آراء وتحليلات
"أُنجِز الأمر".. كيف بنى حزب الله معادلته الجديدة؟
شارل ابي نادر
صحيح أن وسائل إعلام العدو الاسرائيلي والمحللين في الكيان أعربوا عن دهشتهم من الفيلم الذي نشره الإعلام الحربي في حزب الله مؤخرًا، والذي تضمن مشاهد لأهداف نوعية داخل الكيان، مترافقًا مع تعليق صوتي للأمين العام لحزب لله، يحمل رسالة واضحة للعدو مفادها إن "الأمر أنجز"، وأصبحنا نمتلك صواريخ دقيقة قادرة على استهداف فعّال ودقيق لأكثر مواقعكم استراتيجية وخطورة وحساسية، ولكن عمليًا، لم تتفاجأ قيادة العدو بهذه الرسالة، بل كانت تنتظرها وتتوقعها، ولطالما وضعت التعامل معها كأفضلية اولى في استراتيجيتها وفي سلم أهداف مواجهتها.
طبعًا، قيادة العدو كانت تعلم جيدًا أن ما وصل اليه حزب الله من قدرات صاروخية نوعية، كان يعمل عليه بكد وبجد ويخطط لانجازه، وقد حاولت الكثير في سبيل منعه، في السياسة وفي العقوبات وفي الديبلوماسية وفي الاعتداءات الجوية والصاروخية النوعية، ولكن يبدو أنها فشلت في ذلك، فكيف بنى حزب الله هذه المعادلة الجديدة وعلى ماذا تقوم؟
على ماذا تقوم المعادلة؟
عمليًا، تقوم معادلة حزب الله الجديدة، والتي أدرجها تحت عنوان "أنجز الأمر"، على امتلاك صواريخ دقيقة، قادرة على استهداف فعال ومباشر لأي هدف يختاره، وفي أي وقت يريده، بمعنى: رغم وجود أية اجراءات حماية دفاعية يقوم بها العدو، وكأن الأمر يصبح قدرًا لا مفر منه.
حساسية الموضوع وخطورته من النواحي الفنية والتقنية والعسكرية، عبّر عنها العدو عبر دراسة لمركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية، أشارت اليها عدة وسائل إعلام أجنبية واقليمية، "من إعداد "عوزي روبين" الذي ترأس سابقاً مشروع "حيتس" للدفاع ضد الصواريخ في وزارة الأمن، أكد فيها أن "إسرائيل" تبذل جهوداً ملحوظة لاحباط مشروع الدقة الذي يعمل عليه حزب الله، لأنه بعد استكماله، سيكون لدى الحزب سلاح جو خاص به، مع تفوق جوي هجومي، لكن من دون طائرات، بمعنى أن الصواريخ الدقيقة سوف تقوم بشكل كامل وناجح بكل ما تقدر القاذفات المتطورة على القيام به، من استهداف الموقع الذي تريده".
مصداقية الدراسة التي نشرها المركز المذكور، تقوم على اجرائها مقارنة مع عملية استهداف ايران لقاعدة عين الأسد في الرد على استشهاد الفريق قاسم سليماني، ووقوف القدرات الاميركية الصاروخية - الدفاعية والالكترونية - الدفاعية، عاجزة أمام دقّة الصواريخ وحتمية وصولها الى أهدافها.
عملانيًا، تحقق معادلة الصورايخ الدقيقة هدفها - كما تابع المركز المذكور نشره - وذلك من خلال قيام حزب الله وعند أية حرب مستقبلية: "بمحاولة تنفيذ "عملية بؤرة" خاصة به بواسطة صليات صواريخ دقيقة لشل القواعد الجوية لـ"إسرائيل" فور بدء المعركة، محذرةً من أن "الدفاع" الإسرائيلي النشط "القبة الحديدية"، "مقلاع دافيد"، أو لايزر مستقبلي بالغ القوة، لا يضمن سداً محكماً للأجواء".
ويُقصد - حسب المركز المذكور - بـ"عملية بؤرة": الضربة الجوية الاستباقية التي استهلت بها "إسرائيل" حرب "الأيام الستة" (عام 1967) على المطارات وأسلحة الجو العربية، ونتيجتها كانت تفوقا جويا مطلقا لسلاح الجو الإسرائيلي، وقوة إسناد حرة للقوات البرية خلال الحرب".
كيف بنى حزب الله هذه المعادلة؟
لقد
- المرحلة الأولى، وتقوم على تسلم أو (تصنيع) الصواريخ ونقلها وتخبئتها، وهذه المرحلة كانت من أخطر المراحل، والتي كانت تجري أثناء الحرب على سوريا، حيث تواكبت مع العمليات العسكرية الهجومية والدفاعية من ضمن دعم ومساندة الجيش العربي السوري، وحساسيتها كانت في التزام حزب الله بعدم الرد على محاولة استهداف "اسرائيل" لشحنات الصورايخ المنقولة أو المخزنة بانتظار نقلها، لأنها كانت تبحث دائمًا عن ردّ على تلك الاستهدافات، ليس لاستعماله ذريعة لفتح حرب واسعة، فهي كانت ولم تزل لا تريدها وتبتعد عنها، بل كانت تريد أو تخطط لاستعمال ردّ حزب الله كحجة تحيلها الى المحافل الدولية، وتستند إعليها لاستصدار قرارات من مجلس الامن تتيح للمجتمع الدولي تنفيذ عمل عسكري تحت الفصل السابع لانتزاع أسلحة وصواريخ حزب الله.
اذاً، حافظ حزب الله في مرحلة امتلاك الصورايخ على رباطة جأشه وعلى استراتيجيته العنيدة في الصبر، فقط بمواجهة ذلك، عمل على تثبيت وفرض قاعدة اشتباك خاصة بالرد الموضعي والمتوازن على استهداف واستشهاد أو اصابة أي مقاوم له في سوريا أو في لبنان، وخارج ذلك بقي على ثباته في عدم الرد.
- المرحلة الأخيرة، قامت على تنفيذ برنامج الوصول بقسم معين (غير واضحة نسبته) من الصواريخ التي امتلكها لتصبح دقيقة. ومبدأ هذه العملية استند إلى اتجاهين، الاول: السرّية في العمل وفي التخطيط وفي التنفيذ وفي الدراسة، والثاني عملي يقوم على اكتساب قدرات علمية وفنية، من الطبيعي أنه عمل طويلًا على اكتسابها، عبر تدريب أو تعليم أو تخصّص عدد من مهندسيه وفنييه في هذا المجال، وحيث يقوم المبدأ (جعل الصورايخ دقيقة) على تحديث وتطوير منظومة التوجيه المزدوجة، الأولى والموجودة عضويا على الصاروخ، والتي عليها التجاوب والتعامل مع الثانية والتي هي: منظومة التوجيه الخارجية، الموجودة بين يدي فريق تحديد الأهداف وتوجيه الصاروخ عليها وتثبيت الاخير على المسرى الصحيح، مع جعله يتجاوز وسائل الدفاع العدوة من صورايخ مضادة أو من أجهزة تشويش وتضييع.
من هنا، وبعد أن تثبت العدو الاسرائيلي من امتلاك حزب الله للصواريخ الدقيقة، وبعد أن تثبت أيضًا - وهذا الأمر يعرفه جيدا استنادا الى مصداقية كلام السيد نصر الله من أن معادلة "انجز الامر"، هي معادلة واقعة لا محال، فماذا سوف تكون استراتيجيته اللاحقة للمواجهة؟
ربما تعطينا الأيام القادمة الجواب الحساس عن هذا التساؤل.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024