آراء وتحليلات
شرق الفرات: ماذا يريد الأميركيون منه؟
عبير بسام
وعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال خطابه في نيويورك، في تشرين الأول/ اكتوبر الماضي، بأن أمريكا لن تبقى في سوريا لمئتي عام قادم، ولكنه عاد وأكد في تصريح له في نهاية العام نفسه، قائلًا "تذكروا أننا سنحتفظ بالنفط، 45 مليون دولار أميركي هي عائدات النفط في كل شهر"، والتصريح الذي رد عليه مباشرة الرئيس السوري بشار الأسد ووصف ما قاله ترامب بأنه سرقة. وتتابعت التصريحات الدولية والإقليمية، التي وصفت نوايا ترامب بالسرقة المنظمة دولياً، مما دفع البنتاغون عبر متحدثه جوناثان هوفمان للتوضيح بأن: "عائدات النفط ستذهب "لقسد" وليس للولايات المتحدة"، مضيفاً إن: "العسكريين الأميركيين مخولون بمواجهة أية قوة تهدد آبار النفط السورية". تصريحات هوفمان لم تكن سوى واجهة جميلة لمنزل عفن والتفافة لتجميل ما قاله رئيسه. ولكن في الحقيقة ما أراده ترامب هو احضار الشركات الأميركية إلى المنطقة.
بعد احتلال العراق عام 2003، قامت الشركات الأميركية العملاقة مثل اكسون موبيل إضافة إلى شركات بريطانية، باستخراج نفط العراق. وبعد خروج الأمريكي من العراق فتح الباب أمام شركات عالمية أخرى للعمل في مجال النفط فيه. وتقاسمت الشركات الصينية والروسية الكبرى عقود العمل في المنشآت النفطية العراقية منذ أيلول/ سبتمبر الماضي، وخاصة في حقل "المجنون" قرب البصرة، أهم الحقول في العراق. ويعتبر "المجنون" استثماراً صينياً- روسياً نفطياً ضخماً مقابل الاستثمارات النفطية الأميركية في منطقة الخليج العربي؛ ودخولاً رسمياً صينياً-روسياً إلى الخليج بعد أن احتكره الأميركيون طوال القرن الماضي.
ما يجري من سرقة اليوم في شرق الفرات ليس سوى مخرج جديد يطرحه الأميركي للعبث في سوريا، وجنوحاً للحفاظ على بقاء بعض من الشركات الأميركية في المنطقة، من خلال الاستثمار في النفط السوري في شمال سوريا الشرقي، وإن كان ذلك من خلال توقيع العقود مع قوات سوريا الديمقراطية [قسد] ومحاولة بسط سيطرتها على مناطق النفط. وهذا ما يتطابق مع إعلان السفير الأميركي في سوريا جول رايبرن، الذي نقض تصريحات هوفمان في تشرين الأول/ اكتوبر الماضي، وفضح النوايا، حين قال إن بلاده لا تنوي إطلاق خطة لاستثمار النفط السوري عبر "الإدارة الذاتية"، وإن ما تحرص عليه الإدارة الأميركية هو منع وصول "نظام الأسد" للمصادر النفطية حتى لا يستخدمها في الحرب ضد الشعب السوري، وإن حقول النفط ستبقى على وضعها القائم حتى إيجاد حل دائم للقضية السورية.
تم توكيل "قسد" من قبل الأميركي، بحسب الـ بي بي سي، بـ 70% من الثروة النفطية في سوريا و45% من حقول الغاز. وهي ستمثل الواجهة الشرعية للاستثمار الأميركي. وبالتالي فإن ذلك سيمكنها من تجهيز المزيد من المقاتلين، لحماية المشاريع الأميركية، مع تجنيب الجيش الأميركي المواجهات المباشرة مع الأهالي.
بعد ذلك، قامت واشنطن بإدارة المفاوضات مع شركة "دلتا كرست إنرجي" الأميركية ومقرها في الشارقة، ووقعت معها الاتفاق على إعادة استثمار حقول النفط في شرق الفرات. وبرأي واشنطن، فإن الاتفاق مع "دلتا" يعد التفافاً على قانون قيصر من أجل "تحسين وضع الشعب السوري". صحيح أن ترامب كان يأمل أن تقوم "اكسون موبيل" بالاستثمار، فهو يرى فيها داعمًا له في الانتخابات، لكنها رفضت العمل في الحقول السورية، لأنها رأت أن تركيب معداتها الضخمة في الحقول السورية يفوق بتكلفته ما ستنتجه هذه الحقول، التي لن تبدأ فعلياً بالإنتاج قبل 10 سنوات بسبب الدمار.
ادخال الشركات الأميركية للاستثمار في حقول النفط والغاز السوري كان الحل الوحيد الذي يمكن من خلاله إقناع رجل المال ببقاء الجيش الأميركي في شرق الفرات. لأن عائدات النفط هي التي ستؤمن تكاليف بقاء الجيش بحجة تأمين الحماية للمصالح الأميركية. والجدير ذكره، أن القوات الأميركية ومنذ 11 أيلول/ سبتمبر 2001 تستخدم المرتزقة بشكل رسمي، والتي يكلف أفرادها أموالاً طائلة، وقد تم استخدام أعداد كبيرة منها للقتال في العراق.
وقد أكدت عدة مواقع وبحسب مصادر متعددة أن أهم هذه الشركات الأمنية تدعى بلاك ووتر (Black Water)، وهي أحد المستفيدين من هذه الترتيبات، التي ستؤمن مواقع عمل لموظفيها، الذين تبدأ رواتبهم بمبلغ 40 ألف دولار شهرياً. ومنذ العام 2014 تقوم شركة ريدن تاكتس بإرسال رسائل إلى آلاف الأميركيين تتضمن العروض المغرية للسفر للعراق للقتال هناك مستغلة الظروف الاقتصادية السيئة التي تمر بها أمريكا.
سوريا لا تعتبر منافساً حقيقياً في احتياطي النفط الخام، بل على العكس تعتبر من الأقل انتاجاً له في منطقة الشرق. ولكن يبدو أن سوريا بحسب الـ بي بي سي قامت في العام 2018، بتوقيع عقد مع الروس يمنحهم حصرية إعادة بناء قطاعي الغاز والنفط في منطقة رميلان خاصة، وذلك بعد إعلان الانتصار على داعش، وكان من المفترض أن تكمل سوريا تحرير منطقة الجزيرة وإنهاء الحرب الدائرة فيها في نهاية ذلك العام والبدء بعملية الإعمار. ولكن تراجع الاميركي عن تصريحاته بالخروج والإبقاء على 500 جندي بحجة حماية المنشآت النفطية إلى جانب قسد من هجمات داعش، في تشرين الأول/ اكتوبر 2019، أطالت أمد الصراع في المنطقة.
تسعى واشنطن الى فرض وجودها العسكري في المنطقة الشمالية الشرقية من سوريا، والذي دعمته ببناء مطار لها في منطقة اليعربية في ريف الحسكة كتعويض عن مطار عين الأسد، وقاعدة جديدة تبعد 40 كم عن الحسكة في قرية "تل براك"، وحولت أحد المباني في حي غويران في الحسكة إلى موقع عسكري، بهدف قطع الطريق على الدوريات الروسية. اذ يبدو أن أميركا تحاول تعويض خسارتها القادمة في العراق من خلال القواعد الجديدة في سوريا، والتي تعتقد أنها ستعزز موقعها التفاوضي حول الحل السياسي في سوريا.
يبلغ مقدار الإنتاج النفطي اليوم حوالي 20 ألف برميل يومياً مما يؤمن احتياجات قسد وغيرها من المليشيات والقوى الأميركية في شرق القرات. وقد كان انتاج النفط في سوريا يبلغ 358000 برميل يومياً قبل الحرب. ولكنها كمية تتضح ضآلتها اذا ما قورنت بالإنتاج الأميركي، الذي يبلغ 5.2 مليون برميل يومياً، والذي ازداد منذ احتلال شرقي الفرات ليصبح 12.6 مليون برميل يومياً.
بعد تأسيس داعش ووصوله إلى منطقة الجزيرة السورية في 2013، ابتدأ الإرهابيون بسرقة النفط في منطقة شرق الفرات وبطرق بدائية بعد تخريب المنشآت فيها. وبعد تحرير الجزيرة، توجهت القوات الأميركية إلى شرق الفرات وابتدأت عملية سرقة النفط المنظمة بالتعاون مع قسد. في كلا الحالتين تم تهريب النفط السوري عبر الأراضي التركية. صحيح أن تركيا لم تحز على الثقة الأميركية المطلوبة من أجل إدارة واستثمار آبار النفط في منطقة شرق الفرات، إلا أنها استفادت من تهريبه عبر أراضيها، وذلك من خلال إبرام عقود خدماتية لـ "تسويق النفط" ما بينها وبين قسد. كما ساهمت كل من تركيا وأمريكا وقسد بنهب الذهب الأصفر "القمح" الذي تنتجه منطقة الجزيرة والذي يعد أهم احتياطي لغذاء الشعب السوري. كما كانت الذراع الأميركية الطولى في حرق محاصيل الفلاحين الذين رفضوا بيعها إيّاه والتعامل معها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024