آراء وتحليلات
مواصفات اللحظة الراهنة وخيار المقاومة المعلن
إيهاب شوقي
تمرّ أمّتنا سياسيًا، بمرحلة مفصلية منذ عقود، وربما يكون التاريخ الأكثر حساسية هو أواخر سبعينيات القرن الماضي، منذ زيارة الرئيس المصري الأسبق محمد انور السادات للقدس والتدشين لخروج مصر رسميًا من محور المقاومة والتحرر الوطني، وهو ما تبعه من انتقال تدريجي لقيادة الدفة لمحور الرجعية العربية واستبدال مفهوم القوة الناعمة بالقوة المالية.
وربما تكون هناك تواريخ أخرى للمراحل المفصلية على المستويات الفكرية والاجتماعية والاقتصادية، ولكننا هنا بصدد مناقشة المرحلة السياسية المفصلية والتي تشكل اطارًا للأبعاد الأخرى.
وكل مرحلة لها بداية ونهاية ومدى زمني، ولحظات مفصلية داخل المرحلة المفصلية ذاتها، ويبدو أننا في اللحظة الراهنة نمر بلحظة دقيقة وحاسمة، إن لم تكن نهاية المرحلة، فهي على الأقل إحدى أكبر لحظاتها المفصلية.
ويمكننا رصد مواصفات وتناقضات هذه اللحظة على النحو التالي:
1- هناك استهداف للأمة بشكل جماعي، بينما تتعاطى معه الأمة بشكل منفصل، بل وتتورط دول وقوى في اشعال الفتن وتغذية الصراعات الداخلية في الأمة وداخل دولها خدمة للاستعمار.
2- في مراكز الفكر الغربية ولدى مخططي السياسات الاستعمارية، يتم النظر لمنطقتنا باعتبارها عالما اسلاميا ويشمل الأمة العربية وتركيا وايران ودول اسيا الوسطى الاسلامية، اضافة للمسلمين المهاجرين أو مواطني دول أوروبا وأمريكا من المسلمين، ويتم التعاطي مع العالم الاسلامي كحالة بحثية مكتملة، بينما تتعاطى الأمة من منطلق مشروعات منفصلة، وتتعاطى مراكز الأبحاث في العالم الاسلامي مع حالات متباينة، وتقسم القوى السياسية هذا العالم الى مشروع عربي وفارسي وتركي، وتقوم بتفريعه الى مشروع سني ومشروع شيعي، وهي فجوة كبرى بين التعاطي الغربي والاسلامي يخلق هامشا كبيرا للخطأ في التقدير والمواجهة.
3- يتعاطى الغرب ايضا مع المسيحيين العرب كجزء من العالم الاسلامي، بينما تظن بعض القوى المسيحية ان هناك تعاطفا غربيا ووضعا استثنائيا لها وهو خطأ علمي وسياسي فادح.
4- من المفترض تاريخيا وعلميا وفلسفيا، ونفسيا، أن كل أمة أو حضارة يتم استهدافها، أن يكون لها رد فعل واستجابة، وهو ما شكل نظرية حضارية كبرى من أعظم النظريات العالمية لارنولد توينبي، والقائمة على قاعدة (التحدي والاستجابة)، بينما ما نراه في منطقتنا يشكل شيئا اخر غير الاستجابة للتحدي، فلا هي استجابة ايجابية باعلان المواجهة والتحدي، ولا هي حتى استجابة سلبية باعلان الاستسلام، والأقرب لواقع الاستجابة، هو أن الأمة لا تستوعب مقدار التحدي ذاته وبالتالي بدت استجابتها أقرب للتجاهل أو اللامبالاة، وهي حالة بحثية فريدة وشاذة، ويمكن تفهمها بحالة شاذة أخرى، وهي مشاركة جزء من الأمة في المؤامرة والاستهداف، وبالتالي تحول الاستعمار وما يستدعيه من تحدٍّ ومقاومة الى فتنة وما تستدعيه من سلبية وصمت وأحيانا حياد سلبي!
وكتطبيق عملي حتى لا يكون الكلام نظريًا مرسلًا، يمكن ذكر الواقع كما يلي:
اولا: العدو الاسرائيلي أصبح حليفًا والمقاوم عدوًا!
ثانيا: أصبحت امريكا خصمًا وحكمًا، فهي تهدر الحقوق وتصفي القضايا العربية، ويستجديها عرب لطلب المساعدة والنجدة، بل ويستعديها بعض العرب على المقاومة!
ثالثا: تقزمت الايدلوجيات لتتحول لفكرة فضفاضة باهتة هي محاربة الارهاب غير المعرّف بدقة من الأساس، وهو ما نتجت عنه تحالفات انتقائية، تحارب قوى تكفيرية في بلد وتدعمها في بلد آخر، وربما شكلت سوريا مصداقًا صارخًا لهذا التناقض، ويشكل اليمن الآن مصداقًا له، والعامل المشترك في هذا التناقض هو دعم من يحارب المقاومة، وهو ما يشي بأن محاربة الارهاب لا ترقى حتى لايديولوجية سطحية، وانما ستارا لأجندات أخرى.
رابعًا: رغم وضوح علامات كبرى على تغير توازنات القوى وتراجع الجبروت الأمريكي وافلاسه ولجوئه لآخر أوراقه وهي الحصار، فإن هناك بعض الدول والقوى تصر على التبعية واعطاء قبلة الحياة لامريكا بالمنطقة، رغم ان اللجوء ولو جزئيا لخبار المقاومة، كفيل بطردها من المنطقة.
تعد هذه أبرز الشواهد الملموسة والتي تشكل وقائع وحقائق سياسية، وليست تحليلات او تكهنات، وهي شواهد خطيرة تنذر بانهيار وشيك لكل القوالب التقليدية، سواء على مستوى الأمة أو كيانات الدول، وهذه النذر دون مبالغة يمكن أن تتجه بشكل سريع لا يتصوره البعض الى ما يلي:
1- تغير في خرائط سايكس بيكو، أي تغير في حدود الدول نظرا للفراغ الراهن، وهو ما يعني احتلالا مباشرا سواء غربيا أو تركيا لأراض عربية يصر الاتراك انها انتزعت وفقا لاتفاقية لوزان وتقول الشواهد التي لا يستهان بها انهم عازمون على ضمها!
2- يمكن أن تكون منطقتنا ساحة لمواجهات دولية كبرى تتصارع على ثرواتها وسيكون جل الضحايا من أبناء المنطقة.
3- يمكن أن تتغير خرائط الدول ذاتها لا خرائط حدودها، عبر سريان مخطط تقسيم المنطقة، وخاصة بعد تفتت الجبهات الداخلية والاحتقانات الاجتماعية والطائفية التي يتم تغذيتها عبر الاستعمار واعوانه في الداخل.
4- لن يصمت محور المقاومة وسيقاتل من أجل وقف ذلك، وهو ما سيخلق بؤرا للمقاومة في بقاع متناثرة، ناهيك عن استعال حرب كبرى سيكون العدو الاسرائيلي اول من يدفع ثمنها، وقد توعدت المقاومة أنها لن تسمح بالجوع وتصفية القضايا، وهي رسالة لا بد أن يتلقاها العدو الاسرائيلي وتتلقاها امريكا، وعلى جمهور المقاومة أن يتمتع بالجهوزية للحظة اقتربت كثيرا.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024