آراء وتحليلات
عن زمن النصر والانجاز الأسطوري عام 2006
شارل ابي نادر
في الواقع، من غير المنطقي في أية حرب أو مواجهة عسكرية، حصر أسباب نجاحها بانجاز وحيد، لأنه من المفترض وجود الكثير من العناصر المناسبة والضرورية التي تحتاجها أية معركة كي تنجح. ومع القدرة على استغلال العدد الأكبر من تلك العناصر، والتي عليها أن تتواكب وتتكامل مع بعضها بعضًا، يمكن القول إن المعركة كانت ناجحة بنسبة معينة، بحيث ترتفع أو تنخفض هذه النسبة، تبعًا للأهداف التي تحققت، وتبعًا للخسائر التي وقعت، في العناصر أو في العتاد، ولكن بشكل عام، ومن خلال دراسة أكثر من معركة ومواجهة عسكرية عبر التاريخ، يمكن القول إن أغلب المعارك، تتأثر نتائجها بشكل كبير، استنادًا لانجاز رئيسي، يشكل نقطة حاسمة أو مساعدة بنسبة كبيرة لأن تكون حاسمة.
مع الذكرى الرابعة عشرة لحرب تموز 2006، والتي أنبتت نصرًا أكيدًا وثابتًا للمقاومة وللبنان، تفتخر به الأجيال ويُسجل في تاريخ لبنان الحديث، وفي سبيل إحياء بعض الانجازات التي حققها ابطالٌ شهداء خالدون ، لا بد من العودة الى احياء بعض ملاحم الحرب والمواجهة ضد العدو الاسرائيلي، ليس فقط للتاريخ الذي من الواجب ان يُكتب بصدق وبالتزام كامل بتفاصيل تلك الحرب والمواجهة التاريخية ، بل من باب الامانة واعطاء الحق لابطال شهداء، كان لما قاموا به وقع غير عادي، نقل المعركة من مكان الى آخر، وقبل أن يحفروا بدمائهم مسيرة من البطولة والإقدام والثبات، كانوا خلال المواجهة الاشرس ضد العدو الاسرائيلي، قد حفروا بالانجازات التي قاموا بها عند المواجهة، سجلاً من ذهب، سيبقى منارة في تاريخ المقاومة وحزب الله ولبنان، في السلم كما في الحرب.
وحيث تضج تلك الحرب (تموز 2006) بالكثير من الملاحم والمواقف البطولية النادرة، من الواجب الاضاءة على انجاز الشهيد علي صالح (بلال عدشيت - قاهر الميركافا) في معركة وادي الحجير، والذي شكّل (إنجاز الشهيد بلال) نقطة مفصلية في تلك المواجهة، وذلك لناحية التفاصيل الميدانية التي قادها أولًا، وثانيًا لناحية تأثير تلك المواجهة على إفشال عدوان العدو عام 2006.
بمعزل عن النتيجة الميدانية والعسكرية التي نتجت عن المهمة التي كلف بها الشهيد بلال في معركة الحجير، والتي سوف نتطرق لها لاحقًا، من الضروري الاضاءة على القدرات والامكانيات الشخصية التي امتلكها الشهيد، والتي ظهرت أثناء تكليفه بمهمة التعامل مع تقدم كتيبة من دبابات العدو نوع ميركافا على ذلك المحور:
- لا يقل عدد دبابات الميركافا التي دمرها وأحرقها الشهيد بلال وحده عن خمس عشرة دبابة، بقاذفه المضاد للمدرعات أو بقبضة الكورنت التي كان راميها وآمرها، الأمر الذي يحتاج لرامٍ ذي أعصاب فولاذية، حيث عليه مواجهة أكثر من دبابة مميزة تتحرك بسرعة، وتملك كل منها قدرة واسعة على الرصد وعلى الحماية الذاتية، بأكثر من رشاش أوتوماتيكي مثبت على جهاتها الأربع، مع رشاش محوري مع المدفع، ومجهزة بمدفع اوتوماتيكي عيار 120 ملم سريع الاطلاق (خمس قذائف على اهداف مختلفة خلال عشر ثوانٍ حد اقصى)، مع قدرات متطورة على التشويش ضد مختلف الصورايخ جو- ارض وارض - ارض، بالاضافة لتواصل مباشر مع أكثر من طوافة حماية ورصد وقنص، مكلفة بالتحديد بحماية انتقال الكتيبة المدرعة، ومع تواصل مباشر أيضًا مع منظومة تسيير وتشغيل عدد غير محدد من الطائرات المسيرة، الخاصة بالمراقبة والمزودة بصورايخ سريعة ومباشرة، وايضًا لحماية تحرك الدبابات على محور تقدمها.
- بالاضافة لهذه الأعصاب الفولاذية التي امتلكها الشهيد بلال، امتلك أيضًا قدرة مهنية وخبرة مميزة في الرمي والتسديد الدقيق على النقاط الأضعف في الميركافا والتي هي نقاط قليلة ونادرة، والتي يجب التسديد عليها لتأمين امكانية اختراق الصاروخ لهيكلها وانفجاره داخلها، بالاضافة لثبات وقدرة تحمل أثناء الرمي وتوجيه الصاروخ، وجها لوجه مع الدبابة المستهدفة، وحيث يحتاج الرامي على الأقل لخمس عشرة ثانية لدوام التسديد على الهدف، هي مدة كافية للدبابة للانتقال السريع وللتعامل بمدفعها وبرشاشاتها ضد مركز الرمي، الذي عليه أن يكون مكشوفًا قدر الامكان، لتأمين دوام التسديد الفعال على هدف يبعد أكثر من خمسة كلم عن قبضة الرامي.
جميع المعطيات الميدانية المتعلقة بمواجهة كتيبة المدرعات العدوة نوع ميركافا في وادي الحجير، وبالتحديد على محور الطيبة - وادي الحجير - الغندورية، تؤكد أن الشهيد علي صالح (بلال) لعب دورًا اساسيًا في تدمير العدد الأكبر من دبابات الميركافا التي كانت ضمن كتيبة هجوم على محور رئيسي، وهدف هذا المحور الرئيسي كان الوصول الى قاطع الغندورية - فرون - الليطاني، وتثبيت نقطة ارتكاز لتأمين تدفق كتائب المشاة والوحدات الخاصة العدوة، بهدف تنفيذ أطباق واسع ومحاصرة عناصر المقاومة في بنت جبيل وتبنين والبلدات المحيطة.
هذا الثبات والصمود الأسطوري، وراء قبضة واحدة أشعلت عشرات دبابات الميركافا، وفي ظروف مرعبة من القصف الجوي بالقنابل الذكية والصورايخ الموجهة وبصورايخ الطائرات المسيرة، كان كافيا للشهيد (بلال عدشيت) لأن يحقق الانجاز الرئيسي للمقاومة في حرب تموز 2006، والذي تَمثّل بمهمة تدمير تلك الدبابات وافشال هجومها، وبالتالي افشال مهمة تنفيذ الاطباق ومحاصرة عناصر المقاومة، الأمرالذي غير بالكامل مناورة العدو، والتي انحصرت حينها فقط، بمحاولة انقاذ ما أمكن من عناصر ودبابات كتيبة الصدم الأساسية المدرعة، والتي تمزقت اربا اربا في بقعة الروع، بين وسط وادي الحجير الشمالي الغربي وبين مرتفعات الغندورية الجنوبية الشرقية.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024