معركة أولي البأس

آراء وتحليلات

بيروت تحت السلطة العسكرية.. ما هو دور الجيش اللبناني؟
06/08/2020

بيروت تحت السلطة العسكرية.. ما هو دور الجيش اللبناني؟

شارل ابي نادر

 

 بعد أن تبنى مجلس الوزراء اللبناني جميع مقررات مجلس الدفاع الاعلى الاستثنائي، والذي حصل على أثر الانفجار الضخم في مرفأ بيروت في الرابع من الشهر الحالي، ونتجت عنه أضرار وخسائر مهولة في الأرواح والممتلكات والمنشآت العامة، في مساحة كبيرة من بيروت الادارية، بالاضافة لاتخاذه مقررات أخرى متعلقة بادارة ومواجهة الكارثة وتداعياتها في جميع المجالات الوطنية، كان لافتا من هذه القرارات، وتحت بند اعلان حالة الطوارىء في مدينة بيروت لمدة اسبوعين، وضع جميع القوى الأمنية بتصرف السلطة العسكرية، والتي تتولى فورًا صلاحية المحافظة على الأمن.

لقد استند مجلس الوزراء في مقرراته المذكورة إلى المادة 3 من قانون الدفاع الوطني رقم 102 وعلى المواد 1 و2و3 و4 من المرسوم الاشتراعي رقم 52 تاريخ 5/8/1967، فما هي البنود الرئيسة لهذه المقررات؟ وكيف يمكن فهمها وتفسيرها وتنفيذها عمليًا، بما يخدم مواجهة التداعيات الكارثية التي نتجت عن الانفجار الضخم المذكور؟

- تتولى فوراً السلطة العسكرية العليا صلاحية المحافظة على الأمن، ويقصد بالسلطة العسكرية الجيش اللبناني، والذي يُعطَى استنادا للقوانين والمراسيم المذكورة، صلاحية المحافظة على الأمن، بما تتضمنه هذه الصلاحية من اتخاذ الاجراءات التي يراها مناسبة لتنفيذ ما كلف به من قبل مجلس الوزارء، من عزل مناطق أو أحياء وتفتيشها، أو من استعمال منشآت ومؤسسات خاصة أو عامة، مع ما يتطلبه ذلك من مصادرة أشخاص أو عتاد أو آليات، ودائما فقط بهدف تنفيذ قرار مجلس الوزراء في المحافظة على الأمن.

- توضع تحت تصرفها جميع القوى المسلحة بما فيها قوى الأمن الداخلي والأمن العام والجمارك ورجال القوى المسلحة في الموانئ والمطار وفي وحدات الحراسة المسلحة ومفارزها بما فيها رجال الإطفاء على أن تقوم هذه القوى بواجباتها الأساسية وفقا لقوانينها الخاصة وتحت امرة القيادة العسكرية العليا.

ربما يحمل هذا البند  في الظاهر، الاشكالية الاساسية من بين مقررات مجلس الوزارء، حيث تكون بالعادة واستناداً  للانظمة والقوانين، أغلب القوى الأمنية المذكورة غير الجيش تحت سلطة ووصاية وزير الداخلية مع استثناء الجمارك، والتي تكون أساسًا تحت سلطة ووصاية وزير المالية استنادا للقانون.

هذه الصلاحية الاستثنائية التي تنتقل للجيش في حالة الطوارىء، يمكن تبريرها عمليًا بالتالي:

بعد أن تصبح المقرارات نافذة، تتحرك جميع القوى الأمنية باشراف مباشر من غرفة عمليات قيادة الجيش الموجودة حاليًا، أو تنشأ غرفة عمليات جديدة، تكون متخصصة بحالة الطوارىء وبفرض الأمن وبادارة عمليات الانقاذ الناتجة عن الكارثة موضوع مقررات مجلس الوزراء، وتشكل مبدئيا هذه الغرفة المستحدثة، من ضباط من الجيش ومن ضباط تابعين لمختلف الأجهزة الامنية المعنية بعملية تنفيذ المقررات.

الهدف من نقل هذه الصلاحية الواسعة للجيش ليس انتزاع صلاحية الأجهزة الأمنية الأخرى بتاتًا، حيث إن هذه المقررات، واستنادًا الى حالة الطوارىء، تُبقي صلاحية هذه الأجهزة لتنفيذ اختصاصاتها، وذلك في عبارة: "على أن تقوم هذه القوى بواجباتها الأساسية وفقًا لقوانينها الخاصة وتحت امرة القيادة العسكرية العليا".

 الهدف الرئيس اذاً من توسيع هذه الصلاحية للجيش لناحية اعطائه الامرة على جميع الأجهزة الأمنية المعنية، هو تنسيق جميع الأعمال والاجراءات على الأرض، وبالتحديد في البقعة المشمولة بحالة الطوارىء وللمدة المحددة حصرًا في قرار مجلس الوزراء، وذلك لتأمين فعالية أكبر وأوسع عند التنفيذ، حيث تحتاج عمليات الاغاثة والإنقاذ والتحقيق الى تنسيق الجهود للوصول الى أكبر نسبة من الفعالية المطلوبة، وبأقصى سرعة ممكنة، نظرًا للحاجة الماسة للعمل بسرعة احترامًا لعدة اعتبارات ضرورية، تتعلق بالأمن وبالانقاذ من ناحية، وبامتلاك أكبر قدر ممكن من الوثائق والأدلة والمعطيات والآثار المرتبطة بالحدث قبل فقدانها، من ناحية أخرى، وهنا المقصود بالمعطيات الحسية المرتبطة بكيفية حصول الانفجار في مرفأ بيروت، ومسار الوصول الى الانفجار، من تاريخ وظروف وضع المواد القابلة للاشتعال والتفجير حتى انفجارها.

من الأسباب الموجبة أيضًا لنقل وتوسيع هذه الصلاحية للجيش، عدم حصول أي هدر في الجهود وما شابه، وذلك من خلال ادارة غرفة عمليات الجيش لعملية توزيع المهام بين جميع القوى الامنية والعسكرية، بشكل متناسب مع اختصاص كل من تلك الأجهزة، أو من خلال تنفيذ عمليتي الانقاذ والتحقيق بعد  تقسيم بقعة العمل الى أقسام محددة، ويتم توزيع القوى الأمنية والعسكرية عليها بشكل متوازن، دون حصول أي تداخل غير ضروروي بين بعضها بعضاً، كما يحصل عادة في حالات الحوادث والاشكالات، حيث نجد تدخلًا عشوائيًا لأكثر من جهاز أمني، وحيث يحدث نوع من التسابق بين بعضها بعضاً على سحب الأدلة والمعطيات، والاحتفاظ بها، كما أن التداخل بين عمل تلك الأجهزة عادة، يسبب ارتباكًا وتخفيضًا للفعالية في العمل.
 
تختار السلطة العسكرية العليا بقرار، بعض العناصر من هذه القوى الأمنية الأخرى لتكليفها بمهام خاصة تتعلق بعمليات الأمن وحراسة النقاط الحساسة وعمليات الإنقاذ، وهذا البند يثبّت أكثر فكرة التنسيق واستغلال الجهود لتحقيق أكبر نسبة ممكنة من الفعالية، حيث يعمد الجيش الى الاستعانة ببعض تلك الاجهزة لتنفيذ مهام من اختصاصها أساسًا، بالاضافة لما يمكن أن يتضمنه هذا البند أيضًا، من استعانة الجيش بعدد من العناصر التابعة تلك الأجهزة، لسد نقص معين في عديد عناصره، حسب ما يطرأ من مهمات استثنائية تفرضها عملية الانقاذ والتحقيق، من فصل مناطق وعزلها وحراسة منشآت وأشخاص وما شابه.

وأخيرًا، جاء البند الاستثنائي الذي تم إدخاله على المقرارات الخاصة بحالة الطوارىء، والمتعلق بتكليف الجيش فرض الاقامة الجبرية على كل من أدار شؤون تخزين نيترات الأمونيوم (2750 طن) وحراستها، وكل من أدار ملفها (كمية النيترات المصادرة) أيا كان، منذ حزيران 2014 حتى تاريخ الانفجار، ليعطي الجيش صلاحية التحقيق مع كل من هو مرتبط أو متورط في هذا الملف، وليكمل الصلاحية لهذه السلطة (الجيش) في تكليف الشرطة العسكرية دون أي ضابطة عدلية أخرى، باجراء التحقيقات اللازمة، بعد الطلب الى جميع الأجهزة الأمنية وضع كل المعطيات المناسبة للتحقيق بتصرف الشرطة العسكرية.

 

بيروت الكبرى

إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات

خبر عاجل