، وردا على الاساءات والتجاوزات والانتهاكات الاميركية المتكررة التي تكللت مطلع العام الجاري باغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الشهيد ابو مهدي المهندس، وضيف العراق الشهيد قاسم سليماني قائد فيلق القدس الايراني.

   ولا شك أن القوات العسكرية والأجهزة الأمنية العراقية باتت بعد تجارب طويلة قادرة على تحمل المسؤولية الوطنية ولم تعد بحاجة الى تواجد قوات أجنبية الى جانبها، وهذا ما يؤكد عليه باستمرار المسؤولون والمتخصصون بالشؤون الأمنية والعسكرية، وهو ما يعطي المطالبات بإنهاء التواجد الأجنبي من البلاد زخمًا كبيرًا، ويلزم الحكومة بالتعاطي الجاد مع قرار البرلمان دون تلكؤ وعرقلة واعاقة.

   والرسالة السلبية الأخرى التي انطلقت من واشنطن نحو بغداد مؤخرًا، جاءت على لسان مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل، الذي قال بشكل قاطع أمام احدى لجان الكونغرس إن "وجود الجيش الاميركي في العراق يأتي لمواجهة نفوذ إيران اضافة الى مهمة القضاء على تنظيم داعش".

   ولا يحتاج كلام هيل الى الكثير من الشرح والتحليل والتفسير، وبوضعه الى جانب تهديدات بومبيو تكتمل وتتوضح الصورة، علمًا أن هيل كان قد أكد أيضًا "ان الولايات المتحدة تدعم الجيش اللبناني ضمن استراتيجيتها لمواجهة حزب الله"، ناهيك عن كونه اعتبر الحشد الشعبي عائقا امام استقرار العراق!.    

  بعبارة أخرى أراد نائب وزير الخارجية الأميركي القول، إن أولوية واشنطن في المنطقة تتمثل بتوسيع نطاق مواجهة ايران ومحاصرتها، وليس دعم ومساعدة دولها في التخلص من المشاكل والأزمات القائمة فيها، بل اذا اقتضى الأمر تعميق تلك المشاكل والأزمات، في حال ساهم ذلك بتحقيق الهدف الأساس، ويبدو أن هذا هو ما حاصل بالضبط، وتتحدث أوساط مطلعة في بغداد، ان ما لم يظهر الى العلن من تهديدات بومبيو هو أخطر بكثير مما تسرب عبر وسائل الاعلام، لأنه يرتبط بالجوانب الاقتصادية، باعتبار أن الاقتصاد يشكل اليوم في ظل الأوضاع الراهنة التحدي الأكبر أمام الكثير من الدول والحكومات، وبالأخص تلك التي تعاني من غياب الاستقرار وانعدام تعدد الموارد وهيمنة الأجندات السلبية الخارجية.

  وتفاعلات وتداعيات الأيام القادمة ربما ستكشف مدى حكمة وتعقل صناع القرار في البيت الأبيض، أو بتعبير أدق مدى حكمة وتعقل سيد البيت الابيض، الذي يصارع حاليًا بكل ما أوتي من امكانيات وقوة للبقاء أربعة أعوام أخرى، في ظل فرص راحت تنحسر أمامه أكثر فأكثر كلما اقترب العد التنازلي لموعد الحسم النهائي لمعركة الانتخابات الاميركية في السابع من تشرين الثاني - نوفمبر المقبل.

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات