آراء وتحليلات
بايدن في البيت الأبيض: كيف تكون السياسة الخارجية الأميركية؟
د. علي مطر
ثلاثة أشهر ونيف تفصل الولايات المتحدة الأميركية عن المعركة النهائية لرئاسة البيت الأبيض. المنازلة الأخيرة هي من بين مجموعة منازلات ينتظرها العالم بأسره من أجل تحديد الهوية الجديدة لسياسة واشنطن. المنازلة الكبرى التي ستكون في 3 نوفمبر/تشرين الثاني، سيتبادل فيها اللكمات كل من دونالد ترامب وجو بايدن، وإن كانت سياسة الأول الخارجية في مختلف الملفات قد ظهرت كاملة في السنوات الأربعة لرئاسته، فكيف ستكون ملامح السياسة التي سيتبعها جو بايدن المرشح عن الحزب الديمقراطي؟
يخوض بايدن حملته اليوم على رصيده كنائب للرئيس الأسبق باراك أوباما، ومستغلاً الأزمات الكثيرة التي وقعت في عهد دونالد ترامب، لكن دون أدنى شك، فإن سياساته وإن كانت تحمل الخطوط العريضة للحزب الديمقراطي، فإن سياساته الخارجية ومواقفه التي بنيت عبر دخوله السياسة من بوابة الكونغرس منذ 47 عامًا لن تكون مماثلة تماما لسياسة باراك أوباما، في ملفات دولية وشرق أوسطية ساخنة خاصةً في حال ورث تركة ترامب للأزمات، التي خلفها وراءه.
السياسة الدولية
سيبدأ بايدن من الملفات الدولية بإعادة ترميم الجسور مع الأوروبيين وحلف شمال الأطلسي بعد تصدع هذه العلاقة خلال ولاية ترامب. هذا سيتم بالعودة إلى اتفاق باريس المناخي، تمتين الوجود الأميركي العسكري في القارة والتشدد مع روسيا. فالفارق الأكبر بين الرجلين سيكون في طي بايدن لصفحة ترامب بالمقايضة في السياسة الخارجية.
وسيكون الالتزام تجاه المنظمات الدولية مختلفاً اختلافًا واضحًا في السياسة الخارجية بين ترامب وبايدن. وكان الأخير مؤيدا منذ فترة طويلة لمثل هذا النهج في إدارة الشؤون الدولية. ويعكس الالتزام بالتعاون الدولي أيضا فكر السياسة الخارجية الحالي داخل الحزب الديمقراطي. ويقول توماس رايت من معهد بروكنجز، تَحَرك الخطاب داخل الحزب نحو التعاون الدولي وسياسة خارجية قائمة على القيم، حيث أصبح الديمقراطيون أكثر واقعية وأقل تفاؤلا بشأن مكانة أمريكا في العالم.
ويبدو أنه في حال تم انتخابه رئيسًا، سيكون أحد التحديات المهمة أمام بايدن، هي طريقة إدارته لملف التعامل مع الصين. ربما تنفعه علاقته الشخصية وتفاعلاته السابقة مع رئيس الوزراء الصيني، شي جين بينغ. وخلال إدارة أوباما، لطالما تم إرساله إلى بكين لتحسين العلاقات بين الحكومتين. وعلى الرغم من توقع حدوث دفعة قوية محتملة في العلاقات مع الصين، إذا أصبح بايدن رئيسًا، إلا أن تقاربه مع رئيس الوزراء الصيني يمكن اعتباره في الوقت نفسه نقطة ضعف انتخابية. وقد استغلها ترامب كدليل على احتمال عدم فعاليته في مواجهة بكين، فيما يُنظر إليه على أنه نهج ناعم لمحاربتها، ولن يكون الأمر مختلفاً كثيراً مع روسيا إلا أنه من المتوقع أن يكون متشدداً في إدارة ملف العقوبات عليها.
سياسة بايدن اتجاه "اسرائيل"
أما في ملفات الشرق الأوسط، فيمكن الوقوف على سياسة بايدن المستقبلية في حال وصوله إلى رئاسة البيت الأبيض من خلال مجموعة من تصريحات جمعها مركز الاتحاد للأبحاث، فكيف ستكون العلاقة بين الولايات المتحدة وكيان العدو الإسرائيلي؟ يقول بايدن إن واشنطن لا تستطيع حماية الإسرائيليين بشكل كامل بدون سلام، معتبراً أن "إسرائيل" بحاجة إلى وقف تهديدات الضمّ ووقف النشاط الاستيطاني لأنّها ستقطع أي أمل في السلام، ومؤكداً أن الضمّ لن يحصل على "ضوء أخضر" أو اعتراف من إدارته. وفي الوقت نفسه يقول إن الفلسطينيين بحاجة إلى إنهاء التحريض في الضفة الغربية والهجمات الصاروخية في غزة، وبحسب تعبيره فإن الفلسطينيين بحاجة إلى الاعتراف بحق "إسرائيل" في الوجود كدولة يهودية مستقلة ديمقراطية آمنة في الشرق الأوسط، لكن في المقابل فإن على "إسرائيل" أن توقف نشاطها الاستيطاني.
ويؤكد بايدن على مواصلة المساعدة الأميركية الأمنية بموجب مذكرة التفاهم التاريخية التي وقعاها معًا في عام 2016 والحفاظ على التفوق العسكري النوعي لـ"إسرائيل"، وهو لا يضع شروطًا للمساعدة الأمنية نظرًا للتهديدات الخطيرة التي تواجهها "إسرائيل"؛ هآرتس؛ جيروزاليم بوست ، 20 مايو/ايار 2020.
وستقوم إدارة بايدن بالمحافظة على التزام أميركا غير القابل للنقض بأمن "إسرائيل" - بما في ذلك التعاون العسكري والاستخباري غير المسبوق الذي كان رائداً خلال إدارة أوباما - بايدن، وضمان أن "إسرائيل" ستحافظ دائمًا على ميزتها العسكرية، والتأكيد على أنّ الدعم للتحالف بين الولايات المتحدة و"إسرائيل" لا يزال ثنائيًا، ولن تتم إعادة السفارة إلى "تل أبيب". (بلومبرج ، 29 أبريل 2020). ويرى بايدن أن حلّ الدولتين يبقى هو السبيل الوحيد لضمان أمن "إسرائيل" على المدى الطويل مع الحفاظ على هويتها اليهودية والديمقراطية. كما أنّها السبيل الوحيد لضمان كرامة الفلسطينيين ومصلحتهم المشروعة في تقرير المصير الوطني.
سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران والملف النووي الإيراني
أما سياسة بايدن حول إيران، فستكون كما يقول قائمة على "محاسبة إيران وإعادة الانضمام إلى اتفاق دبلوماسي معها لمنعها من التسلح نوويًا إذا ما عادت إيران إلى الامتثال لخطة العمل الشاملة المشتركة. وهو إذاً يرى أن استراتيجية "الضغط الأقصى" كان لها نتائج عكسية سيئة، مما يشجع إيران على أن تصبح "أكثر عدوانية" وأن تستأنف برنامجها النووي -وفق قوله - ويعتبر أن إيران طرف مزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط ولا يجب السماح لها بتطوير سلاح نووي.
ويرى بايدن أن تصرفات ترامب المتهورة أدت إلى أزمةٍ عميقةٍ في العلاقات عبر الأطلسية ودفعت الصين وروسيا إلى الاقتراب من إيران. نتيجة لذلك، تمّ عزل الولايات المتحدة، وليس إيران. وكما هو متوقع، أعادت إيران تشغيل برنامجها النووي وأصبحت أكثر عدوانية، مما جعل المنطقة أقرب إلى حرب كارثية أخرى. ويقول إنه إذا عادت إيران إلى الامتثال لالتزاماتها النووية، فستعيد إدارة بايدن الدخول إلى JCPO، كنقطة انطلاقٍ للعمل جنبًا إلى جنب مع حلفاء أمريكا في أوروبا والقوى العالمية الأخرى لتوسيع القيود النووية للاتفاق، مع الاستفادة من الإجماع الدولي المتجدد حول سياسة أمريكا تجاه إيران وذلك عبر:
- فرض عقوبات موجهة ضد الدعم الإيراني "للإرهاب" وبرنامج الصواريخ البالستية الإيراني.
- دعم صارم لـ "إسرائيل"، في ظل تعاون استخباراتي وأمني قوي مع الشركاء الإقليميين.
- دعم تعزيز قدرة دول مثل العراق على مقاومة النفوذ الإيراني.
- تجديد الالتزام بالدبلوماسية التي تهدف إلى إنهاء الحروب في اليمن وسوريا التي توفر لإيران فرصًا للتوسع.
واعتبر أن السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة هو من خلال الدبلوماسية المرتكزة على الاستراتيجية، والتي لا تتعلق بقرارات لمرة واحدة أو زعامة واحدة. لكن الأمر سيستغرق عملًا شاقًا للتأكد من أننا لن نصل إلى هناك عن طريق الصدفة، معتبراً أن انسحاب ترامب من الاتفاق أضاع سنين من الدبلوماسية المضنية والدعم الكامل من المجتمع الدولي لتحقيق هذا الهدف. (نيويورك تايمز، فبراير/شباط 2020)، ويبدو أن لا عودة للاتفاق السابق مع إيران، إنما سيكون البحث في اتفاق جديد.
أما في ملفات الشرق الأوسط المتعلقة بسوريا والعراق، فعلى عكس دونالد ترامب، يقول بايدن "لم أكن لأسحب القوات من شمال سوريا ولن أسحب آلاف الجنود الإضافيين الموجودين في العراق، فإذا هرب أفراد تنظيم داعش من السجون التي هم فيها، فلن يذهبوا إلا إلى أوروبا ولن يؤثروا علينا"، والمفارقة في تصريحاته هو ما قاله حول تركيا "ما سأفعله هو أنني سأوضح للأسد حقيقة أن تركيا هي المشكلة الحقيقية هنا. وسأجري محادثة حقيقية مع أردوغان وأخبره أنه سيدفع ثمناً باهظاً لما فعله الآن".
بايدن كان من مؤيدي الانسحاب من أفغانستان في 2010 ولا يحبذ وجودًا عسكريا ثقيلا في العراق وسوريا إنما أيضا لن يتسرع في الانسحاب في حال انتخابه رئيسا. فهو يؤيد كما قال في المناظرات إبقاء قوة عسكرية خاصة في سوريا.
أما على صعيد لبنان، فإن عودة الديمقراطيين للبيت الأبيض في حال فاز بايدن، لن تغير الأولويات. فالعقوبات ستستمر على حزب الله، وهي تزايدت في ظل إدارات من الحزبين، والدعم للجيش اللبناني استمر من جورج بوش الابن إلى باراك أوباما ودونالد ترامب، لكن قد تتراجع حدة حالة الضغوط على الحكومة اللبنانية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024