آراء وتحليلات
المشروع الإسرائیلي - الاميركي: ضم الضفة على مراحل
سركيس ابوزيد
بعد انتخابات متعثرة وأزمات متتالية، شكل رئیس الوزراء الإسرائیلي بنیامین نتنیاھو مع منافسه بیني غانتس حكومة وحدة إسرائیلیة، یتضمن برنامجھا ضم القدس بشكل تام، إضافة لبعض الأراضي الفلسطینیة المحتلة في الضفة الغربیة، بما في ذلك غور الأردن وشمال البحر المیت والمستوطنات بكاملھا أو جزئیًا. وقد منحت إدارة الرئیس الأمیركي دونالد ترامب فرصة تاریخیة لتحقیق هذه الأهداف التوسعية الصهيونية.
ولكن في الواقع، ھناك عقبات سیاسیة وعملیة في وجه "مشروع الضم":
1 - الانقسام والتجاذب على الساحة الإسرائیلیة، بین من یطالب بالحد الأقصى من الضم، ویرى أنه ینبغي استغلال ھذه الفرصة التاریخیة في ھذا الاتجاه، ومن یُصر على أن یبقى سقف الضم مخطط ترامب. الضم یثیر انقسامات شدیدة في "إسرائیل" نفسھا أیضًا، خصوصًا أن نتنیاھو یخبئ تفاصیل مخطط الضم، ویمتنع عن إطلاع أصحاب الشأن علیھا.
2 - انقسام أميركي: یوجد في الإدارة الأمیركیة فریقان یعملان على موضوع "صفقة القرن": فریق السفیر فریدمان وفریق جارید كوشنیر، وكلاھما مقرب من ترامب، لكن الأول أقرب لفكره من الیمین المتطرف في "إسرائیل" الذي یعتقد أن بالإمكان تنفیذ الضم الآن، وبشكل أحادي الجانب، والثاني (كوشنیر) أقرب بأفكاره إلى غانتس، ویرى أن الضم یجب أن یتم بالتنسیق مع الفلسطینیین والأردنیین ودول المنطقة.
3 - الوجود الفلسطینیي في ھذه المناطق هو الأكثر تعقیدًا لأن الضم سیعزل ھذه المناطق، عندئذ سیواجه سكانھا صعوبات أكبر في التنقل والتمدد والبناء، ومحاولة الاستقلال اقتصادیًا عن الاحتلال، رغم كل ما یروج حول الطروحات الاقتصادیة للحل.
4 - خلافات اسرائيلية - أمیركیة: تطلب واشنطن تأجیل "الضم" الى حین استنفاد فرص إشراك الفلسطینیین ولا تلتزم بأي جدول زمني تضعه "إسرائیل" للشروع بإجراءات الضم خلال الفترة المقبلة. أما إذا استمر الفلسطینیون في الجلوس جانبًا واستمروا برفض التفاوض حول "صفقة القرن"، سیكون لذلك عواقب وخیمة وسیسھل عندھا اتخاذ قرارات تتعلق بضم إسرائیلي للمناطق في الضفة. وأما التحفظ الأمیركي على مسألة الضم، فیعود الى تداعیات محتملة مثل نشوب أزمة سیاسیة خطیرة مع الأردن ومع السلطة الفلسطینیة. وبالفعل، جاء الرد الأول من العاھل الأردني الملك عبد الله الثاني الذي أكد أن ضم أجزاء من الضفة الغربیة سیؤدي إلى صدام كبیر مع بلاده، محذرا من انھیار السلطة الوطنیة الفلسطینیة، الذي سیتبعه المزید من الفوضى والتطرف في المنطقة.
5 - الموقف الأوروبي الذي تعبّر عنه ألمانیا الصدیقة والحلیفة لـ"إسرائیل" والمؤیدة البارزة لھا في المنظمات الدولیة.
فقد تسبّبت تصریحات نتنیاھو عن ضم المناطق في أول تموز بإحراج كبیر في برلین، خصوصًا أنھا ستتولى مھام الرئیس المناوب للاتحاد الأوروبي، ورئاسة مجلس الأمن في الأمم المتحدة، وھما الوظیفتان اللتان ستجبرانھا على الاختیار بین إخلاصھا للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، والتزامھا التاریخي تجاه "إسرائیل".
وفي موازاة الدور الألماني، بممارسة الضغط الھادف لتأجیل الضم، تستعد دول كثیرة للرد على "إسرائیل". وحسب مصدر مقرب من السفارة الإسرائیلیة في بروكسل، فإن فحصًا یجري في الاتحاد الأوروبي حول إمكانیة فرض عقوبات، مثل منع إشراك "إسرائیل" في اتفاقات التعاون ومنح جدیدة في مجال الأبحاث الأكادیمیة، وعقوبات على مستوى العلاقات المباشرة بین الدول.
5 - روسیا انضمت أیضًا إلى عدة دول صدیقة لـ "إسرائیل في مطالبتھا بالعدول عن فكرة ضم مناطق في الضفة الغربیة. وقال ناطق بلسان السفارة الروسیة في "تل أبیب" إن خطة الضم تثیر قلقًا في موسكو التي ترى فیھا إجراءات أحادیة الجانب تتنافى مع القانون الدولي. وانتقدت روسیا، خطة الرئیس دونالد ترامب برمتھا، وقالت إن "صفقة القرن" لا تستطیع أن تلغي قرارات أممیة حددت الإطار الدولي لعملیة السلام.
6 - الموقف العربي والإسلامي رافض تمامًا لھذه الخطوة، وھذا ما عكسه الاجتماع الاستثنائي الافتراضي الذي عقدته منظمة التعاون الإسلامي على مستوى وزراء الخارجیة في الدول الأعضاء، وأوضح الأمین العام لمنظمة التعاون الإسلامي في كلمته موقف المنظمة الرافض لكل سیاسات الاحتلال الإسرائیلي الرامیة إلى تغییر الوضع الدیموغرافي والجغرافي والقانوني للأرض الفلسطینیة المحتلة.
وسط كل ما تقدم، ما زال من غیر الواضح أو المحسوم، إسرائیلیًا، حتى بالنسبة للقوى الیمینیة القومیة والدینیة، إمكان ضم الضفة الغربیة كاملة أو بعض منھا، إذ ترجح أغلب التوقعات أن الضم سینحصر في مناطق الكتل الاستیطانیة الكبرى القریبة من الخط الأخضر، ومنطقة غور الأردن، لسبب بسیط یتعلق بحرصھا على الإبقاء على معادلة ضم أكبر مساحة من الأرض مع أقل قدر من السكان، مع الحفاظ على بقاء نوع من الكیان الفلسطیني. وبالنسبة للتغیّرات، فمن الواضح أن عملیة الضم لن تغیّر من الواقع الذي یرزح تحته الفلسطینیون منذ احتلال إسرائیل للضفة وغزة ( 1967).
الخطوة الإسرائیلیة المقبلة، مھما كان شأنھا أو حجمھا، ستضع "إسرائیل" أمام مسؤولیات وتحدیات عدیدة، أھمھا:
أن أیة خطوة إسرائیلیة في ھذا الاتجاه ستفضي إلى ردة فعل فلسطینیة، من ضمنھا إلغاء التنسیق الأمني، ومن المتوقع أن تستفيد حماس من الأحداث كي تعّزز مكانتھا في الضفة على حساب السلطة الفلسطینیة، وإنھاء حال التنسیق الأمني. وھناك تداعیات أخرى قد تنشأ عن ذلك، أبرزھا احتمال انتفاضة شعبیة جدیدة.
لیس واضحًا بعد ماذا سیحتوي قرار الضم وما ھو حجمه، وإن كان سیشمل غور الأردن فقط أو مزیدًا من الكتل الاستیطانیة، وھل سیكون بمثابة ضم جغرافي أو فرض القانون الإسرائیلي. وواشنطن أوعزت إلى نتنیاھو بوقف خطة ضم الأراضي، ودول الخلیج ودول أخرى مثل الأردن ومصر ومسؤولون أوروبیون یضغطون لتأجیل الضم.
نتنیاھو لن یضیع ھذه الفرصة. ولكن، وعلى رغم وعد نتنیاھو بتنفیذ الضم بدءا من مطلع شھر تموز، ترجح المعطیات والمؤشرات سیناریو تأجیل الضم، أو أن یُقدم نتنیاھو على ضم ثلاث مناطق في الضفة كمرحلة أولى، وھي التي تحظى بإجماع إسرائیلي داخلي وأمیركي، مع الامتناع عن ضم الأغوار خشیة تدھور العلاقات مع الأردن.
انه ضم بالتقسيط وعلى مراحل وفق الظروف والمعطيات ...
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024