آراء وتحليلات
ما الهدف من المساعي الفاشلة لتعديل مهام اليونيفل؟
شارل ابي نادر
تسارعت مؤخراً الضغوط الاميركية والاسرائيلية، بهدف تعديل مهمة وحدات اليونيفل العاملة في جنوب لبنان بموجب القرار 1701، لناحية تغيير قواعد الاشتباك ومنحها صلاحية أوسع في تفتيش الأملاك الخاصة ومداهمة أي مكان تشتبه به، دون العودة للجيش اللبناني كما تقضي قواعد وبروتوكولات مهمتها، والمعمول بها حاليًا، وحيث في الشكل تزامنت هذه الضغوط في التوقيت مع قرب صدور قرار التمديد السنوي لمهمتها، فإنها (الضغوط) في المضمون، تأتي نتيجة أكثر من معادلة فرضت نفسها على العدو الاسرائيلي، مما دفعه للعمل بكل امكاناته الديبلوماسية والسياسية نحو فرض هذا التعديل.
صحيح أن واشنطن هي من يقود هذه الحملة على مجلس الامن لفرض التعديل، تمامًا كما قادت الأخيرة حملة "اسرائيل" عند عرقلة عمل لبنان في التنقيب على الغاز في البلوكات البحرية (8 و9) التابعة لمياهه الاقتصادية الخالصة، ولكن عمليًا، هذه بالأساس مطلب العدو الاسرائيلي وليست مطلب الاميركيين، وواشنطن دائما كانت تنفذ طلبات "اسرائيل" فيما خص لبنان من كافة نواحي الضغوط الاقتصادية والسياسية والامنية والعسكرية.
طبعا، ولنتكلم بموضوعية، من الطبيعي أن تكون هذه الفورة الاسرائيلية لتعديل مهمة اليونيفل، هي نتيجة معطيات ومعلومات تأكدت منها، عن نشاط عسكري وأمني متقدم تقوم به المقاومة في المناطق الجنوبية المواجهة لفلسطين المحتلة، وهذا الموضوع لا تنكره المقاومة أصلا، حيث تعترف به بطريقة غير مباشرة، عندما تتكلم عن بناء معادلة ردع، قائمة على تحضيرات هندسية سرية، وعلى تكديس ونشر بنية دفاعية، وتدعيم منظومة توازن الرعب، القائمة على تحضير وتوجيه صواريخ نوعية بعيدة المدى، أهدافها أصبحت واضحة وتكلم عنها قادة المقاومة، وهي أغلب المواقع والأهداف الحيوية والاستراتيجية داخل عمق كيان العدو.
السؤال الذي يفرض نفسه على الاميركيين والامم المتحدة ومجلس الأمن والعدو الاسرائيلي بدرجة أولى، هو: ما هي أسباب هذه التحضيرات وهذا النشاط العسكري المتقدم للمقاومة، والذي يفترض بمفهوم هؤلاء تعديل وتوسيع مهمة وصلاحية اليونيفل، حتى تمنعه أو تحده؟
من الطبيعي أن يكون الجواب واضحًا ومفهومًا لهؤلاء، والذي يمكن تحديده بالتالي:
"إسرائيل" تعتدي على لبنان وتخترق سيادته الجوية والبحرية والبرية بشكل دائم، وطائراتها المسيرة تجوب أجواءه ليلا نهارا، وكل ذلك تحت أعين "اليونيفل".
"اسرائيل" تستعمل الأجواء اللبنانية بشكل دائم ودوري، للاعتداء بقاذفاتها على سوريا، وقبل ساعات تحديدًا، حصل هذا الاعتداء - والمماثل لعشرات الاعتداءات السابقة - على مناطق داخل سوريا في حماه ومصياف، ومن فوق الأراضي اللبنانية، وأيضًا بمعرفة وتحت مرأى مراكز رصد "اليونيفل".
هذا لناحية مناورة الاعتداءات الدائمة التي تقوم بها "اسرائيل" على سيادة لبنان، أما لناحية المناورة الديبلوماسية والسياسية التي تقوم "اسرائيل" ايضا، وبالتوازي مع مناورة اعتداءاتها العسكرية، فهي، وعبر واشنطن ونفوذها الدولي، تمنع الجيش اللبناني من الحصول على اسلحة دفاع جوي أو أي أسلحة نوعية مناسبة لحماية سيادته، كما وتضغط ايضا، عبر نفوذها أو عبر نفوذ واشنطن، لمنع حزب الله من امتلاك اسلحة نوعية لحماية الأجواء اللبنانية والحدود عند اي اعتداء إسرائيلي، وذلك بعد نجاحها في منع الجيش اللبناني من الحصول على تلك القدرات الدفاعية الضرورية.
من ناحية اخرى، تعمل "اسرائيل" جاهدة، عبر اليونيفل أو عبر وسائلها الخاصة، كي تقّيد الجيش اللبناني وحزب الله لناحية منعهما من تنفيذ أي أعمال هندسية دفاعية داخل الاراضي اللبنانية، من أنفاق أو مواقع محصنة للحماية ضد اعتداءاتها، وفي نفس الوقت، تسمح لنفسها، ومن دون اي تدخل أو تقييد أو متابعة من وحدات "اليونيفل"، بتنفيذ كل ما تراه مناسبا لاعتداءاتها، من أعمال هندسية هجومية ودفاعية، وذلك على الحدود مباشرة وعلى الخط الازرق الفاصل بين لبنان وفلسطين المحتلة، ودائما تحت أعين وحدات اليونيفل.
من هنا، وبوجود هذه التعديات وهذا التعنت والصلف الاسرائيلي، من الطبيعي والمنطقي والقانوني، أن يرفض لبنان تعديل مهمة "اليونيفل" كما تريد "اسرائيل"، فالمطلوب من هذا التعديل إسرائيليا واميركيا، أن تكون اليونيفل وكأنها موجودة ومنتشرة لخدمة سيطرة "اسرائيل" ولحماية وحداتها، أو كأن مهمتها هي تحديدًا رعاية اعتداءات "اسرائيل" المتواصلة على لبنان.
طبعا لبنان لن يكون ضد الشرعية الدولية، وهو أساسًا طامح لان ترعى هذه الشرعية سيادته وحدوده استنادا للقانون الدولي، وسيكون جاهزا لتعديل مهمة اليونيفل وللتجاوب مع اي قرار اممي، ولكن من حقه الطبيعي والقانوني قبل ذلك، أن يلمس ويتأكد من تنفيذ "اسرائيل" الاجراءات التالية:
أولًا: عندما تتوقف الاعتداءات الاسرائيلية المتكررة على لبنان وعلى سيادته وعلى أجوائه بشكل كامل، وبضمانة اليونيفل والأمم المتحدة.
ثانيًا: عندما تسمح "اسرائيل" للبنان باستثمار ثرواته البحرية وتسحب ادعاءاتها الكاذبة حول ملكيتها لقسم كبير من البلوكين 8 و9 المحاذيين للمياه الاقتصادية لفلسطين المحتلة.
ثالثًا: عندما تنسحب "اسرائيل" من الأراضي اللبنانية التي ما زالت تحتلها في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم المحتل من قرية الغجر.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024