آراء وتحليلات
هل يشكل التطبيع بداية أم نهاية مسار؟
إيهاب شوقي
لكل خطوة سياسية وجهان، أحدهما يعكس التطورات وموازين القوى وهو ما يتعلق بالتكتيك والتفاعل والتعاطي المباشر مع الحدث، والآخر يعكس المسار والنقطة التي يشكلها الحدث في هذا المسار، وهل هي نقطة بداية أم نهاية أم في وسط المسار، وهو ما يتعلق بالاستراتيجية ورؤية الحدث في اطاره الواسع والشامل.
ولا زلنا مع خطوة التطبيع (العلني) الاماراتي - الاسرائيلي، باعتبارها خطوة كاشفة تحمل الكثير من الدلالات التكتيكية والاستراتيجية وربما تشكل نهاية مسار، على عكس ما يتم ترويجه من أنها تدشين وبداية لمسار جديد.
وهنا نناقش ثلاثة رؤوس للموضوعات بشكل مختصر:
1- ما هي دلالات الخطوة وماذا تعكس من توازنات مستحدثة للقوة؟
2- ما هي الأهداف الخفية للخطوة وفقًا لتحليلات ورؤى مراكز الفكر الأمريكية؟
3- لماذا نعتبرها نهاية مسار وليست البداية كما يروج لها؟
ويمكننا هنا تناول الاجابات باختصار كما يلي:
أولًا: تعكس الخطوة ضعفًا لا قوة، والضعف يشمل جميع الأطراف سواء العربية أو الامريكية والاسرائيلية، فعلى الجانب العربي، لم يحقق الطرف الاماراتي ومن سيلحق به ومن يبارك خطوته، أي مقابل لصالح القضية الفلسطينية، وجاءت الخطوة مجانية، بل وربما جاءت لصالح العدو الاسرائيلي لعلاج أزماته الداخلية السياسية والاقتصادية، حيث سينضم كطرف جديد في حلب الخليج وأمواله، أو ما تبقى منها، الى جانب أمريكا.
وعلى الجانب الأمريكي والاسرائيلي، بدت العزلة الأمريكية والاسرائيلية في مجلس الأمن وهي ضعف سياسي، الى جانب فشل الانتصار على المقاومة واللجوء الى بدائل سياسية تشكل انتصارات وهمية، حيث لا تشكل الخطوة أي فتح استراتيجي أو انجاز نوعي، وانما هي اعلان فقط لما يحدث من تطبيع وعلاقات منذ سنوات، وربما عقود بالنظر للنشأة الوظيفية لأنظمة كأنظمة الخليج وعلاقتها العضوية مع الاستعمار.
ثانيا: بمتابعة مراكز الفكر الامريكية، نرى ارهاصات لهذه الخطوة وربما تزايدت وتيرتها مع ما عرف بـ"الربيع العربي"، ولكنها أفصحت عن أهدافها الخفية بعد الاعلان عن الخطوة الاماراتية.
ويمكننا تلخيص أهم النقاط التي تعكس الفكر الامريكي وما يريد تسييده لدى شعوبنا من مجمل التقارير والمقالات الامريكية كما يلي:
1- الصراع العربي مع الصهاينة يعد نوعًا من الالهاء السياسي عن المخاطر الداخلية وأن المشكلة الرئيسية لدى العرب هي الصراعات الداخلية، وقد حانت اللحظة لإبطال هذه الفزاعة والتفرغ لتصفية الخلافات الداخلية أو تسويتها.
2- الجمع بين المتناقضات في بوتقة واحدة تسمى (الاسلام السياسي) يمكن الجمع فيها بين القوى التكفيرية مثل "داعش" و"القاعدة"، مع المقاومة الاسلامية، والترويج أن هناك مشتركات كبرى بين الامارات وبين (المعتدلين) العرب و"اسرائيل" وهي مواجهة (الاسلام السياسي)، وبالتالي وحدة المعركة ضد "داعش" و"القاعدة" وتنظيم الاخوان وحزب الله ونظام الجمهورية الاسلامية، وكل هذه المغالطات والاستهتار بعقول الشعوب!
3- ايران هي العدو الوهمي المشترك وبالتالي هناك وحدة معركة ووحدة تجمع العرب مع "اسرائيل" ضد هذا العدو (الفارسي) الطامع، وهنا استبدال لعوامل القومية العربية التي تم استخدامها للتعبئة ضد الصهاينة، كي تستخدم حاليًا لصالح التحالف مع الصهاينة!
4- تناقش التحليلات الأمريكية فكرة الخوف من سقوط ترامب وبالتالي لجوء الامارات والخليج الى تأمين النفس وتأمين العلاقة بكلا الحزبين الامريكيين باعتبار قضية التطبيع ومصالح العدو الاسرائيلي قضية جامعة للحزبين بمعزل عن نتائج الانتخابات الامريكية!
5- هناك ربط مباشر وصريح بين الخطوة وبين مشروع بيريز للشرق الأوسط الجديد، ولكن الجديد أنها تأتي دون تنازلات مؤلمة كان يتوقعها بيريز!
6- تتحدث مراكز الفكر الامريكية صراحة عن أن الخطوة جاءت لانقاذ نتنياهو وترامب المأزومين من مأزقهما الداخلي.
6- تؤكد التحليلات الامريكية ما ذهبنا اليه من أن الخطوة تعكس ضعفًا، حيث ترى أن الخطوة ربما تكون بمثابة دعوة وتعجيل للحوار الاقليمي، والترجمة المباشرة لذلك انها ضغط على المقاومة للتفاوض واجبار لها على الجلوس على طاولة المفاوضات وتقديم التنازلات.
ثالثا: تعتبر الخطوة نهاية مسار وليس بداية كما يروج لها، وهنا نناقش باختصار، ما هو المسار المقصود، ولماذا تعتبر نهاية وليست بداية:
المسار بدأ منذ تخلي مصر عن فكرة المقاومة واللجوء للتفاوض على الحقوق وبشكل منفصل وكانت معاهدة (السلام) وكامب ديفيد، هي نقطة تدشين المسار.
وادعى هذا المسار انه سيجلب الحقوق العربية عبر السلام وتوفير كلفة الحرب ومنع اراقة الدماء، وبالتالي تبعته اتفاقات مشابهة مع الاردن وفلسطينن ويراد لها أن تكلل بتطبيع شامل، مع اغفال طرف رئيسي من طرفي المعادلة وهو الحقوق!
وتفيد الشواهد والحقائق التاريخية والراهنة، أن هذا التطبيع لن يستفيد منه سوى العدو، وأن أطرافا بدأت بالمسار سوف تكون أكبر المتضررين، مثل مصر، حيث ما يروج له من مشروعات مثل تجديد مرفأ حيفا واحياء سكك جديد الحجاز سيخرج مصر من المعادلة وسيجعل من قناة السويس بحيرة داخلية متراجعة القيمة، ويجعل من دويلات الخليج المطبعة قيادات للمنطقة على حساب القيادات الطبيعية والتقليدية وعلى رأسها مصر.
لا ندري كيف تبارك مصر خطوة كهذه، ولا ندري هل كان الاجتماع الثلاثي بين مصر والاردن والعراق، قد تم لمواجهة ذلك أم لاقناع العراق بالانضمام للمشروع الذي يتعارض مع مصلحة مصر؟!
ما يجعلنا نقول انها نهاية مسار، هو أن الخطوة تعكس ضعفًا عربيًا شديدًا وسقوطًا مدويًا ومهينًا لخيار "السلام" والذي تم الترويج له باعتباره الضامن الوحيد لعودة الحقوق وأنه الخيار العملي في مقابل مقاومة (عبثية)ـ بينما أثبتت العقود الماضية منذ زيارة السادات للقدس، ان القضية يتم تصفيتها تدريجيًا.
لن يحقق هذا المسار شيئا طالما كانت هناك بقية من مقاومة في فلسطين ومحور مقاوم في الاقليم، وهو ما ازداد قوة وعزة بشكل يؤكد حتمية سقوط خيارات الخيانة والتفريط.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024