آراء وتحليلات
ايران تسجل هدفاً في مجلس الأمن: أبعاد وتداعيات
عبير بسام
انتصار جديد تسجله الدبلوماسية الإيرانية في مجلس الأمن، وذلك من خلال اسقاط المشروع الأميركي الذي هدف إلى تمديد منع بيع الأسلحة لإيران لأجل غير مسمى. ولا يكشف ما عبر عنه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو بعد صدور القرار، الذي أدان فيه فشل مجلس الأمن الدولي في التوصل إلى قرار لتمديد حظر السلاح على إيران، واتهمه بأنه فشل في الحفاظ على السلم والأمن الدوليين، إلا عن الخيبة الأمريكية. خيبة جديدة، لن تكون الأخيرة في الخيبات أمريكا، والتي يظهر التصويت في مجلس الأمن أنها تسير نحو مفترق طرق حتى مع حلفائها.
عبر عن الخيبة من قرار مجلس الامن، مستشار الامن القومي الامريكي روبرت أوبراين حين قال إن رفض فرنسا وألمانيا وبريطانيا دعم جهود الولايات المتحدة لتمديد حظر السلاح على إيران في الأمم المتحدة: "مخيب للآمال". ولكن هذه الخيبة لم تكن مفاجئة، اذ كانت وصفت مسودة القرار من قبل دبلوماسيين بأنها مشروع قرار متشدد يخضع جميع الشحن القادمة من إيران والمتجهة إليها للتفتيش الدقيق، وأنه تضمن ملاحق تستهدف أفراداً وشركات، لا يمكن أن يمر. كما أشار هؤلاء الدبلوماسيون منذ يوم الأربعاء 12/8/2020، أن القرار لن يمر وأن الصين وروسيا لن تقبلا به، خاصة وأن الطلب الأميركي كان لأجل غير محدد! كما توقع فشلها الخبير الدبلوماسي في شؤون الأمم المتحدة ريتشارد جوان.
إن تصويت دولة الدومنيكان فقط إلى جانب المشروع الأميركي، الذي لوحت كل من الصين وروسيا باستخدام حق النقض ضده، في حين قامت باقي الدول الخمس عشرة برفضه أو حجب التصويت عليه يدل على مدى العزلة التي ستعيشها أمريكا في السنوات القادمة. ولهذا الأمر دلائل أكبر بكثير من إيقاف مشروع أميركي، إنه علامة فارقة في تغير موقع أمريكا كقوة أحادية كبرى في العالم، وأن التحالفات التي يشهدها العالم اليوم تتحول لتكون أكثر من مجرد ثنائية قطبية. اذ لم يعد العالم يشهد على سياسة الأبيض والأسود، وإما معنا وإما علينا، بل هناك مساحة بيضاء أكثر منها رمادية. وبات العالم يشهد امتدادها احتجاجاً على التفرد الأميركي الذي استنفد مقدرات الدول حول العالم لصالح الخيارات الأميركية وشركاتها الكبرى.
في الحقيقة يحق لإيران أن تفتخر بإنجازها في الأمم المتحدة، وهي التي حافظت على موقفها ومصداقيتها فيما يتعلق بالاتفاق النووي، والنسخة "المبسطة" التي حاولت الولايات المتحدة فرضها على مجلس الأمن من أجل تمديد حظر بيع الأسلحة لإيران تدل على بساطة وسذاجة من طالب بتمريرها، والمراهنة من خلالها على سيطرة الولايات المتحدة على العالم عبر تسخير الأمم المتحدة لإراداتها. اذ إن استمرار العداء الأوروبي لإيران بناء على قرارات ساذجة لا يمكن أن تصب في مصلحة أوروبا التي يبدو أنها لن تدخل في خلافات لا تصب أساساً في مصلحتها الاقتصادية والسياسية. فالشركات الأوروبية هي طرف خاسر أيضًا من العقوبات التي فرضتها أمريكا بعد الغائها الاتفاق النووي مع إيران في العام 2018 بعد ثلاث سنوات من توقيعه. كما أن التحليلات ترجح حتى الآن خسارة الرئيس الأميركي ترامب في الانتخابات المقبلة، وتقدم المرشح الديمقراطي جو بايدن، الذي قد يعيد العمل بالاتفاق النووي. فتصبح بذلك المراهنة على تمديد العقوبات على إيران بمثابة الرهان على حصان خاسر.
وقبل أن نقرأ ما سيأتي في الصحافة العبرية، لا بد أن الانتشاء والنصر الذي شعر به الكيان العبري بعد توقيع اتفاق "ابراهام"، الذي يطبّع العلاقات بين الكيان الاسرائيلي ودولة الإمارات العربية المتحدة، سيصبح ذا مفعول رجعي بعد فشل الولايات المتحدة في تمديد قرار حظر بيع الأسلحة لإيران. وسيزيد ذلك من شعور "اسرائيل" وأصدقائها بالضعف والرعب، وهي تحاول منذ بداية الحرب على سوريا جرّ الولايات المتحدة إلى حرب مع إيران. حيث ازدادت هذه الدعوات مع بدء الانتصارات السورية في التحرر من الإرهاب منذ العام 2015، والذي يصادف تاريخ توقيع الاتفاق النووي، وحتى اليوم. مما يدفعنا ذلك إلى الانتباه أن توقيع الاتفاق النووي الأميركي - الأوروبي مع إيران، لم يمنع إيران من الوقوف إلى جانب اصدقائها وحلفائها في سوريا ولبنان، ولم يقف الاتفاق عائقاً امامها في مناصرة حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه وتحرير وطنه، ولم يغير من موقفها من أن "اسرائيل" غدة سراطنية ويجب أن تزال من الوجود.
الثوابت، التي بقيت عليها إيران بعد توقيع الاتفاق وخلال مرحلة وقف العمل به وحتى اليوم، أثبتت أن السياسة الإيرانية المنتهجة خلال عمر الثورة هي مبدئية، وأن الدول التي تحترم مواقفها الثابته تجاه القضايا التي تدعمها، بغض النظر عن المعطيات والظروف الدولية، لا بد أن تجني ثمار مواقفها الثابتة. وهذا بالضبط ما جعل إيران تستقطب بمصداقيتها ثقة تامة من حلفائها القدماء، والحلفاء الجدد في روسيا والصين وباكستان وأفغانستان، وغيرهم. وهذا ما يقلق أميركا ويخيف "اسرائيل".
نتائج الانتصار الإيراني على المحافل الدولية، سيمتد صداه إلى لبنان وسوريا بالتأكيد. فصفقة الأسلحة التي تمت ما بين إيران وسوريا دليل على أن الدولتين لا تقيمان وزناً لسياسة العقوبات الأميركية أحادية الجانب المنتهجة تحت مسمى قانون قيصر أو غيره. اذ إن العقوبات الأميركية، التي لا تستند الى المؤسسات الدولية، باتت تشهد معارضة حلفاء أمريكا حتى في مجلس الأمن.
تبعات اسقاط القرار الأميركي بيد حلفاء واشنطن، لا بيد حلفاء إيران ستكون له تبعات أخرى قادمة على الصعيد الدولي، اذ يدور حديث عن زيارة محتملة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى إيران، وهي ان حصلت، ستفتح آفاقاً كبيرة.. ولكن ما يجب معرفته: هل سيلتفت الذين سعوا خلال الأيام الماضية، وقبل انفجار مرفأ بيروت المؤسف، للدفع نحو تدخل استعماري فرنسي وأميركي وحتى اسرائيلي في لبنان إلى معنى هذا القرار الدولي؟ وهل سيعود حلفاء عودة الاستعمار والاحتلال إلى رشدهم ليعيدوا التفكير بأن الوطن لا يبنى باستعراضات تافهة للقوة والعصبيات، وإنما يبنى بالقرارات الحكيمة التي تأخذ بعين الاعتبار مصلحة الوطن أولاً، وأن العالم لا يقف مع ولا يحترم هؤلاء الذين يستهترون بسيادتهم الوطنية وقراراتهم المستقلة؟
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024