آراء وتحليلات
أمريكا في فكر الإمام الخميني
د.علي مطر
لا يمكن معرفة عظمة الإمام الخميني قدس الله روحه والإحاطة بشخصيته التاريخية من دون قراءة الأحداث التي عايشها منذ ولادته وحتى وفاته. صنع هذا الإمام من نفسه حدثاً تذكره الأجيال، فهو قرأ ما لم يقرأه كثيرون في عصره، وفهم ما لم يفهمه الكثيرون من سياسات ومؤامرات كانت تحوكها القوى الكبرى في ظل مشهد دمست فيه الحقائق بفعل دسائس قوى الاستكبار كما أسماها الإمام. لا يمكن فهم عظمة هذا الرجل الذي لوهلة أولى تخاله من خارج عصرنا، إلا إذا قرأنا التاريخ السياسي الذي عاصره وتقلب القوى وتغيرات الجغرافيا السياسية التي حصلت في عصره، حيث استطاع تغيير مجرى الأمور وتحدى كل ما كانت تحوكه الدول العظمى من بريطانيا إلى الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأميركية، وهذه الأخيرة التي كانت في أوج قوتها لم يفهمها حقيقةً إلا الإمام الخميني الذي قال عنها الشيطان الأكبر، خاصةً أن هذه القوة العظمى لطالما اختبأت خلف شعارات كحقوق الإنسان والديمقراطية ومناصرة الشعوب، وهي حقيقة تعمل على نهب ثروات الشعوب واستغلالها وتطويعها لمصلحتها.
أميركا..القوة العدائية
لقد تجلت في شخصية الإمام الخميني مقارعة الاستكبار العالمي خصوصاً أمريكا، والدفاع عن المحرومين والمظلومين والمستضعفين في شتى أرجاء العالم، وهو منذ الثالث والعشرين من شهر تشرين الأول عام 1962م عندما أصبح معلوماً أنه من المقرر بدء تنفيذ مشروع رستو-كندي المشروع الأمريكي المتعلق بايران، سعى إلى التنوير حول هذا الموضوع، وقد كان السبب الذي أدى إلى نفيه إلى تركيا هو اعتراضه على قانون الحصانة الدبلوماسية للامريكيين. في ذلك الوقت توصل الإمام إلى هذه الحقيقة حول امريكا وهي أن امريكا تنظر إلى الناس في دول العالم الثالث نظرة تحقير وتجيز لنفسها القيام بأية أعمال وحشية تجاههم. لقد تبين هذا الأمر بشكل أكثر وضوحاً خلال الثورة الإسلامية وبعدها حيث إن غالبية المصائب التي حلت في إيران وحتى في كل منطقة الشرق الأوسط كانت امريكا وراء حدوثها.
كان الإمام يرى أن الولايات المتحدة الأميركية هي القوة العدائية للعالم بعد بريطانيا، فأمريكا في نظر الإمام الخميني هي العدو الأول للبشرية، وناهبة ثروات العالم وأكبر عدو للإسلام والمسلمين في شتى أرجاء الأرض، والتي لن تتوانى عن حياكة الدسائس الشيطانية والخبيثة لتحقيق مآربها، والمتعطشة لامتصاص دماء المسلمين وسلب استقلالهم وحريتهم، وهي العدو الأول لجميع المستضعفين والمحرومين في العالم. وهو الذي قال في العام 1964 "لقد وقعت البلدان الإسلامية بالأمس في براثن انجلترا وعملائها، وها هي اليوم تقع في براثن أمريكا وعملائها، وإن أمريكا هي التي تدعم إسرائيل وأذنابها، وأمريكا هي التي تساعد إسرائيل على تشريد العرب والمسلمين وأمريكا هي التي تعتبر الإسلام والقرآن المجيد ضرراً عليها وتعمل على إبعاده عن طريقها". (صحيفة الإمام، ج 10، ص212).
مشكلة أمريكا أنها لا تحترم الشعوب الأخرى
على الرغم من الانتقادات الشديدة التي كان يوجهها الإمام إلى امريكا إلا أنه لم يكن ينظر لقطع العلاقات معها. الّا انّ أكبر خطأ ارتكبه الامريكيون هو أنهم سعوا إلى إضعاف ايران والقضاء عليها بشكل غير مباشر بدلاً من التعامل البناء معها. كما وبدأوا بالحظر الاقتصادي إلى أن انتهت العلاقات السياسية بشكل رسمي وكامل بين البلدين عند احتلال وكر التجسس الامريكي في طهران بواسطة الطلاب. بالطبع رحب الامام الخميني(قدس سره) بالحظر الاقتصادي المفروض من قبل امريكا ضد ايران لأنه سيزيد من الثقة بالنفس ويبعث على الاكتفاء الذاتي أيضاً.
وهو كان يرى أن أساس الحروب والإجرام في هذا العالم هي هذه الدولة، حيث قال إن شعبنا بل وشعوب العالم الإسلامي والمستضعف يفتخرون بأنهم أعداء لأولئك الذين يكنون العداء لله المتعال وللقرآن الكريم والإسلام العزيز، أولئك المتوحشين الذين لا يتورعون عن ارتكاب أية جريمة وخيانة بغية الوصول إلى أطماعهم المشؤومة والمجرمة، والذين لا يعرفون صديقاً ولا عدواً في سبيل تسلطهم وتحقيق أهدافهم الدنيئة، وعلى رأسهم أمريكا، هذه الدولة الإرهابية التي أشعلت فتيل الحرب في شتى أصقاع العالم، وحليفتها الصهيونية العالمية التي ترتكب من الجرائم ما يندى له جبين الدهر، وما لا تجرؤ الأقلام على رسمه والألسن على أن تتفوه به، من أجل التوصل إلى مطامعها (صحيفة الإمام، ج21،ص398).
هل يمكن إقامة علاقة مع واشنطن؟
وكان من الأسس الثابتة للفكر السياسي لدى الإمام الخميني(قدس سره) عدم الهيمنة والاستكانة التي وردت في الدستور بهذا المعني أيضاً. لذلك يجب الوقوف في وجه هذه الهيمنة ورفضها سواء كانت من قبل امريكا أو أي دولة أخرى.
من الأسس الثابتة الأخرى في فكر الإمام، الصداقة وإقامة العلاقات مع مختلف الأمم. لذلك فإن إقامة العلاقات مع امريكا شريطة ألا يكون ذلك نابعا من موقف الاستكانة للهيمنة والرضوخ لها. فعلى الرغم من معرفة الامام بأن السياسة الامريكية لن تكون قادرة بسهولة بتنظيم سياستها على أساس الاحترام المتبادل مع الدول النامية، وقد شبّه الإمام العلاقة مع امريكا بعلاقة الذئب والشاة، ولأنه كان يأمل بأن العلاقات الدولية ستأخذ منحىً إيجابياً، فقد ترك الباب مفتوحاً أمام عودة العلاقات مع امريكا لكن بعد تحقق بعض الشروط، حيث قال "لن تكون لنا علاقات مع امريكا إلا إن أصبحوا بشراً وكفوا أيديهم عن الظلم".(صحيفة الإمام، ج19، ص95).
أميركا تفرض جزءا من سيطرتها عبر الاعلام والاقتصاد
وكان الإمام يؤكد أن جزءا من قوة أميركا هو ما تبثه في الإعلام، حيث قال لقد استخدم هؤلاء الإعلام من أجل بث الهلع في النفوس حتى يحققوا أطماعهم، ولقد شعر الكثيرون بالرهبة فتخلفوا عن الساحة وباتوا غير مبالين وجبناء. ومع أن قوتهم لم تكن إلى تلك الدرجة التي يبيدون بها شعباً، إلا أنهم استغلوا تلك الشعوب، غير أن الشعب الإيراني غير هذه المعادلة وقضى على ذلك النظام. وهذا هو أمر القوى العظمى، التي يفوق إرعابها حقيقتها، فلو حدث شيء مثلاً في أي بلد صغير خلافاً لهوى الاتحاد السوفيتي أو أمريكا لكفى أن يغضب أحدهما لينتهي الأمر.
كما كان يؤكد أن جزءا من قدرة السيطرة الأميركية هو من خلال السيطرة السياسية الاقتصادية، حيث أشار إلى ان كافة شعوب العالم ابتليت وفرض عليها نوع جديد من العبودية عملياً، حيث فقدت قرارها الاقتصادي في حياتها اليومية بسبب تبعيتها لأرباب المال والقوة، كما أن شعوب العالم باتت تعاني المرض والفقر.
السبيل الأنسب لإراحة الشعوب
بناء على ما تقدم، حدد الإمام الطريقة الأنسب منذ البداية لإراحة الشعوب من سياسات الاستكبار، وهي إبعاد حكومة أميركا الجائرة عنهم، والقضاء عليها، وقد قال "إن على العالم القضاء على أمريكا، وإلا فإن هذه المصائب ستظل تسحق العالم ما دامت أمريكا موجودة، فحيثما لم يتحقق لها ذلك بحثت عن مكان آخر. لقد أشعلت أمريكا نار الحرب في الكثير من مناطق العالم، وهي التي لا زالت تقف وراء الحروب القائمة في الكثير من البلدان. فأمريكا والقوى الكبرى هم الذين يهددون العالم بالخطر ويكذبون في ادعاءاتهم بالحد من الأسلحة. ولهذا فإن علينا أن نصرخ بكل ما في وسعنا بوجه هؤلاء". (صحيفة الإمام، ج17،ص84).
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024