آراء وتحليلات
25 ايار 2000.. كيف كسر المعادلات؟ وماذا قدم لحركات المقاومة؟
شارل ابي نادر
في 25 ايار من العام 2000، تم تحرير القسم الاكبر من الاراضي اللبنانية المحتلة من قبل العدو الاسرائيلي ، باستثناء بعض المناطق التي ما زال يحتلها هذا العدو في مزارع شبعا وقرية الغجر، وذلك بعد مواجهة عسكرية طويلة، امتدت لحوالي 22 عاماً ( 1978 - 2000 ) من ضمنها عدوانان واسعان ( عدوان 1978 وعدوان 1982 ) وفي نهاية هذه المواجهة، فرضت المقاومة اللبنانية على العدو الانسحاب القسري من دون تحقيق اي هدف من الاهداف التي وضعها عندما اتخذ قرار احتلال لبنان.
ذكرى تحرير لبنان من الاحتلال الاسرائيلي في 25 ايار من العام 2000، ليست الذكرى الاولى التي يحتفل بها شعب ووطن بتحرير ارضه من الاحتلال، فالتاريخ حافل بكثير من المناسبات المماثلة، وحتى هناك شعوب واوطان تملك في ذاكرتها وفي وجدانها مناسبات وطنية أهم وأكبر، لناحية مدة الاحتلال او لناحية مساحة الجغرافيا المحررة، او لناحية ضخامة الجيوش المحتلة التي اندحرت، ولكن، يبقى لهذا التحرير بعد متميز، جعل منه نقطة مفصلية في التاريخ الحديث للمنطقة، لما حمله من معانٍ ومضامين تجاوزت لبنان، وكان لها تاثيرات جوهرية على الكثير من الصراعات اللافتة في المنطقة، وهذه الابعاد والمعاني والتاثيرات يمكن استخلاصها من النقاط التالية:
اولاً: مع قدرة "إسرائيل" على تجاوز قرار واضح من مجلس الامن (القرار 425) يقضي بانسحابها، ومواصلة احتلالها لاكثر من 22 عاما رغما عن الشرعية الدولية، فهذا يعني ان نفوذها كبير وانها تستفيد من منظومة علاقات دولية ضخمة، يضاف الى ذلك قدرات عسكرية وديبلوماسية كبيرة، وهذا ما يعطي اول بُعد لافت ميّز تحرير لبنان عام 2000 وهزيمة " اسرائيل "، حيث استطاعت المقاومة اللبنانية دحرها رغم نفوذ الكيان الصهيوني الواسع، ما يعني ان المقاومة فرضت نفسها وقرارها ليس فقط على عدو غاصب قوي، بل انها فرضت نفسها على مجتمع دولي، كان داعما لهذا العدو القوي طيلة فترة احتلاله.
ثانيا: بالرغم من تعاون مجموعة غير بسيطة من اللبنانيين العملاء مع المحتل وبالرغم من تمادي هؤلاء العملاء في قهر اللبنانيين من ابناء المناطق المحتلة، وخلال كامل فترة الاحتلال التي تجاوزت العشرين عاما، فقد عملت المقاومة اللبنانية - بعد الانتصار والتحرير وانسحاب العدو - على حماية بيئة وعائلات العملاء، فكان ذلك التصرف لافتا ومميزا ومن النادر حصوله، حيث الوقائع التاريخية مليئة بالمجازر التي حدثت ضد المتعاونين مع المحتل وضد عائلاتهم، وذلك بعد انسحاب المحتل.
هذا التصرف اللافت الذي قامت به المقاومة اللبنانية، لناحية حماية عائلات العملاء او حماية من سلّم نفسه من العملاء شخصيا بعد الانسحاب، كان له بُعد آخر، ميّز ايضا عملية التحرير، حيث افشلت المقاومة بهذا التصرف الاستراتيجي الواعي مناورةَ العدو الخبيثة، والتي كانت تقوم على خلق فرصة للفتنة وللصدام الدموي في المناطق المحررة، على خلفية المجازر او الانتقامات المُفترضة، وذلك حين قررت الانسحاب المفاجىء دون التنسيق مع العملاء او حتى دون اعلامهم بقرار انسحابها.
ثالثا: لقد شكل تحرير لبنان عام 2000 والمسار الذي سارت به المقاومة في المواجهة، لناحية العمليات القتالية والتكتية، او لناحية الصمود والثبات رغم الخسائر ورغم الشهداء ورغم الفارق الضخم في الامكانيات، مدرسة ونموذجا لحركات المقاومة ولشعوب اخرى في المنطقة، وذلك على الشكل التالي:
بالنسبة للمقاومة الفلسطينية: لقد تغيرت معركتها بالكامل بعد تحرير لبنان، اولا من خلال اعتمادها مدرسة قتال قريبة او مقتبسة عن مدرسة القتال التي خلقتها المقاومة اللبنانية، فكانت تكتيكات المواجهة نموذجا ناجحا، اخذت منه المقاومة الفلسطينية الكثير من العناصر واعتمدته في المواجهات العسكرية في غزة وفي عمليات المقاومة في الضفة الغربية، فاصبح سلاح الانفاق الذي ادخله مقاومون وكوادر وقادة من حزب الله الى مدرسة قتال المقاومة الفلسطينية، سلاحا حاسما ومؤثرا في المعركة ضد العدو، وفرض على الاخير القيام باكثر من مواجهة واسعة او حرب محدودة لتدميره او لانتزاعه من مناورة المقاومة الفلسطينية، ولم ينجح العدو في ذلك بشكل كامل.
ايضا قدّم نموذج الانتصار في تحرير لبنان عام 2000 للمقاومة الفلسطينية درسا جوهريا في جهادها ضد العدو، من خلال مثابرتها على الصمود والثبات وعدم الاستسلام رغم الضغوط الضخمة التي تتعرض لها (عسكريا وديبلوماسيا وسياسيا)، تماما كما واجهت المقاومة اللبنانية اسرائيل في ظل فارق كبير في كل ما ذكر اعلاه وبقيت على ثباتها، فكان النموذج اللبناني مثالا للمقاومة الفلسطينية، احيا قضيتها من خلال امتلاك شعور امكانية الانتصار، مقارنة مع المقاومة اللبنانية، او بمعنى اخر، ابعد اليأس عن فكر المقاومة وخلق لها الامل بامكانية الانتصار وحتى بحتمية الانتصار.
بالنسبة للمقاومة في اليمن، مقاومة الجيش واللجان الشعبية بمواجهة تحالف العدوان على اليمن، فإن نموذج معركة حزب الله او المقاومة اللبنانية بمواجهة العدو الاسرائيلي شكل مدرسة ومثالا، في طريقة القتال وفي المناورة والتكتيك العسكري، منذ بداية الحرب على اليمن وحتى اليوم، لناحية تطور العمليات والتكتيك، لناحية تطوير العمليات الخاصة الخاطفة، ولناحية الدفاع الثابت او في الدفاع المتحرك، وصحيح ان جغرافيا اليمن هي اوسع واصعب من الجغرافيا اللبنانية، ولكن تم اعتماد المبدأ نفسه.
ما كان لافتا في معركة الجيش واللجان الشعبية اليمنية، والذين يمكن القول انهم تميزوا به عن نموذج حزب الله او المقاومة اللبنانية، هو مناورة تطوير وتصنيع القدرات الاستراتيجية من صواريخ باليستية وطيران مسيّر ومظومات دفاع جوي، فاستطاعوا في ذلك اولا حسم المعركة في الداخل وعلى الحدود، واستطاعوا ثانيا فرض معادلة ردع استراتيجي، قلبت موازين الحرب بالكامل لمصلحتهم.
إقرأ المزيد في: آراء وتحليلات
23/11/2024
لماذا تعرقل واشنطن و"تل أبيب" تسليح العراق؟
21/11/2024