آراء وتحليلات
تصريحات قادة الكيان: مناورة فاشلة ورسائل عجز
جهاد حيدر
لم تكن صدفة محاولة العدو المحافظة على الصمت الرسمي في اليوم الذي تلا استشهاد أحد مجاهدي حزب الله في سوريا، الشهيد علي محسن. سياسة الصمت الابتدائية كانت جزءًا من محاولة الحفاظ على قدر من الهدوء على الحدود، على أمل أن لا يقرر حزب الله الرد على هذا الاعتداء. ولم يكن أمراً عرضيًا أن ينتقل بعدها إلى مرحلة توجيه الرسائل المدروسة والمضبوطة حتى الآن، ثم انتقاله إلى مرحلة الاعلان عن استعداداته لمواجهة أي رد قد يوجهه حزب الله. والأكثر دلالة تعليمات رئيس أركان جيش العدو افيف كوخافي، للجنود، بعدم منح حزب الله أهدافًا تجنبًا لاصطيادهم.
يبدو أن العدو راهن بقدر، ابتداء، أن يتجاوز حزب الله استشهاد أحد مجاهديه في سوريا، بدون رد دموي. والتزم لهذه الغاية الصمت الرسمي على أمل أن تمر الحادثة من دون جباية ثمن منه. وما يُعزِّز هذا الاتجاه أن نتنياهو طلب من وزرائه عدم اطلاق تصريحات بخصوص حادثة سوريا وما ترتب عليها.
واكب هذا الخيار محاولة توجيه رسائل عبر الامم المتحدة، تصب في نفس الاتجاه. وحول ذلك، أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي غابي اشكنازي، عن أن "إسرائيل" وجهت رسالة مُحدَّدة إلى من ينبغي من دون أن يفصح عن أي تفاصيل في هذا المجال. لكن التسريبات افادت بأن العدو حاول تقديم حادثة استشهاد الشهيد علي محسن، على أنها خطأ وبالتالي يطلب من حزب الله عدم الرد.
لم يستمر هذا الرهان طويلًا، وبرز ذلك في رسائل التهديد العلنية المضبوطة - حتى الآن - والتي أطلقها نتنياهو وعدد من المسؤولين الاخرين. وانسجامًا مع هذا الاتجاه، حدَّد نتنياهو في تعليماته أنه باستثناء ما أطلقه من مواقف خلال جلسة الحكومة، وما يقوله وزير الامن، لا يحق لأي من أعضاء المجلس الوزاري المصغر اطلاق أي مواقف بخصوص الوضع على الحدود مع لبنان. تؤكد هذه التوجيهات أنها أتت في أعقاب تقدير للوضع، خلص إلى ضرورة اتباع هذه السياسة التي من الواضح أنها تهدف إلى محاولة تخفيف مستوى التوتر ازاء الوضع الداخلي في كيان العدو، الذي يشهد المزيد من الانقسامات والمشاكل الاقتصادية والصحية. وهو بذلك، لا يريد أن يرفع درجة التوتر في صفوف الجمهور الإسرائيلي الناقم على مجمل الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي.
مع ذلك، تبقى تعليمات كوخافي لجنوده الأكثر دلالة في السياق الإسرائيلي، حيث توجه إلى الجنود بضرورة عدم توفير أهداف لحزب الله، والأيام المقبلة ستكون متوترة، وقد "ينتقم" حزب الله قبل عيد الأضحى.
أهمية هذا الاقرار أنه على خلاف الصورة التي نجحت "إسرائيل" بزرعها في عيون العرب عن أنها دولة لا يجرؤ أحد على المساس بها، حتى من موقع الرد على الاعتداء. وتعزَّزت هذه الصورة في أكثر من محطة في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي، لكنها عادت وتهشمت على أيدي المقاومة في لبنان، حيث استطاع حزب الله أن يُغيِّر المعادلة ويفرض على الكيان الاسرائيلي معادلة ردع أصبحت قيادة العدو مضطرة في ضوئها إلى احتساب كل خطوة تقدم عليها ازاء الساحة اللبنانية.
تُشكِّل تعليمات كوخافي، أيضًا، اقراراً اضافياً بأن الجيش عاجز عن احباط أي محاولة من قبل حزب الله لجباية ثمن تناسبي منه ردًا على اعتدائه وجريمته. وهو على خلاف الصورة المتشكلة تاريخيًا في وعي جمهوره. ويعني ذلك، أن هذه المواقف تؤسس لمفاهيم جديدة في الذاكرة الجمعية للجمهور الإسرائيلي، أهمها الاقرار بقيود القوة لدى قادته وجيشه وكيانه.
الواضح أن ما يجري هو محطة جديدة في سياق تعزيز قوة ردع المقاومة لحماية عناصرها، ولحماية لبنان، والتأكيد أن ما يراهن عليه العدو من قيود داخلية وخارجية يحول دون مبادرة حزب الله للرد على اعتداءات "إسرائيل"، ليست إلا أوهاما تراود مخيلته، وأنه مهما كانت الوقائع الاقتصادية والصحية صعبة، فإن ذلك لن يحول دون أن تقوم المقاومة بمهمة الدفاع والرد والردع في مواجهة التوثب الإسرائيلي للعدوان.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024