آراء وتحليلات
ماذا يعني الضم الاسرائيلي للضفة؟ وما الذي يكشفه؟
إيهاب شوقي
لا شك أن خطط نتنياهو التي يسعى من خلالها لضم أجزاء من الضفة الغربية هي خطط كاشفة لطبيعة النظام العالمي الحالي وكذلك لطبيعة النظام العربي وحال دوله وشعوبه.
وقبل مناقشة ما تكشفه هذه الخطط ينبغي ذكر عدة نقاط:
أولًا: خطة الضم لا تقتصر على 30% من الاراضي والتي أعلن عنها في خطط نتنياهو، بل المستهدف على المدى البعيد ضم المزيد من اراضي الضفة وهو ما أعلن في "صفقة القرن" المزعومة والتي تركت العدو الاسرائيلي حرًا طليقًا في ضم غور الأردن وأية مناطق استراتيجية في الضفة، وهي كلمة فضفاضة ومفتوحة لمصادرة وضم أي بقعة في الضفة تراها "اسرائيل" استراتيجية!
وتزداد خطورة ذلك بالنظر الى أن أكثر من 450 ألف مستوطن إسرائيلي يعيشون في مائة مستوطنة بالضفة الغربية، وملاحظة أن عددهم ارتفع بنسبة 50 في المائة خلال العقد الماضي فقط في عهد نتنياهو، كما لا توجد خريطة للضم وانما تفيد التقارير بوجود عشر خرائط على الأقل وهو ما يعني أن تكريس الضم هو الهدف الاستراتيجي في حد ذاته وتبقى الخرائط لتعبر عن التكتيكات الى أن يتمكن العدو من ابتلاع كامل الضفة وتصفية القضية!
ثانيًا: هناك عجلة اسرائيلية في اعلان الضم بسبب اقتراب الانتخابات الأمريكية ووضع ترامب الغامض ومستقبله المجهول، والعدو الصهيوني كعادته يريد تكريس أمر واقع ملزم يصعب لأي رئيس امريكي قادم التراجع عنه، لانه، وبرغم انحياز جميع الادارات للعدو، فقد تختلف التقديرات والرؤى ولكن وبرغم ذلك فمن الصعب أن تجرؤ ادارة على نزع مكتسبات صهيونية حتى لو اختلفت معها!
ثالثًا: تريد "اسرائيل" أيضًا التغطية على أزمتها الداخلية بتصعيد الأزمة مع الفلسطينيين على أمل رأب الصدع الاسرائيلي الداخلي، وتوحيد قوى اليمين والوصول الى سقف تصعب المزايدة عليه داخليًا.
وبخصوص ما تكشفه هذه التحركات من وضع للنظام العالمي والعربي، فيمكن رصد ما يلي:
1- بدا القانون الدولي عاجزًا عن اتخاذ أية اجراءات رادعة أو ملزمة بما فيها حتى أبسط العقوبات، وهو ما يؤكد ما بات حقيقة واقعة ظاهرة للعيان وهي انتفاء الوجود للقانون الدولي وانه انتقائي وأن الشريعة الحاكمة هي شريعة الغاب.
2- بدت المعارضات خجولة ودون أوراق ضغط ـ وبدت المعارضات العربية باهتة وشكلية بعد أن شكلت تكرارًا لما حدث من اعتراف امريكي بالقدس المحتلة عاصمة لدولة العدو، ثم ما لبثت أن مارست علاقاتها المعتادة مع امريكا بل واتخذت خطوات تطبيعية جديدة وغير مسبوقة مع (اسرائيل)!
3- ربما شكلت معارضة الاردن أقوى المعارضات الرسمية لأن الخطر على المملكة هو خطر وجودي، على خلفية ان ضم غور الاردن سيؤدي الى قطع التواصل الفلسطيني - الاردني ووجود حدود كاملة للأردن مع العدو، الى جانب سحب امتيازات الاردن بالداخل الفلسطيني والمتعلقة بالاشراف على المقدسات، والأهم اعادة فكرة الوطن البديل، حيث تتوفر كامل شروط التهجير نحو الاردن لسكان الضفة في حال الضم الاسرائيلي لها وخاصة غور الاردن المشكل للاراضي الخصبة والمياه.
4- هناك مشكلة تبحثها عقول صهيونية تتعلق بمظهر الكيان وبانه دولة فصل عنصري، وقد طرحها بنيامين بوغراند، وهو كاتب إسرائيلي مولود في جنوب إفريقيا وحليف سابق لنيلسون مانديلا، حيث كان منذ فترة طويلة ضد استخدام مصطلح "الفصل العنصري" لوصف معاملة الكيان الإسرائيلي لفلسطينيي الضفة الغربية.
لكنه في مقابلة حديثة مع "التايمز أوف إسرائيل"، قال إن الضم سيغير تقييمه وقال: "على الأقل لقد كان احتلالاً عسكرياً. الآن سنضع الآخرين تحت سيطرتنا ولن نعطيهم الجنسية. هذا فصل عنصري. هذه مرآة دقيقة لما كان عليه الفصل العنصري في جنوب إفريقيا".
5- يتم تأزيم جميع الملفات سعيًا لخنق أي معارضات ولو شكلية وخاصة في دول الطوق العربية، فما يحدث بمصر ولبنان من ضغوط امريكية بأشكال مختلفة يشي بأن الامر يراد له أن يمرر ولو جزئيا.
قد تقدم دولة الكيان الصهيوني على ضم 10% تشمل المستوطنات النائية ابتلاعا لاي تصعيد وتخفيفا لوقع الصدمة على الاردن، ولكنها تبقى خطوة كرست الضم واعلنت تدشين التصفية والباقي مسألة وقت فقط.
المقاومة الفلسطينية هي العائق الأكبر، ورغم رفض السلطة ووجود موقف فلسطيني موحد على الرفض، الا أن التزام السلطة بما يسمى (عملية السلام) هو التزام يغري العدو بالتمادي ولا يردعه، فالضفة في وضع احتلال فعلي ولم يتبد من السلطة ولا لمعتنقي (خيار السلام) اية بوادر لتغيير هذا الوضع، فما الذي يمنع العدو من تحويل هذا الوضع لوضع رسمي سوى المقاومة؟
سقطت الأقنعة وسقطت عملية السلام العبثية، ولم يتبق سوى خيار المقاومة، وهناك خيار آخر لمن لا يدعم المقاومة، وهو الاعتراف بالاستسلام والخيانة، ولا تبدو خيارات أخرى لأي عاقل حتى تحاول رصدها.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024