آراء وتحليلات
رياح تموز 2006: ماذا اقتلعت وماذا أثمرت؟
إيهاب شوقي
للرياح خواص معروفة، فهي تأتي عاصفة كما تأتي لطيفة، وتقتلع أشجارًا، كما تعمل على ثمار غيرها. ورياح تموز 2006 جاءت شاملة، اقتلعت حصونا للعدو وحطمت سدودًا أريد انشاؤها، وأثمرت أملًا والهامًا، ويمكن القول باطمئنان علمي، أنها كرست معادلات جديدة، ودشنت عصرًا مناهضًا للعصر الاسرائيلي الذي أريد له أن يسود.
ما أفادت به التقارير "المحايدة"، هو أن أهداف "إسرائيل" من العدوان تعددت، منها إعادة الأسيرين الصهيونيين، وضرب البنى التحتية لحزب الله والقضاء عليه والوصول إلى الليطاني لاجتثاث صواريخ المقاومة، وفي كل يوم من الحرب كان هدف جديد، وبالرغم من تعدد الأهداف إلا أن الحرب انتهت دون تحقيق هدف واحد منها.
كان العدوان مخططًا وكلمة سره "الشرق الأوسط الجديد"، وهو المصطلح الذي شكل قناعًا للمفهوم الحقيقي الذي تم التخطيط لترسيخه، ألا وهو "العصر الاسرائيلي".
ويكفي دليل واحد للقول إن الحرب كانت مبيّتة لدى الجانب الاسرائيلي، وهو مسارعة كونداليزا رايس (وزيرة الخارجية الأميركية في حينها) تزامنًا مع المعارك، للقول إن القتل في الشرق الأوسط هو مخاض الشرق الأوسط الجديد!
ويمكن رصد ما اقتلعته رياح تموز العاتية، فيما يلي:
1- اقتلعت تموز أسطورة الحسم الاسرائيلية وما حاول العدو ايهام العالم به، بأن غزو لبنان عملية سلسة بلا كلفة.
وقد اقتلع الصمود اللبناني هذا الوهم، وأثبت للعدو والعالم كلفة التجرؤ الاسرائيلي على لبنان، واستحالة الغزو البري، والعقاب الصاروخي الرادع للاعتماد على التفوق الجوي.
2- اقتلعت تموز فاعلية الحصار البحري، وقصف البارجة ساعر كان درسًا قاسيًا ورادعًا.
3- اقتلعت تموز الأطروحة العربية الرسمية الانهزامية بأن الحرب مع العدو مغامرة وأن صواريخ المقاومة عبثية، وأثبتت أن الصمود والمقاومة هما الطريق الوحيد للنصر وحفظ الحقوق والسيادة، وكشفت المقاومة مدى تهافت الطرح العربي الرسمي، وأزالت الحدود المصطنعة بين التعقل والاعتدال وبين المهادنة والخيانة.
4- اقتلعت تموز رهان فصل الجبهات، حيث دأب المشروع الصهيو - امريكي على فصل دائرة وادي النيل (وفقا لنظرية الامن الاسرائيلية) عن دائرة الشام، وتفتيت دائرة الشام ومنع الاتصال العراقي السوري اللبناني، وظن العدو أنه باحتلاله العراق سيردع سوريا ويفصلها عن المقاومة.
لكن تموز أثبتت صمودًا سوريًا ووقوفًا صلبًا الى جانب المقاومة وتقديم كافة أشكال الدعم اللوجستي، وهو إسقاط لنظرية الأمن الاسرائيلي في محيط استراتيجي حيوي خطير، أريد اختباره بشكل مزدوج، فسقط الفصل بين الجبهات وسقط إضعاف المقاومة.
5- كما اقتلعت تموز فكرة الرهان على دعم الأنظمة الرسمية، والتي أعاقت كثيرًا من القوى المقاومة وقيدت استراتيجياتها وتحركاتها، فجاء صمود المقاومة في لبنان رغم ادانتها ووصفها بالمغامرة، ليسقط الرهان على هكذا أنظمة ويعيد الاعتبار لأولويات الميدان وخطوطه الحمراء.
6- واجتثّت تجربة تموز 2006 الدعايات السوداء المغرضة ضد الجمهورية الاسلامية، وأثبتت ايران وقوفًا ودعمًا صلبًا للمقاومة دون شروط مقابلة.
هذا جزء من كثير، اقتلعته رياح تموز، ويمكن أيضًا رصد جزء من كثير أثمرته:
أولًا: أثمرت تموز 2006 أملًا جديدًا للشعوب بعد احباطات كبيرة تمثلت في خضوع عربي وتفريط مجاني تمثل في مبادرة سعودية في نفس العاصمة بيروت عام 2002، أطلق عليها المبادرة العربية، والتي تعطي للعدو كامل الاعتراف والتطبيع مقابل انسحابه لحدود عدوانه في العام 67، ورغم ذلك لم يعرها العدو اهتمامًا.
جاءت تموز لتعيد للشعوب العربية دماءها المتجمدة بالعروق، وهو ما تجلى في فرحة الشعوب وخروجها تأييدا للمقاومة ورفعها لصور قيادتها.
ثانيًا: أثمرت تموز وضعًا جديدًا مفاده أن سيادة لبنان باتت من الخطوط الحمر، وأن زمن غزوها قد مضى، وأن هناك قواعد جديدة للاشتباك تتميز بالندّية والتوازن رغم الفوارق الهائلة في الامكانيات.
ثالثًا: أثمرت فرزًا جديدًا في الأمة وكشفت من هم المتعاونون مع العدو ممن تستروا بالعقلانية والاعتدال ووضعت النقاط على الحروف.
رابعًا: أثمرت تموز جمهورًا جديدًا مضافًا الى جمهور المقاومة، اكتشف زيف الدعايات الطائفية المغرضة وأيقن أنها ادعاءات استعمارية، وعرف قيمة المقاومة وشرفها فالتحق بجمهورها وأصبح من أنصارها.
حاليًا، وبعد أكثر من عقد على هذه الحرب، يحاول الكثيرون طمس حقائقها اعتمادًا على فارق زمني تسربت فيه المزيد من الدعايات والمؤامرات، لذلك تأتي أهمية الاحتفاء والتذكير واستخلاص الدروس والعبر، لا سيما وأنها معركة ممتدة، بل وتشتد وطأة وخطورة.
لقد تنامت قوة المقاومة وأدواتها، وصمد محورها أمام الحصار والاستهداف، وانكشف زيف الأنظمة التي تعاديها، وتغيرت الكثير من توازنات الردع والرعب لصالح المقاومة، وكل هذا التطور يدين بالفضل لصمود المقاومة ومحورها ولرياح تموز فيما اقتلعته وفيما أثمرته.
حرب تموز 2006عدوان تموز 2006#زمن_النصر
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024