آراء وتحليلات
هل يكون الانسحاب الأميركي من العراق ضمن أولويات الكاظمي في واشنطن؟
عادل الجبوري
على قدم وساق، تجري التحضيرات في كواليس بغداد وواشنطن لزيارة رئيس الوزراء العراقي المرتقبة الى الولايات المتحدة الأميركية في غضون الأسابيع القلائل المقبلة، حيث من المقرر أن يقوم مصطفى الكاظمي خلال وقت قريب بزيارة رسمية لواشنطن ضمن جولاته الخارجية التي بدأها بالجمهورية الاسلامية الايرانية الاسبوع الماضي، وستشمل دولًا أخرى من بينها السعودية، التي كان من المزمع أن تكون المحطة الخارجية الأولى للكاظمي، إلا أن مرض الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز تسبب بإرجائها الى اشعار آخر.
ولا شك أن تلك الزيارة تنطوي على أهمية غير قليلة، نظرًا لحجم التعقيدات والحساسيات في مسيرة العلاقات بين بغداد وواشنطن، ابتداء من عملية احتلال العراق تحت ذريعة الاطاحة بنظام صدام في عام 2003، مرورًا بفرض حاكم مدني اميركي هو بول بريمر، وبسلسلة طويلة من الانتهاكات والتجاوزات والجرائم التي ارتكبها الجيش الاميركي والشركات الأمنية الأميركية وفي مقدمتها شركة "بلاك ووتر" ضد المواطنين العراقيين، والدمار والتخريب الذي ألحقته بالبنى التحتية والمنشآت الحيوية للبلاد، وليس انتهاء بإيجاد ودعم الجماعات والتنظيمات الارهابية كـ"القاعدة" و"داعش"، واستهداف الحشد الشعبي وقادته مرارًا وتكرارًا، والتي كان آخرها اغتيال نائب رئيس هيئة الحشد الشهيد ابو مهدي المهندس مع ضيف العراق قائد فيلق القدس الايراني الشهيد قاسم سليماني، في الثالث من شهر كانون الثاني-يناير الماضي.
فهناك مطالبات شعبية واسعة بضرورة اخراج القوات الأميركية من البلاد، تصاعدت الى حد كبير مع انطلاق موجة التظاهرات الاحتجاجية السلمية في بغداد وعدد من المحافظات العراقية مطلع شهر تشرين الاول-اكتوبر الماضي، وازدادت حدتها بعد الاعتداءات المتكررة على قوات الحشد الشعبي في أكثر من مكان.
وترافقت المطالبات الشعبية، مع حراك سياسي-برلماني بهذا الاتجاه، تمثل بتصويت مجلس النواب العراقي بعد يومين من اغتيال المهندس وسليماني، على قرار يقضي بإلزام الحكومة العمل على انهاء الوجود الأجنبي بأسرع وقت ممكن، وبالفعل فإن الحكومة السابقة برئاسة عادل عبد المهدي، أطلقت اشارات ايجابية بهذا الشأن، مما أثار حفيظة الأميركيين، ودفعهم الى الضغط بصورة مباشرة لافشال تلك الحكومة واسقاطها.
ورغم تأكيدات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وعدد من مساعديه على أهمية استمرار الوجود الأميركي في العراق، الا أنهم كانوا يدركون حجم وطبيعة الضغوط الشعبية والسياسية العراقية، لذلك اتخذت واشنطن بعض الاجراءات من أجل امتصاص الغضب وتخفيف ردود الافعال الحادة، تمثلت في سحب القوات الاميركية من بعض القواعد العسكرية واعادة تموضعها في قواعد أخرى، والتصريح بالنية بسحب تلك القوات بصوة نهائية من العراق الى قواعد عسكرية أميركية في بعض دول المنطقة.
وفي أواخر شهر اذار - مارس وبداية شهر نيسان - ابريل الماضي، أجلت واشنطن قواتها من ست قواعد عسكرية في الوسط والشمال وركزتها في ثلاث قواعد توصف بالمحصنة في الأنبار وصلاح الدين واربيل، فضلًا عن ذلك فإنها أعلنت مؤخرًا سحب قواتها من قاعدتين عسكريتين في محيط العاصمة.
ولا شك ان هذه الخطوات جاءت بعد تعرض القوات الأميركية لضربات صاروخية من جهات مجهولة، باتت تشكل قلقًا متزايدًا لدى صناع القرار في البيت الابيض والبنتاغون.
الحوار الاستراتيجي الذي انطلق في الحادي عشر من شهر حزيران - يونيو الماضي بين بغداد وواشنطن عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، لم يكن مشجعا، لانه بحسب رؤية العديد من الساسة والمراقبين العراقيين، ابتعد عن الموضوعات والقضايا الجوهرية الاساسية، وراح يدور حول ملفات ربما اعتبرها البعض تأتي بالدرجة الثانية او الثالثة من حيث الاهمية والاهتمام والاولوية.
واذا كان الكاظمي يسعى الى مواصلة مسارات ذلك الحوار فينبغي له الأخذ بنظر الاعتبار مجمل الملاحظات والتحفظات المطروحة من قبل كل الأطراف، في ذات الوقت عليه أن لا يستكين للضغوطات والمساومات الاميركية، ولا يصدق كثيرًا وعود وتعهدات ساسة البيت الابيض، لان موضوع السيادة الوطنية، يتصدر قائمة الاولويات، بصرف النظر عن أي حسابات خاصة، بعبارة أخرى إن كل ذلك يستدعي أن يتصدر ملف انهاء الوجود الاجنبي قائمة الموضوعات التي سيناقشها الكاظمي مع المسؤولين الأميركيين، لأنه من دون حسم هذا الملف بصورة تعيد كامل السيادة الوطنية للبلاد، ستبقى كل الملفات والقضايا الأخرى معلقة ومن غير الممكن حسمها، وسيكون الحوار الاستراتيجي بين الطرفين عقيما ولا جدوى منه اذا لم يرتكز ويتمحور حول مطلب خروج القوات الاميركية من البلاد، علمًا أن ذلك المطلب يعد أحد أبرز مهام الحكومة الحالية الى جانب اجراء الانتخابات المبكرة واستعادة هيبة الدولة وتلبية مطالب الشعب المشروعة للمواطنين.
وكما أشرنا في أوقات سابقة، فبما أن العراق خاض تجربة مفاوضات ماراثونية طويلة مع الجانب الأميركي في عام 2007، أفضت الى ابرام الاتفاقية الأمنية واتفاقية الاطار الاستراتيجي في عام 2008، ومهدت لانسحاب القوات الاميركية من البلاد في نهاية عام 2011، فإنه من الضروري جدًا اجراء مراجعات تفصيلية دقيقة لتلك التجربة وتشخيص نقاط قوتها لاستثمارها وتوظيفها في المفاوضات الجديدة، وكذلك تشخيص مكامن ضعفها لتجنب الوقوع بها مرة أخرى، واكثر من ذلك يجب تقييم تجربة الاستعانة بالولايات المتحدة الاميركية في محاربة "داعش" بعد اجتياحه الاراضي العراقية صيف عام 2014، وبيان الايجابيات والسلبيات التي انطوت عليها تلك التجربة، لأن هذه المرحلة ربما كانت في بعض جوانبها ومحطاتها أخطر من سابقاتها، وهو ما يحتم على الكاظمي والوفد المرافق له وفريقه التفاوضي ترتيب أوراقهم بدقة وعمق قبل أن يجلسوا وجهًا لوجه حول طاولة التفاوض والنقاش مع الأميركيين، سواء في واشنطن أو بغداد أو أي مكان آخر، علمًا أن ما سيطرح في واشنطن لن يكون بمعزل ومنأى عما طرح في طهران قبل بضعة أيام.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024