آراء وتحليلات
هدية انتخابية مغمسة بالدماء
محمد يونس
ليس من قبيل الصدفة أن يتزامن حدث توقيع "اتفاق أبراهام" في البيت الأبيض بين الامارات العربية المتحدة والبحرين من جهة وكيان العدو من جهة ثانية مع عشية ذكرى ارتكاب هذا الكيان مع عملائه المذبحة التاريخية في مخيمي صبرا وشاتيلا قبل ثمانٍ وثلاثين سنة، ولعل هذا الترميز هو ما يعبر عن حقيقة الواقع الذي أصبح معلنا يوم الثلاثاء في 15 سبتمبر/ أيلول 2020 ألا وهو أن بعض الدول العربية لا سيما الخليجية منها هي شريك أساسي في ذبح القضية الفلسطينية. لقد بلغت الخيانة فيهم مبلغا دفعهم إلى إخراج ما كان متخفيا منذ ما قبل نشوء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، ويمكن لأي كان أن يعود إلى اللحظات المفصلية في تاريخ هذه القضية العربية والإسلامية المقدسة ليتوضح له وربما ليفهم لماذا كانت الأحداث تأخذ منحى معينا أوصلنا الى ما وصلنا إليه.
وهذا الاتفاق لا يشذ أبدا عن القاعدة وإن كان له في الشكل والتوقيت أبعاد ظرفية مساعدة لكل من الرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، إذ إنه يشكل محطة مفصلية في الرغبة بتحويل الصراع من صراع عربي - إسرائيلي إلى صراع فلسطيني -إسرائيلي مع ما يعني ذلك من إفقاد الجانب الفلسطيني عامل العمق العربي الذي كان متسلحا به طوال سني نضاله.
ومع كل الذي قيل عن الإخراج الهزيل لهذا الاتفاق، بحيث إنه لم يحضره أي مسؤول دولي بالرغم من وصف القائمين عليه بأنه اتفاق تاريخي بعكس الاتفاقات السابقة، كما أنه لم يراع التوازن في التمثيل الديبلوماسي للموقعين فعن الطرفين الأميركي والاسرائيلي حضر رئيس الولايات المتحدة ورئيس حكومة العدو بينما تمثل الجانبان الاماراتي والبحريني بوزيري الخارجية، حتى أن الإجراءات الأمنية شابتها خروقات عديدة من بينها كما يقول مراسل "الجزيرة" أنه دخل حديقة البيت الأبيض مع كل معداته من دون أن يفتشه أحد وهو امر غير مسبوق في إجراءات الدخول إلى حرم مقر الرئيس الأميركي، رغم كل هذا الإخراج السيئ إلا أن لهذا الاتفاق أهدافاً عديدة ومنها الخطيرة يمكن ايراد بعض منها.
بداية لا يختلف اثنان على أن هذا الاتفاق يشكل هدية انتخابية لكل من الرئيس الأميركي ترامب ورئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو في وقت يعاني فيه كل منهما من مآزق داخلية تهدد مستقبليهما السياسي خاصة وأنه يأتي على مقربة من موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل. ومن اهداف هذا الاتفاق أنه أخرج إلى العلن ما كان مخفيا منذ عقود وهو امر العلاقات الخليجية - الإسرائيلية، وهو ما كان بدأت بوادره بالظهور منذ تسلم الغلمان الحكم في كل من السعودية والامارات، وفي ذلك تقول مجلة الفورين بوليسي (Foreign Policy) إن معاهدة التطبيع -التي أبرمتها الإمارات مع "إسرائيل"- كانت ثمرة لحوالي 20 عامًا من العلاقات السرية بين الطرفين، وإن بدايتها تعود إلى هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 في الولايات المتحدة، كما يقول الدكتور باسم نعيم القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، رئيس "حملة المقاطعة-فلسطين" -للجزيرة نت- إن اتفاق العار الإماراتي الإسرائيلي لم يكن مفاجئا، فعلى مدى سنوات أعطت أبو ظبي إشارات كثيرة لمدى تقاربها مع إسرائيل"، موضحا "بهذا الاتفاق أصبحت الفاحشة تشيع، ويتحدثون عنها بكل فخر، بعد سنوات من الفعل السري المحرم"، هذا في الأهداف الظرفية.
أما
من جهته رأى كيان العدو بما جرى أنه أصبح بإمكان تل أبيب توقيع اتفاقات مع دول عربية من دون ثمن إذ يقول نتنياهو إن "هذه هي أول اتفاقية سلام بين إسرائيل ودولة عربية منذ 26 سنة، وهي تختلف عن سابقاتها من حيث اعتمادها على مبدأين: السلام مقابل السلام، والسلام من منطلق القوة".
وأضاف إنه "بموجب هذه العقيدة لا يطلب من إسرائيل الانسحاب من أي أراض، وتحصد الدولتان سويا ثمار السلام الكامل والعلني والمفتوح في كافة مجالات الاستثمار والتجارة والسياحة والطاقة والصحة والزراعة والبيئة، وفي مجالات أخرى بما فيها الأمن".
ورأى نتنياهو أن "الاعتقاد بإمكانية إحلال السلام على أساس الانسحاب والوهن، قد فارق الدنيا وتلاشى، وتم استبداله باعتقاد آخر مفاده السلام الحقيقي". وقال إن الوضع الجديد يتعارض كليا "مع الاعتقاد الذي كان يقول حتى قبل أيام معدودة بعدم وجود أي دولة عربية توافق على إحلال سلام رسمي ومفتوح مع إسرائيل قبل حل النزاع مع الفلسطينيين".
أما الكلام الاماراتي عن أن الاتفاق قد اوقف القرار الاسرائيلي بضم الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية ففنده نتنياهو بنفسه حين قال إن خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب "للسلام بالشرق الأوسط تنص على بسط "السيادة" على مساحة واسعة من الضفة الغربية"، وأنه لم يطرأ أي تغيير على خطة ضمّ أراض من الضفة". وقد اعترف الاماراتيون لاحقا أن الإمارات لم تحصل على ضمانات من إسرائيل بشأن وقف ضم أجزاء من الضفة الغربية. ونقلت صحيفة "الاندبندنت" البريطانية عن عمر غباش مساعد وزير الخارجية الإماراتي للشؤون الخارجية والثقافة والدبلوماسية العامة، قوله إنه لا شروط ترتبط باتفاق بلاده مع "إسرائيل".
ولا يغيب الاقتصاد هنا، إذ يعد هذا الاتفاق بمثابة المفتاح الذي سيشرع أبواب الخليج والدول الإسلامية أمام الكيان الغاصب، فهو لا يفتح أمامه أبواب ثاني أكبر اقتصاد عربي بناتج محلي يزيد على 400 مليار دولار وحسب، بل أيضا أبواب الاقتصاد السعودي كأول اقتصاد عربي بناتج محلي يصل إلى نحو 780 مليار دولار. كما يفتح أيضا أسواق دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى التي تتشابك علاقاتها وتسهيلاتها التجارية المتبادلة بشكل واسع مع أسواق الدول العربية والإسلامية الأخرى.
ولكن رغم كل ذلك فإن
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024