آراء وتحليلات
هل تتطابق صراعات المنطقة مع نظرية الأمن القومي الاسرائيلي؟
إيهاب شوقي
ما تمر به الأمة من أحداث كبرى، هو تطبيق حرفي ودقيق لنظرية الأمن الاسرائيلية. وباستعراض أسس هذه النظرية التي كتبت منذ سنوات طويلة، سنلحظ التطابق المذهل مع تطورات الأحداث وجغرافيتها، ما يؤكد أن ما يحدث ليس مصادفة، وانما عمل مخطط، وأن الأطراف لا تشكل ردًا للفعل وانما تشكل أدوات وظيفية.
وهنا ينبغي التطرق الى أمرين:
الأول: من المحزن أن يكون العدو في أضعف حالاته الاستراتيجية بعد تنامي المقاومة حوله وتطور قدراتها وامكاناتها وتوازن الردع لديها، وأن تكون الأمة بمجملها في أضعف حالاتها الاستراتيجية أمام العدو وخاضعة لأجندته الأمنية حرفيًا!
الثاني: عندما غرس الكيان الصهيوني في أمتنا ككيان وظيفي يعمل على القضاء على وحدة الأمة وتواصلها عبر قطع تواصل مصر والمغرب العربي مع الشام والعراق او "الهلال الخصيب" وفقا للمصطلح الاستعماري، كان ذلك يعني فيما يعنيه أن كيان العدو محاط بأعداء ورافضين، وكذلك أن الاستعمار يشكل له الحماية والغطاء كمصدر رئيسي ومبدئي للأمن.
وهو ما ترتب عليه أن التفوق النوعي والعسكري الصهيوني على المحيط وكذلك بث الفرقة والتفتيت وإضعاف هذا المحيط، كانت أسسا وجودية شكلت فلسفة الأمن الاسرائيلي.
وتقول التقارير إن بعض الأهداف السياسية التي تبني عليها نظرية الأمن، لم تحددها القيادة السياسية المتخصصة منذ أواخر النكبة عام 1948 وحتي يومنا هذا، ولا يعني ذلك أنها غير موجودة، ولكنها تشكل مجموعة من المبادئ تشبه في ذلك الدستور البريطاني غير المكتوب. ودعونا نستعرض بعضًا مما ورد وكتب منذ سنوات عن نظرية الأمن الصهيونية وسنذكرها بنصوصها دون تدخل:
أولًا: تقوم نظرية الأمن القومي الاسرائيلي، على مفهوم رسم خريطة استراتيجية للدول العربية مقسمة الى دوائر استراتيجية مهمة، وتقسم "اسرائيل" الوطن العربي لثلاث دوائر استراتيجية:
- دائرة وادي النيل، وعلى رأسها مصر.
- دائرة الشام، وتتنافس علي قيادتها كل من العراق وسوريا.
- دائرة الخليج العربي، وتشكل المملكة العربية السعودية الدولة المركزية فيها.
وأضاف رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق "اريل شارون" دائرتين أخريين ترتبطان بالمجال الحيوي لكيان العدو:
الدائرة الاسلامية: وهي الدول الاسلامية النشيطة، خاصة ايران وباكستان ودول اسيا الوسطى.
الدائرة الافريقية: وهي دائرة دول منابع النيل (شرق ووسط افريقيا) وكذلك الدول المشرفة أو ذات التأثير علي البحر الأحمر.
ثانيًا: تقوم استراتيجية "اسرائيل" بالنسبة للأمن على عدة أسس:
أ. منع التقارب والتنسيق ما بين الدول التي تقود هذه الدوائر، وخاصة دائرتي وادي النيل والشام.
ب . محاولة تشجيع عمليات الانشقاق داخل كل دائرة، خاصة دائرة الشام.
ج . تبني استراتيجية "اسرائيل" بالنسبة للدول الاسلامية، على أساس منع أو عرقلة حدوث أي تماس أو تنسيق بين الدائرة الاسلامية ودائرة الخليج العربي.
د. بالنسبة للدائرة الافريقية تعمل "اسرائيل" على اقامة علاقات وثيقة مع دول منابع النيل الافريقية، وكذلك الدول المشرفة على جنوب البحر الأحمر بالقدر الذي يمكنها من ممارسة الضغوط على كل من مصر والسودان بالنسبة لمسألة المياه، بالاضافة لضمان حرية الملاحة في البحر الأحمر. هـ . منع محاولات التنسيق المصري - السعودي، على مستوي دائرتي وادي النيل والخليج العربي.
وهنا لا بد من تعليقات وايضاحات على استراتيجية العدو:
نرى الفيتو على علاقات مصر وسوريا مهما تبدلت الأنظمة وهو منع مباشر للتنسيق بين دائرتي وادي النيل والشام.
وكذلك تشجيع الانقسام داخل كل دائرة عبر الخلافات المصرية الافريقية والتي تتطور نحو الصراع، وغرس الفتن بين سوريا ولبنان وقوانين من نوعية قيصر، وكذلك قطع التواصل السوري العراقي عبر تمركز امريكي في شرق الفرات وعبر استغلال التكفيريين، ومحاولة ابعاد العراق بمختلف الفتن عن ايران ومحور المقاومة.
كما نرى أصداء الأمن الاسرائيلي في الدائرة الاسلامية عبر منع تواصل دول الخليج مع ايران، وهذا العداء الغير مبرر مع الجمهورية الاسلامية، واستبدال العلاقات الطبيعية مع ايران بتطبيع مع العدو الاسرائيلي!
وعلى مستوى الدائرة الافريقية، نرى دور "اسرائيل" في القارة وعلاقاتها مع دول منابع النيل وعلاقاتها مع اثيوبيا وارتريا وأطماعها في شرق القارة حيث الدول المطلة على البحر الأحمر، وهو ما يفسر دورها في العدوان على اليمن ووجود خبراء صهاينة في غرف عمليات العدوان السعودي على اليمن، حيث ضمانة امن "اسرائيل" في البحر الأحمر.
أما على صعيد التقارب المصري - السعودي، فالدور الموكل للسعودية هو احتواء مصر بعيدًا عن المقاومة أو محاربتها بكل السبل عند وجود نظام مقاوم مثل نظام عبد الناصر، ولعل الضغط على مصر لانتزاع تيران وصنافير، كان خير معبر عن الدور السعودي في تأمين العدو عبر حرية الملاحة في البحر الاحمر عند حدوث أي مستجدات، ناهيك عن مشروعات مثل نيوم والتي تشكل تطبيقًا حرفيًا لمشروع شيمون بيريز الخاص بالشرق الأوسط الجديد!
هناك تطبيق حرفي لأمن العدو الاسرائيلي تتورط به دول خليجية رغمًا عن خلافاتها، فالسعودية والامارات وقطر كلهم متورطون، وتركيا تشكل ذراعا للناتو، ومصر تتحالف مع أعدائها على حساب أمنها القومي.
إنها دعوة لمتابعة الملفات والحوادث من منظور الامن الاسرائيلي، وهو ما يفسر الكثير مما يبدو وكأنه متناقضات أو الغاز.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024