آراء وتحليلات
الدور التركي في لبنان: الأهداف والأدوات
د. علي مطر
كثر الحديث في الآونة الأخيرة - خاصةً بعد انفجار مرفأ بيروت - عن الدور التركي في لبنان. ويبدو أن الحديث عن نفوذ تركي في بلد له موقع جغرافي استراتيجي كلبنان، لم يعد حبراً على ورق. وتحدثت تقارير صحفية وإعلامية خلال الأشهر الماضية، عن دورٍ تركي في أحداث الشمال التي حصلت عقب حراك 17 تشرين، ودعم لمجموعات تتخذ المطالب المعيشية غطاءً لها، كما بدأت توَجَّه الاتهامات الأمنية العلنية للأتراك والاستخبارات التركية في أحداث عدة.
تولي أنقرة كغيرها من اللاعبين الإقليميين والدوليين أهمية بالغة للملف اللبناني لأسباب تاريخية، ودينية، وجغرافية. وكما العديد من العواصم الإقليمية والدولية التي تعمل في لبنان وتريد أن تحمي مصالحها وسياساتها، فإن تركيا أيضاً تريد أن تتواجد في هذه البقعة الإستراتيجية بثقلها السياسي والإقتصادي وحماية خطوط التواصل مع بيروت. ويوحي كلام أردوغان عن "الأخوة الأبدية"، مؤشراً الى الاهتمام بلبنان.
ولا شك أن لهذه المساعي التركية لتثبيت النفوذ التركي بحسب ما تشير دراسة "لمركز الاتحاد للأبحاث" نواته التي تشمل الأقلية التركمانية في الشمال والبقاع، والتي تستثمر فيها تركيا، إما من خلال مشاريع تنموية أو عبر منح جامعية. كما أحيت تركيا الروابط الثقافية مع عدد من العائلات اللبنانية ذات الأصول التركية، خلال الفترة الماضية، من بوابة الجنسيات، فضلاً عن ارتباط تركيا بأحزاب في لبنان. وتعمل أنقرة على توسيع رقعة حراكها التنموي في لبنان، كمثل مساعي افتتاحها المستشفى التركي في صيدا، والنقاش الحاصل لفتح جامعة في عكار.
إضافة إلى ما تقدم، فإنه منذ العام 2006، ودخول القوات التركية كجزء من قوات اليونيفيل إلى لبنان، وجّه الأتراك منظمة (TIKA)، أو وكالة التعاون والتنسيق التركية، للعمل في لبنان، وهي تعد أداة من أدوات تطبيق السياسة الخارجية التركية في العديد من الدول.
يأتي الاهتمام التركي بلبنان كاحدى ساحات الصراع بين المحورين التركي-القطري، والسعودي-الاماراتي-المصري، وبالتالي هو كغيره من هذه الساحات موضع تجاذب وصراع لا بل قد يكون الأكثر عرضة لتأثيراته. فضلاً عن أن تركيا تطمح لتعزيز نفوذها في سوريا من خلال توسيع نفوذها اللبناني وتحديدًا في منطقة الشمال اعتمادًا على الارتباط الشديد بين الدولتين - وذلك عبر العديد من النشاطات في مجالات مختلفة، كالتجارة البحرية وربط مرفأ طرابلس بمرفأ مرسين.
ومن الواضح أن سياسة تركيا تجاه لبنان لها أهداف واضحة ترتبط بالسياسة الإقليمية لتركيا وتوجهاتها الاستراتيجية، والتي وإن لم تبدأ في تنفيذها مع انفجار مرفأ بيروت لكنها استثمرت هذه اللحظة للإسراع بتنفيذ هذه الأهداف مع إضافة بعض الأهداف المرحلية الأخرى. وتسعى تركيا إلى زيادة فرص شركائها في نشاطات إعادة إعمار بيروت، بما يزيد من نفوذه اقتصاديا. وتعمل على تدعيم مكانة مؤسساتها القائمة في الشمال اللبناني، من خلال مؤسسات المجتمع المدني لتحسين صورتها وتنمية نفوذها الثقافي والتنموي.
وتسعى أنقرة من خلال امتلاك تأثير داخل لبنان إلى الحصول على أوراق مساومة مع فرنسا ـ التي يمثل لبنان بالنسبة لها أهمية كبيرة، وهو ما يدفعها للعمل على تغيير المعادلة السياسية وتوازن القوى داخل لبنان ـ خاصة مع وجود العديد من الملفات التي تشهد خلافات وتباينات بينهما، خاصة في ملفي ليبيا وغاز شرق المتوسط. ولا شك أن التغلغل التركي في لبنان يساهم في دعم الانتشار التركي في الدائرة العربية والإقليمية، وتراهن أنقرة على أن ذلك سوف يحظى في النهاية بموافقة غربية وأمريكية إسرائيلية على اعتبار أنه يحاصر الدور الإيراني وهو هدف بالنسبة لهم. كما أن نجاح تركيا في تثبيت حضورها ونفوذها في لبنان سوف يضيف إلى رصيدها عناصر قوة في أية ترتيبات للملف السوري بصفة عامة، وتفتح مجالات تعاون مع "إسرائيل"، خاصة إذا ما استطاعت تركيا استغلال لبنان لتحقيق طموحاتها في غاز شرق المتوسط.
يمكن القول إن النشاط التركي في لبنان يتخّذ أشكالاً عديدة، تصبّ جميعها في اتجاه واحد، هو تعزيز النفوذ التركي داخل البيئة الاسلامية خاصةً في شمال لبنان، ومواجهة النفوذ السعودي ــ الإماراتي، في حرب القيادة في العالم الاسلامي بين السعودية وحلفائها من جهة، وتركيا وحلفائها من جهة أخرى.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024